رئيس مجلس الادارة
عمــر أحمــد ســامي
رئيس التحرير
طــــه فرغــــلي
حرب تختلف عن الحروب
سناء السعيد
بقلـم: سناء السعيد
فى معرض متابعة التطورات التى حدثت فى غزة فى أعقاب استهداف القوات الإسرائيلية الآثمة للقطاع شهد شاهد من أهلها عندما وصف «دانيال ليفى» ــ مفاوض السلام الإسرائيلى السابق ــ رد الفعل من الاحتلال على هجمات حماس فى السابع من أكتوبر الماضى بأنها: (رد غير مناسب حيث إنها تشكل عقابا جماعيا).. ولهذا تفاقم الوضع فى غزة، فالنازحون الفلسطينيون يواجهون خطر مجاعة محتملة، فلا ماء ولا غذاء ولا دواء ولا وقود. وتوفى معظم مرضى العناية المركزة فى مجمع الشفاء، هذا فضلا عن أن المنظومة الصحية فى القطاع على شفا كارثة، والمخاوف تزداد من تفشى الأوبئة. ولقد استغل مستوطنون الحرب على غزة ليقوموا بتهجير فلسطينيى الضفة الغربية إلى الخارج.
حرب غزة لم تكن مثل كل الحروب السابقة ولا يعود السبب فى كونها مختلفة إلى كبر وحجم العملية غير المسبوقة التى نفذتها حركة «حماس» فى السابع من أكتوبر الماضي، وما أعقبها من الانتقام الذى مارسته دولة الاحتلال ووصفه «بنيامين نتنياهو» رئيس وزرائها بأنه «انتقام جبار»، وهو الانتقام الذى أدى إلى مقتل الآلاف من المدنيين الفلسطينيين.
تختلف هذه الحرب عن الحروب الأخرى، والسبب فى ذلك أنها تأتى فى وقت تتداعى فيه خطوط الصدع التى تقسم الشرق الأوسط، فعلى مدى عقدين من الزمن على الأقل كان الصدع الأكثر خطورة فى المشهد الجيوسياسى الممزق فى المنطقة هو بين أصدقاء وحلفاء الولايات المتحدة. أما اليوم فيختلف الأمر.
التطورات اليوم تؤكد أنه كلما طال أمد الحرب فى غزة تمكنت إسرائيل من قتل المزيد من المدنيين الفلسطينيين، بل وتمكنت من تدمير عشرات الآلاف من المنازل، ليتعاظم خطر نشوب صراع بين بعض أعضاء هذين المعسكرين، غير أن الحدود بين إسرائيل ولبنان تشتعل ببطء وثبات، فلا إسرائيل ولا حزب الله يريدان حربا واسعة النطاق، ولكن مع تبادل الضربات القوية على نحو متزايد فإن مخاطر التصعيد غير المنضبط سوف تتصاعد.. أما الحوثيون فى اليمن فيطلقون صواريخ وطائرات مسيرة باتجاه إسرائيل، ولكنها أسقطت جميعا حتى الآن بواسطة الدفاعات الجوية الإسرائيلية أو بواسطة السفن الحربية التابعة للبحرية الأمريكية فى البحر الأحمر.. وفى العراق هاجمت الميليشيات المدعومة من إيران القواعد الأمريكية التى ردت بقصف بعض مواقعها فى سوريا. ومن جديد تحاول جميع الأطراف الحد من التصعيد، لكن التحكم فى وتيرة العمل العسكرى أمر صعب دائما.
أما فى المحور الأمريكى فواشنطن تواصل تقديم الدعم القوى للكيان الصهيونى على الرغم من ادعاء الرئيس الأمريكى «جو بايدن» بأنه غير مرتاح لعمليات القتل التى تقوم بها إسرائيل، والتى تشمل هذا العدد الكبير من المدنيين الفلسطينيين، ولقد أفصح عن ذلك وزير الخارجية الأمريكى «أنتونى بلينكن» عندما قال: (إن أعداد القتلى من المدنيين الفلسطينيين كبير جدا). كما أن العديد ممن يعدون حلفاء لأمريكا قد أدانوا أيضا ما تفعله إسرائيل، فى الوقت نفسه يستدعى مشهد مئات الآلاف من الفلسطينيين ــ وهم يفرون من منازلهم فى شمال غزة، ويسيرون على الطريق الرئيسى جنوبا ــ يستدعى شبح النكبة فى عام 1948، والتى فر فيها أكثر من 700 ألف فلسطينى بعد أن أجبرتهم إسرائيل على ترك منازلهم تحت تهديد السلاح فتم نزوح أغلب فلسطينى عام 1948 إلى قطاع غزة.
إن الحديث الخطير الذى يطلقه بعض القوميين اليهود المتطرفين الداعمين لحكومة « نتنياهو» عن فرض نكبة أخرى على الفلسطينيين يثير قلق الدول العربية وخاصة مصر والأردن. حتى أن أحد الوزراء فى حكومة «نتنياهو» طالب بإسقاط قنبلة نووية على غزة للقضاء على حماس، ووبخه «نتنياهو» وأوقفه عن العمل، لكن لم يقله.. وكل هذا يمكن رفضه باعتباره مجرد هذيان من أناس غير عاقلين، ولكنه يؤخذ على محمل الجد فى مصر والأردن، لا سيما مع ما تمتلكه إسرائيل من ترسانة نووية، وإن كانت غير معلنة.. وفضلا عن هذا هناك محاولات فعلية من جيش الاحتلال إجبار مئات الآلاف من الفلسطينيين على عبور الحدود إلى الأردن ومصر، إلا أن الموقف المصرى كان حاسماً برفض تهجير الفلسطينيين إلى مصر.
أما بالنسبة للحرب نفسها فى غزة فقد قال دبلوماسيون غربيون رفيعو المستوى من الدول الحليفة لإسرائيل: (إن إنهاء الحرب والتعامل مع تداعياتها سيكون صعبا وفوضويا ). وقال أحدهم: (إن السبيل الوحيد لتحقيق ذلك هو إعادة بناء أفق سياسى للفلسطينيين).. وتلك إشارة إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب إسرائيل، أو ما يسمى بحل الدولتين، وتأتى محاولة إحيائها فى سياق تسوية أوسع بين العرب وإسرائيل كخطة طموحة، وربما هى الفكرة الأفضل الموجودة حاليا. ولكن فى ظل الجو القائم والمليء بالألم والقلق والكراهية سيكون من الصعب للغاية تحقيق ذلك. وبالتالى لن يتم ذلك فى ظل القيادة الحالية لكل من الفلسطينيين والإسرائيليين.
وإلى الآن لم يكشف «نتنياهو» عن خطته لليوم التالى بعد انتهاء القتال فى غزة. لكنه رفض الخطة الأمريكية المتمثلة فى تشكيل حكومة تقودها السلطة الفلسطينية برئاسة «محمود عباس»، والتى طرحتها حماس فى غزة عام 2007. أما الجزء الثانى من الخطة الأمريكية، فهو التفاوض على حل الدولتين والذى عارضه «بنيامين نتنياهو» طوال حياته السياسية.