رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


الحرب النفسية

5-12-2023 | 21:34


الحرب النفسية

بقلـم: إيمان رسلان
«هى غزة لا تحب الهالوين؟، هل غزة زعلانة من الحفلة؟».. هكذا قالت لى حفيدتى الصغيرة عند عودتها من المدرسة، وسألتها ليه؟، فقالت لى أصل حفلة الحلويات والتنكر لن تُقام علشان غزة؟ فوجئت بكلمة غزة من طفلة صغيرة جدا، وبسرعة أجبت طبعا غزة بتحب الحلويات والحفلة، لكنها مريضة هذا العام، والسنة الجاية ترجعوا تحتفلوا. توقفت عند كلمات وتساؤلات صغيرتى ذات الست سنوات، وارتبكت قليلا لاختيار إجابة تقنعها ولا أكذب بها أيضا، لا أتحدث عن مناسبة الهالوين حتى لو تم تمصير الاحتفال والاقتصار على توزيع الحلويات والملابس التنكرية، فأنا نفسى لحد وقت قريب لم أكن أعرفه، ولن أتحدث عن الدهشة، ولماذا تحتفل مدارسنا وطلابها ومدرسوها المصريون (مصريون)؟! حتى لو نظم التعليم والمناهج أجنبية بها، ولكن هذا ليس موضوعنا فى التقليد الأعمى ولكن ما أتحدث عنه هو السؤال عن غزة، وكيف تكون الإجابة لأطفال صغار، وبالتأكيد مثلها كثيرون من تلاميذ الحضانة والمدارس الذين عرفوا لأول مرة اسم غزة، ويتردد فى كل الأوقات خلال الشهرين الماضيين، ولكنهم بالتأكيد لا يعرفون مَن هى غزة وقصتها، وهل هى إنسان مثلنا لأن لها اسمًا؟، ولا يدركون ما يحدث بها لأن الأغلبية من الأهل تحاول منع المشاهد الدموية قدر الإمكان عن الأطفال أو هكذا أفعل، على الأقل أثناء زيارة الحفيدة، ولكن على الجانب الآخر بالتأكيد هناك الكثير من الأطفال - ولو بالصدفة - يطلعون على صور المجازر فى القنوات أو الفيديوهات، ومن الطبيعى السؤال عن المشاهد التى تدمى قلوبنا نحن الكبار وتدمع الأعين أمام الانتهاكات والقتل، خاصة أن الغالبية من الشهداء الفلسطينيين من الأطفال، ومن الطبيعى أن تنشغل مخيلة الأطفال إذا مرت أمامهم المشاهد، فكيف يتم التعامل مع تلك المواقف ومع الصغار ومع التلاميذ حتى الأكبر قليلا على الأقل فى منطقتنا العربية؟ سؤال تربوى هام وضعتنى أمامه الحفيدة لا سيما أنها بشكل غير مباشر شعرت أن هناك مشكلة، ولا تصح الاحتفالات، ولا بد من وجود إجابات على أسئلة الصغار وإجابات منطقية ومقنعة، وليست السكوت والمنع أو الهروب من الإجابة والشرح، كما فعل كثير من الأمهات والآباء، ولاذوا بالصمت، لأن الشرح خاصة فى مراحل الطفولة والحضانة قضية بالغة الصعوبة، والكذب يشعر به الأطفال مباشرة، وشهداء غزة من الأطفال كما شهدائنا من مدرسة بحر البقر وغيرهم من عشرات تلاميذ المدارس الذين قُتلوا من الاحتلال على مدار العقود الماضية. إذن لا بد من صيغة تربوية وعاجلة للتعامل مع الأحداث، وأن نحفظ أيضا فى وجدان أجيالنا القادمة خاصة القيمة الإنسانية للحياة وللأرض قيمة الإنسانية والوطن والأرض بقصص إنسانية، وربما كرتون أو مسرحيات مبسطة تحترم التاريخ وتحافظ على عزة الوطن ومستقبله، فطوال عقود لم يستطِع الشعب المصرى الذى حارب العدو أن يطبّع العلاقات الشعبية معه، فالوجدان والعقل الجمعى للشعب يجد حاجزا نفسيا معهم، بالتأكيد لن نعاقبهم فى زيارة أو سياحة لمصر فهذا عهد الأمان والضيافة وفقط. وقد لمست ذلك بنفسى فى زيارة لطابا. نعم، تقدم لهم الخدمة ولكن ليس أكثر أو أقل من ذلك. القضية التعليمية والتربويّة هامة فى هذا الوقت، وكنت أتمنى أن تكون هناك تعليمات ولو بسيطة، أو تنبيه على المدرسين للتعامل مع الأحداث، والأسرع والأفيد هو إعداد فيديو نفسى وتربوى للمدرسين للاستعانة به، وأعتقد أنه سيحصد مشاهدة وإقبالا كبيرا أيضا، لأننى شعرت مثل المدرسين والأهالى بالحيرة فى كيفية التعامل مع التلاميذ، وبحثت فلم أجد شيئا للأسف يساعد على الرغم من آلاف الفيديوهات عن كل كبيرة وصغيرة فى حياتنا من كيفية دخول الحمام والاستحمام حتى تكسب الملايين وتغيظ مديرك فى العمل. النقطة الأخرى البالغة الأهمية هى أننا جميعا أو الأغلبية من الشعب المصرى لديها إحساس وضغط نفسى كبير بالمعاناة من مشاهد التدمير والإبادة، والمدرسون المصريون جزء من الشعب، وبالتالى يحتاجون إلى وسائل أكثر للدعم النفسى، وأبسط الإيمان هو وجود فيديوهات للدعم النفسى والخروج من هذا الضغط، خاصة أن الوضع يرتبط أيضا بالوطن المصرى وأمنه القومى ولذلك يزداد الضغط والقلق. ولا بد من خطط معاونة للمدرسين والمدارس، خطة على أسس علمية من علم النفس التربوى والسلوكى، خاصة أن هناك جزءًا خفيًا من التدمير، والإبادة الحالية مقصوداً منها إشاعة الإحباط وعدم الثقة بالنفس وبالقدرات، وبالتالى لا بد من وجود خطة لمواجهة الأحداث واستيعاب الأمر والتفكير فى وضعه فى حده الأدنى وفى إطاره. لقد أذهلتنى من خلال متابعة الشأن التعليمى مشاهد الفيديوهات التى تُذاع على الـ«سوشيال ميديا» من داخل الأراضى المحتلة ومراكز اللجوء الإنسانى بالمدارس والجامعات والأماكن الدينية أو ما تبقى منها، وكيف مثلا أن هناك مباريات فى الشطرنج بالحصى ومسابقات بين التلاميذ والطلاب بأبسط أدوات العصر البدائى، وكل ذلك لمواجهة الأثر النفسى للعدوان حتى لا يتفاقم الوضع، وهنا أتذكر مشاهد صمود اللبنانيين أثناء الحرب الأهلية، بالغناء والرقص أحيانا فما المانع أن تنظم جميع مدارس مصر يومًا رياضيًا للجميع ومباريات بين المدرسين أنفسهم؟، ولماذا لا يُنظم يوم للأنشطة مثل الغناء والرسم والهوايات وليكن أكثر من يوم؟. أعلم أن البعض سيقول المناهج والعجز بالمدرسين، والذى لم يُحل حتى الآن وتتفاقم الأزمة سنوياً رغم أن بلد العدوان على الجانب الحدودى لنا تضع التعليم قضية أولى لهم وقضية حياة أو موت، فرغم كل المشاكل الحالية والتى يمكن حلها فعليا وفى ظل الأزمات المالية التى نمر بها، فالحلول وبحدها الأدنى موجودة. المهم الآن أن الجميع يحتاج إلى هدنة حقيقية من الأثر النفسى للأحداث وعلى رأسها المؤسسات التعليمية لأن الخطر هو من الاكتئاب أو الغضب المكبوت، فكلاهما خطر لا يقل أبدا عن أزمة العملية التعليمية أو تدهورها، وأعتقد أن وزارة التعليم لا بد أن تفكر خارج الصندوق ولا تترك الأمور.. هكذا نحتاج جميعا إلى الهدنة والتقاط الأنفاس.