رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


عبدالفتاح السيسى.. ودور الفـرد البطل فـى تاريخ الأمم

6-12-2023 | 10:55


صورة أرشيفية

بقلـم: د.أحمد فاروق
طالما اختلف المفكرون قديمًا وحديثًا فى دور الفرد ودور الجماعة فى التاريخ، فبينما ذهب البعض إلى أن دور الفرد البطل فى التاريخ لا غنى عنه، وخاصة فى المجتمعات التى تعيش فى طور الانتقال السياسى والاقتصادي، ذهب آخرون إلى أن بناء المجتمعات لها الدور الأهم فى حركتها إلى المستقبل، ويمكن القول أن كلا النظريتين صحيح، ولها مجالها فى العمل، فدور الإنسان الفرد فى التاريخ لا غنى عنه، وخاصة فى المفاصل الكبرى فى تاريخ أمته، فى حين أن لبناء المجتمعات الاقتصادى والاجتماعى آثاره الكبيرة على حاضرها ومستقبلها.. الرئيس عبدالفتاح السيسى مثال على دور الفرد البطل فى حياة أمته، رجل ألقت عليه المقادير بمهمة كبرى تتعلق بإنقاذ بلاده وشعبها من خطط دولية استمر العمل عليها لعقود، وتكلفت مجهودات هائلة فى التفكير والتخطيط والتنفيذ، ورصدت لها مليارات الدولارات، ووضعت دول بأكملها فى خدمة هذه المشاريع الكبرى، وأتى السيسى ومعه شعب وجيش مصر الوطنى ليجعل تلك المشاريع هباء تذروها الرياح أو كأنه حلم ليلة صيف.. لقد كان التغيير الذى حدث فى مصر فى ذلك الصيف الملتهب - صيف 2013 - علامة كبرى على بداية النهاية لعصر كامل، من الممكن أن نسميه عصرًا أو حقبة الإسلام السياسى فى الشرق الأوسط الحديث.. كان ذلك اليوم الذى تصدره هذا البطل علامة كبرى على نهاية خطط عميقة الجذور فى تاريخ منطقتنا، ونهاية مشروع أممى هائل استدعى قدرًا ضخمًا من الجهد والمال والأفكار.. ونهاية جهد استدعى قصة مائة عام من عمر مصر وتاريخ الشرق الأوسط.. كانت الدولة المصرية فى مرمى النيران، وتعددت محاولات ووسائل اصطيادها. أولها: نشر الأفكار الخلافية، حتى بين أبناء الدين الواحد والمذهب الواحد، فيكفى أن تذهب إلى بطون الكتب القديمة وتستخرج منها الآراء الغريبة أو الشاذة أو التى ليس عليها إجماع، وتقوم بنشرها على العامة، وتقدمها لهم على أنها هى الدين نفسه، ومن خالفها استحق وصفه بأنه غير متدين أو غير غيور على دينه!! وليس الأمر مجرد اجتهاد رجل معين فى زمن معين!! وبعد فترة من الزمن ستجد قطعانًا كثيرة من الناس سارت وراء هذا الكلام الغريب والآراء المهجورة، ورفعتها إلى درجة تصبح وكأنها الدين!! بينما هى آراء أغلبها ضار ويخلف وراءه مشاكل بلا حصر.. وتحتاج الدولة والمصلحين إلى سنين طويلة لمجرد إقناع الناس بأن تلك الآراء ليست هى الدين، وإنما هى رأى بشر عادى يمكن أن يخطئ، أو على الأقل هو رأى متفق مع ظروف عصره وليس غيره من العصور، التى تغيرت فيها الدنيا والناس والأفهام والعلوم وهذا ما حدث مع مصر عبر الجماعة الإرهابية التى صدرت للمجتمع أفكارا قديمة لتحكم بها وتسيطر على العقول. ثانيها: إذا كان فى الدولة أديان متعددة، فالموضوع أسهل، يكفى أولًا محاولة إبعاد الشعور المشترك بين أهل الديانتين، وتصعيد أفكار ورجال يغذون بث الفرقة الشعورية والنفسية، حتى يصل الأمر إلى انكفاء الطائفة الأقل عددًا على نفسها، ثم يأتى دور العنف والإرهاب ليقنعهم بأن الحياة فى هذا البلد وهذه الظروف أصبحت مستحيلة.. ثالثها: شيطنة الدولة.. بإقناع أهل الدين الأكثر عددًا بأن الدولة تقف فى سبيل تقدمه، وإقناع أهل الدين الأقل عددًا بأن الدولة هى سبب مشكلتهم، وإقناع العلمانيين بأن الدولة متراخية مع المتطرفين، وإقناع المتطرفين أن الدولة تحابى العلمانيين، وإقناع الناصريين أن الدولة تحارب تراث عبدالناصر، وإقناع الساداتيين أن الدولة رجعت إلى انغلاق عبدالناصر، وإقناع الفقراء أن الدولة ضدهم، وفى نفس الوقت إقناع الأغنياء أن الدولة ضدهم!! فتكون النتيجة فى النهاية أن الدولة تصبح متهمة من الجميع، والكل يشك فى مسارها ويتجه كل فريق إلى الإمساك بمعول لهدم تلك الدولة، التى يرى فيها الجميع أنها صورة الشيطان، فى حين أنهم هم - كلهم - مجموعات من الملائكة!! وإذا كان فى الدولة أعراق متعددة فالموضوع أسهل كثيراً، وليس مطلوباً أكثر من إعادة بعث لغة وثقافة هذه الأعراق تحت لافتة التنوع الثقافي، فبدلاً من ثقافة تجمع الكل، تصبح لكل عِرق ثقافته ولكل طائفة ثقافتها، بل لكل منطقة ثقافتها.. وبما أن مصر شعب واحد، ففيما يخص هذه النقطة حاولوا خلق تقسيم مناطقي، فأهل النوبة لا بد أن تكون لهم ثقافتهم الخاصة (مع أنهم مصريون وعرب ومسلمون ومن أهل السنة مثل باقى المصريين) وأهل مطروح لا بد أن تكون لهم ثقافتهم الخاصة، وكذلك أهل الواحات، وكذلك أهل سيناء!! وطالما ظهرت كتب ودراسات فى الغرب تركز على هذه الأمور، وهدفها خلق هويات متعددة بدلاً من الهوية المصرية الجامعة.. ثم تأتى بعد ذلك المطالبة بالديمقراطية فى شعب انقسم إلى مائة طائفة وشعبة.. والديمقراطية فى العالم الثالث تشبه طفلاً صغيرًا متعلقًا بلعبة معينة لا يعرف أصلها من فصلها، ولكن قيل له إنها لعبة جميلة ومسلية، ولم يدله أحد على مكامن الخطورة فيها، والنتيجة أن تظهر فئات فى الشعب تنادى بأعلى صوتها: نريد الديمقراطية.. لا بد من ديمقراطية، ولم يلتفت أحد أن تلك اللعبة المسماة ديمقراطية يلزمها شروط معينة، منها درجة معينة من نمو قوى الإنتاج تسمح لها بالتنافس على السلطة بوسيلة سلمية، وشعب متحد على الأهداف والمبادئ الأساسية فى حياته، وليس شعبًا منقسمًا على ذاته فى فهم الدين ودوره، وأى نظام اقتصادى يتبع، وفى أى إطار سياسى ينظم جهوده.. والنتيجة الطبيعية فى مثل تلك المجتمعات أن تصبح الديمقراطية داعية لانقسام وتفتت الدولة وليس لوحدتها، وتجد طوائف كثيرة تطالب بحق تقرير المصير، وعمل استفتاءات لقول نعم أو لا للبقاء فى الدولة.. أليس ذلك ما حدث فى السودان فى جنوبه أولاً، ثم فى دارفور وفى كردفان، بل ووصل الآن إلى الشمال؟! أليس ذلك ما حدث فى العراق؟ أليس ذلك ما حدث فى لبنان؟ وفى سوريا؟ وفى اليمن؟ وفى غيرها... شدة عظيمة وسنوات صعبة تلك التى يمر بها العالم الثالث، وهجمة الغرب هنا تعدت مرحلة الاستعمار المباشر أو حتى الاستعمار الاقتصادى الذى تلاه، إلى مرحلة أكثر خبثاً بمراحل، لقد دخلنا فى مرحلة استعمار العقل.. حيث يقتل الإنسان نفسه وبلده ودينه بيده، وهو يظن أنه يحسن صنعًا.. هذه هى المرحلة التى وجد الرئيس عبدالفتاح السيسى فيها مصر. عند توليه رئاسة الجمهورية، دولة ممزقة، متناحرة، يريد الكل منها أن تصبح ضمن دائرة نفوذه.. وهنا كان الدور الأكبر للرئيس البطل، والذى سيحفظه له التاريخ طويلاً وهو إنقاذ مصر من الانهيار. فكيف أمكن لذلك الرجل أن ينتشل مصر من هذا المستنقع الصعب؟ وكيف استطاع أن يحفظ للدولة وحدتها، وللشعب تماسكه، وان يرسم طريقًا جديدًا للمصريين، يبتعدون به عن سنوات الضياع الماضية؟ ولم يكن ما فعله الرئيس السيسى لمصر فقط ما سبق، فقد تعرض الرجل لمخاطر غير مسبوقة، ولتحديات هائلة، ونصبت أمامه فخاخ بلا عدد، منها مثلاً تحدى الاقتصاد، فى دولة تعرضت لثورتين خلال ثلاث سنوات، وتعرضت لعمليات إرهابية لعقد كامل تقريبًا، وتوقفت بصورة شبه كاملة موارد رئيسية فى اقتصادها مثل السياحة، وتعرضت لمؤامرات تعمل على عزلها وإبعاد أصدقائها عنها – بجانب محاولات لا تنتهى لإبعاد مصر عن حلفائها العرب، ومحاولة تدبير فخاخ خطيرة – وحروب - لمصر، مرة فى ليبيا، ومرة مع إثيوبيا، ومرة بإشعال حدودها الجنوبية، ومرة بإشعال حدودها الشمالية الشرقية.. ولم يكن آخر التحديات الرهيبة أمام الرئيس السيسى ما يحدث اليوم فى فلسطين، والمحاولات المستمرة والضغوط الهائلة لتهجير الفلسطينيين من غزة إلى سيناء، رفضها الرجل بشجاعة هائلة وحسم واضح، على الرغم من ظروف الاقتصاد المصرى غير المواتية، وهى نفس الظروف التى ظن من خطط لهذا المشروع أنها مقتل مصر ونقطة الضعف الكبرى التى سينفذون منها إليها، لكن أخلف الرئيس السيسى ظنونهم، ووقف وقفته الباسلة ووراءه شعب مصر كله معلنًا أنه لا الاقتصاد ولا ألف سبب غيره سيجبر المصريين على التفريط فى حبة رمل واحدة من أرضهم. والخلاصة فى كل ما سبق.. أن الرئيس عبدالفتاح السيسى أتى فى زمن اضطرابات كبرى فى مصر، وكان له فى تلك الاضطرابات رأى وفعل، وكان فعله هو ما قلب الموازين كلها، حيث أنقذ مصر من أسوأ مصير يمكن أن تصل إليه فى تاريخها المعاصر، هكذا يرى عموم المصريين، لكن من وجهة نظر تنظيم الإخوان الإرهابى والمتحالفين معه - فهم يرون أن ما فعله السيسى حرم الإخوان من الحكم.. ومن هنا فإن السيسى نوع من الرؤساء وراءه مواريث لا يمكن إغفالها، فبينما يحفظ له كثيرون الجميل، يصر الكارهون لمصر على الانتقام منه، فهو ليس رئيساً عادياً ولكن تجربته غير مسبوقة. وبالنسبة للظرف الاقتصادى الحالى فلدى اعتقاد راسخ أن من يكره السيسى – من تنظيم الإخوان وحلفائه - قد قرر أن يكرهه حتى لو أصبح سعر الدولار 1 جنيه مثلاً، وأن من يقف بجانب السيسى ويتفهم ظروف مصر فى عهده قرر الوقوف بجانبه حتى لو وصل سعر الدولار 100 جنيه.. والحقيقة أن سعر صرف الدولار مقابل الجنيه - والموضوع الاقتصادى برمته ليس إلا حجة يستخدمها هذا الطرف الكاره للرئيس فى تحقيق أهدافه، مع تطورات سعر الصرف انخفاضًا أو ارتفاعًا.. وكلامى ينصب على الفئات المسيسة فى الشعب، وليس على فئات لا تعنيها السياسة بقدر توفير أسباب الرزق لها ولأسرها.. وحتى بين هؤلاء لن تعدم وجود طوائف كثيرة تفهم الأمور على حقيقتها، وتعرف حقيقة الأوضاع فى عالم شديد الاضطراب، فقد وصل التضخم فى بعض البلاد الكبرى إلى مستويات قياسية، واختفت سلع بأكملها من دول أخرى، واضطرت بريطانيا “العظمى» إلى تغيير ثلاث حكومات خلال شهرين فقط، من حكومة بوريس جونسون إلى حكومة ليز تراس إلى حكومة ريشى سوناك، واتضح فى النهاية أن الأزمة أكبر من الأشخاص، مهما كانت كفاءتهم.. فالظرف العالمى واضح أمام الجميع، وتأثيره على الكبير قبل الصغير من دول العالم لا يحتاج بيانًا.. وفى مصر حدث بها ما حدث فى غيرها، ارتفاع فى الأسعار، وانخفاض فى قيمة الجنيه، وبالطبع اعتبرتها الجماعة الإرهابية ومعها وقوى لهم مع الرئيس السيسى ثأر لن ينسوه ولو بعد مائة عام فرصة للانتقام منه. الغريب أن سعر صرف العملة فى العديد من الدول انخفض فى السنوات الخمس الماضية أكبر من انخفاض الجنيه المصرى، ولم يتكلم أحد عن أى أخطاء، بل كان التفهم وتقديم الأعذار لسان حال الجميع.. الجميع يعلم أن الموضوع بالنسبة لهؤلاء ليس الاقتصاد، ولكن يدخل فى صلب السياسة مباشرة.. وبرغم كل شيء فإننى أعتقد أنه بأى مقياس عادل فإن رصيد الرئيس السيسى الاقتصادى الجيد كبير وأن أى تقييم منصف يأخذ فى اعتباره ظروف مصر كلها فى العشرين سنة الأخيرة - وخاصة السنوات العشر الأخيرة منها - سيضع السيسى فى موضعه اللائق كأحد الشخصيات العظيمة فى تاريخ مصر المعاصر.. لم يستلم السيسى مصر وهى قوة كبرى اقتصاديًا، بل ألقت إليه الظروف بدولة قامت بها اضطرابات كبرى فى العقد الأول من هذا القرن، انتهت بثورة فى 2011، ثم وصول تنظيم أممى عابر للوطنية، إرهابى النزعة، منغلق العقل لحكم البلاد، استلزم التخلص منه ثورة ثانية، ثم تبتعها اضطرابات كبرى استمرت لست سنوات ما بين عمليات إرهابية، وعداء دولي، وانهيار فى مرافق البلاد الإنتاجية والخدمية، وتوقف السياحة.. وعندما التقطت البلاد أنفاسها جاءت قصة كورونا وتوقفت حياة العالم كله لسنتين كاملتين (2020 - 2021) ومع انحسار كورونا وجد العالم نفسه فى خضم أزمة، ثم حرب بين القوى الكبرى فى العالم، على الأرض الأوكرانية.. هذه كلمة سريعة حاولت أن تضع هذا الرجل الكبير فى مكانه من تاريخ مصر الحديث، وأن تتفهم ظروفه السياسية والإنسانية، وظروف مصر فى عصره.. أما عن رأيى أنا الشخصى فيه، فمازلت أراه كما رأيته أول مرة ظهر فيها، وقال كلمته فى حوادث مصر وظروفها المضطربة: رجل شريف.. فى زمن عز فيه الشرف.