رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


الدكتور زكي العيلة.. أوراق خضراء في شجرة ابن غزة المناضلة

11-12-2023 | 12:26


سمير الفيل

سمير الفيل

● نصوص د. زكى العيلة  تؤرخ للهم الفلسطيني، وتقدم مشاهد من صمود هذا الشعب العظيم الذي عرف بالصلابة ومقاومة العدوان دون كلل أو ملل
● عرفت الدكتور زكى العيلة قاصا مجيدا، تفيض قصصه وطنية وعذوبة، وكان مؤمنا بشعبه، عارفا بقيمة الوطن، واثقا من عدالة قضيته

في الوقت الذي تتعرض فيه " غزة " لعدوان بربري سافر، ضرب كل القيم الإنسانية في مقتل.
في الزمن الصعب الذي يجيش العدوان الصهيوني أسلحته وصواريخه وقنابله لقتل آلاف الأبرياء،  في بيوتهم الآمنة، في المدارس، والمستشفيات، ووسائل المواصلات، ينتفض العالم الحر للوقوف مع أصحاب القضية. من هنا تكتسب الكتابة الصادقة أهميتها.
أتوقف مع كاتب من غزة المناضلة، كتبت عنه في حياته، وكتبت عنه عند رحيله. كان محبا لمصر، وشارك مع الوفد الفلسطيني لرجوع اتحاد الكتاب العرب للعاصمة المصرية، القاهرة.
ماذا يمكن أن أقول عن الدكتور زكي العيلة ؟
ذلك الأستاذ والمعلم، والصديق، والإنسان؟
الرجل الذي تعلمنا منه قيمة الصبر والمثابرة، قوة الإرادة، وجميل العطاء ؟
ربما وريقات خضراء تمنحنا بعض العزاء.
1
تعرفت على الدكتور زكي العيلة على الشبكة العنكبوتية، وبالتحديد موقع القصة العربية حيث تزاملنا سويا في نشر بعض القصص التي كنا نكتبها، وقد لفت نظري خلال تلك الفترة تمتعه بحاسة نقدية متميزة، متوهجة. فكان يختار بعناية النصوص السردية التي تعجبه، ويكتب عنها مستخدما أدواته النقدية المحكمة، ومن خلال مداخلاته تعرفت على ثقافته ومعاييره النقدية الصارمة.
كان هو القاريء الأول لي، ومعه كاتب فلسطيني آخر هو الأستاذ خالد الجبور.
حقا. لقد أفادني كثيرا فيما قدم لي من وجهات نظر جديرة بالتقدير والاحترام.
2
في المقابل، عرفته قاصا مجيدا، تفيض قصصه وطنية وعذوبة. لقد كنت أتأمل نصوصه فإذا هي تؤرخ للهم الفلسطيني، وهي تقدم مشاهد من صمود هذا الشعب العظيم الذي عرف بالصلابة ومقاومة العدوان دون كلل أو ملل. والجميل أن تكون القصص التي كتبها زكي العيلة ذات ملمح إنساني وفير، فهي تقدم للقاريء النص عبر صياغة لغوية ناصعة.
كنت أشعر مع كل قصة يبدعها بالقضية الفلسطينية تـُـبعث من جديد عبر مجموعاته التي قرأناها : " حيطان من دم " 1989، " زمن الغياب " 1998، "بحر رمادي غويط" 2000. 
أبدأ قراءة النص فإذا بي أعيش أجواء الحصار الذي يتعرض له شعب أبي رفض الذل والهوان.
3
في الثلاثين من مايو سنة 2007 كان أول لقاء لي معه في القاهرة. هاتفني: كيف يمكن أن أجدك؟.
قلت له: سيكون وجودي بقصر ثقافة السينـما بحي " جاردن سيتي " حيث تنعقد أمانة مؤتمر أدباء مصر.
في الواحدة ظهرا سمعت من يناديني باسمي. توقعت أن يكون هو. هبطت السلم بسرعة. كانت أشجار الكافور تحجبه. حين صرت على الأرض وجدته يبتسم فاتحا ذراعيه، بابتسامة مشرقة تملأ الدنيا بالحبور.
كان كما توقعته تماما: بسيطا، متواضعا، إنسانا بكل معنى الكلمة.
حددنا سويا موعدا مناسبا بعد انتهاء الاجتماع، وهو بدوره كان يجهز أطروحته للدكتوراة.
في الرابعة كنا سويا، ومعنا الشاعر الشاب محمد التوني ـ وهو من مدينتي دمياط ـ رحنا نتجول ونسير في شوارع القاهرة. من جاردن سيتي إلى شارع القصر العيني، وحتى ميدان طلعت حرب.
 كان الدكتور زكي العيلة هو الذي يقودنا ، وكنا نتبادل حديث القصة والشعر والرواية والمسرح. اكتشفت فيه اهتماما بالغا بالفن الشعبي وبالفلكلور الفلسطيني، وهو ما انعكس في كتاباته، وبالتحديد في بحثه العلمي الرائع "تراث البحر الفلسطيني" وهي دراسة صدرت عن دار الرواد بالقدس 1982.
4
خلال الحوار الذي جرى بيننا اكتشفت قناعاته الفكرية، وتلمست عن قرب عمق إنسانيته، وقدرته على بسط أفكاره. 
كان مؤمنا بشعبه، عارفا بقيمة الوطن، واثقا من عدالة قضيته. لم يكن عبوسا، إذ تبادلنا "القفشات" و"النكات" التي تسخر من كل شيء حولنا. 
في هذه المقابلة صمم أن " يعزمنا " في مطعم شعبي يعرفه. صعد ثلاثتنا الدكتور زكي ومحمد التوني وأنا، سلما صغيرا. تناولنا الغذاء سويا ولم نتوقف لحظة واحدة عن الكلام، وإن تطرقنا هذه المرة للحديث عن حياتنا الأسرية، والأغاني التي تعجبنا، والأفلام التي أثرت فينا، كما تحدثنا عن كيفية تعاملنا مع الأبناء.
كان بسيطا، حكيما، منسجما مع الحياة ومتصالحا معها.
5
حين أعدت مجموعة من الأدباء المصريين ملتقى العريش الأدبي الثاني 5ـ 8 أغسطس سنة 2007 كان مقررا أن يحضر معنا هذه الفعالية لكن إغلاق المعابر حال دون ذلك ، فأرسل بحثه للزميلة عايدة النوباني كي تلقيه بدلا منه، وبالمصادفة تواجد الدكتور محمد العيلة، الذي حضر الملتقى كاملا. 
لم يحرمنا الدكتور زكي العيلة من وجوده ، إذ كان يتصل بنا جميعا كل يوم، ليتحدث معنا في شئون الفكر والثقافة، وفي فعاليات الملتقى . كان يحدثني، ويحدث الروائي سيد الوكيل، والقاصة هويدا صالح، والأديب عبدالله السلايمة، والقاصة منى الشيمي، والقاص زين الشريف، والأديب حسونة فتحي، فهو يعرف الكتاب من خلال تتبع أعمالهم.
كان رغم  غيابه عن ملتقى العريش أكثرنا حضورا بأوراقه وأبحاثه، وصوته الدافيء الجسور.
6
جاءتني رسالة قصيرة على جوالي، تقول إنه قد أصيب بالمرض اللعين. تتبعت ومعي الكثيرون من محبيه رحلة العلاج الصعبة. كان حبي الخالص للدكتور زكي العيلة يجعلني في سباق مع الزمن لكي أنشر كل ما وصلني من إنتاجه الإبداعي وجهده البحثي على شبكة الإنترنت. 
كنت أشعر أنه أخي، وصديقي، وأستاذي. من الصعب أن تجد شخصا يحمل هذه الصفات مجتمعة. حين كان يأتيني صوته من "غزة " أكلمه ثم أسلم السماعة لزوجتي " أم شادي " لأنه يحب أن يطمئن على أولادي. 
دعوته لزيارتي في مدينة دمياط، فوعدني بذلك في المستقبل، وذهب إلى الإسكندرية حيث الزميلة الكاتبة بشرى أبوشرار، وعبدالله هاشم ، وأغلب كتاب القصة القصيرة بالثغر. هؤلاء الكتاب الأعزاء الذين أحبوه،  وقدروه، واعتبروه واحدا منهم.
7
في الصفحة الداخلية لكتابه " في ضفاف السرد"، والذي تناول فيه بالنقد الرصين مجموعة من القصص منها قصتي " المأمورية"، والتي نشرت في مجلة " الهلال"، يهديني المطبوع بهذه العبارة:
" أخي المبدع الكبير / سمير الفيل..
إلى أن نلتقي في أجمل ضفاف..
زكي 3/5/2009 " .
يالها من كلمات مؤثرة. سنلتقي يا أخي الحبيب إن شاء الله في أجمل ضفاف. 
سوف ألحق بك لنكمل ما بدأناه من بوح حميم.
 ليرحمك الله . وليشملك بمغفرته .
فقد كنت نعم الأخ، ونعم الصديق.
* الدكتور زكي العيلة: كاتب فلسطيني من مدينة غزة، عمل بالتعليم العام، وكان صديقا للشاعر  محمود درويش، وضمه وفد أدباء فلسطين في أكثر من مؤتمر أدبي، عقد بالمدن العربية.