رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


جماعة الإخوان وفتنة المال الحرام!

22-2-2017 | 13:04


بقلم –  أحمد بان

المال عصب حياة أى كيان أو فكرة خصوصا فى هذا الزمان الذى نعيشه، وقد كان المال من أهم مصادر قوة الجماعة التى عبدت طريقها، بالطبع إلى جانب إخلاص الأتباع والطاعة العمياء للقيادة، وربما يبدو الحديث عن المال داخل جماعة الإخوان والأدوار التى صنعها والنجاحات التى أمنها للجماعة، من المسائل الغامضة التى لم تتضح للكثيرين، لكن تطور أحداث الصدام بين الدولة والجماعة من جهة، ثم تطور الصراع بين جناحى الجماعة داخليا، ما مهد ربما لكشف اللثام عن العديد من الأمور، التى جعلتنا أمام جماعة سرية جمعت إلى جانب المخلصين قدرا لا بأس به من الانتهازيين واللصوص وعبيد المال الحرام.

 

من المعروف أن كل فرد فى جماعة الإخوان وفقا للائحة الجماعة يدفع من ٧ إلى ١٠٪ من إجمالى دخله اشتراكا شهريا للجماعة، وقد أدرك حسن البنا مبكرا أهمية المال فى تمويل أنشطة الأحزاب والجماعات، ومن ثم فقد جعل للجماعة شركات تستثمر فى صناعة الإعلانات ومطابع إضافة الى أنشطة تجارية أخرى، كما تضمن تعريفه للجماعة باعتبارها شركة اقتصادية، لكن الأمر تطور مع زيادة أفراد الجماعة وانتشارها عبر العالم، وهو ما جعل التنظيم الدولى حريصا على أن يكون للجماعة مجموعة من المحافظ المالية التى تعظم أموالها وتجنبها مصادرة أموالها إذا تركزت فى مصدر واحد حيث يفتح المال الأبواب، وما كان للجماعة أن تبنى هذا العدد الضخم من المؤسسات الخادمة لأنشطتها إلا فى ظل استثمار أموالها عبر اللجنة المالية، التى توزعت على قارات العالم الست بحيث بقيت أسرارها فى يد شخص واحد معروف، هو خيرت الشاطر النائب الأول للجماعة والمرشد الفعلى الأكثر نفوذا داخلها، والذى مازال يحتفظ بأسرار الجماعة المالية التى كشفت جانبا منها الواقعة الأخيرة، المرتبطة بتعرض مكتب الرابطة الإخوانية فى الخارج لحادثة نصب من قبل رجال أعمال يمنى كان ممرا لتحويل مبلغ ٢ مليار جنيه لكنه احتفظ بالمبلغ لنفسه، وكان من الممكن أن يمر الموضوع كما مر غيره، فى سراديب الجماعة التى احتفظت بأموالها بعهدة بعض الأعضاء الموثوقين لدى الدائرة الضيقة داخلها، فهذا تسجل مدارس باسمه وذاك تسجل شركات صرافة أو مقاولات أو مستشفى باسمه، وقد نجحت لجنة التحفظ على أموال الجماعة فى التحفظ على بعض أصول الجماعة المسجلة بأسماء بعض أفرادها أو القريبين منها، قدرت فى بعض التصريحات بـ٣٥ مليار جنيه؛ لكن هذا الرقم يتناقض مع أرقام أخرى معلنة تتحدث عن أن ٥٣ مستشفى من مستشفيات الجماعة حققت خلال ثمانية أشهر أرباحا فاقت الـ١٥٠ مليون جنيه، فضلا عن أرقام أخرى أعلنت أن جمعية رابعة العدوية وهى جمعية مملوكة للجماعة تبلغ أرصدتها بالبنوك ١١١ مليون جنيه، هذه الأموال الضخمة لا توجد أى صيغة مؤسسية أو رسمية للرقابة عليها، وتبقى كنزا مخبوءا، لا يعرف أمره سوى هذا العدد المحدود من أعضاء اللجنة المالية، التى لم يعرف من أعضائها سوى خيرت الشاطر.

ورغم الإخفاقات المتوالية للجماعة على المستويين السياسى والأخلاقى، إلا أن هذا السقوط الأخلاقى فيما يتعلق بالذمة المالية لبعض القيادات، والتجربة التى أكدت أن منهم لصوصا تكسبوا من مواقعهم وتخفوا خلف اللحى وترديد كلمات التقوى والورع، التى لم تكن سوى قناع حجب حقيقتهم أمام القواعد الإخوانية، قبل أن يتكفل بعض شباب الجماعة ذاتهم ممن كانوا يقبلون تلك اللحى والأيادى بلعنها علنا واتهامها بالسرقة والتكسب واختلاس أموال الجماعة، وبدا أن حال العافية والرفاهية هى التى تكشف حقائق تلك الجماعات السرية، ففى أحوال الاستضعاف يتوارى الانتهازيون لكنهم تقدموا الصفوف مع وصول الجماعة الى الحكم وأطلوا من كل موقع، مازلت أذكر كيف حكى لى أحدهم وكان يعمل سكرتيرا لأحد الوزراء من الإخوان أنه كلما صعد لفوق شم الروائح الكريهة، فى إشارة الى الاختلاسات والرشاوى التى لحقت بمن كان يظنهم أولياء الله الصالحين، بدأت الاتهامات قبل عامين فقط عندما ظهرت اتهامات بعض شباب الجماعة لمحمود غزلان ومحمود حسين باختلاس أموال الجماعة، الأمر الذى كان قد أكده عمرو فراج مدير موقع رصد الإخوانى بقوله «محمود حسين يواجه فعلا شبهات فساد مالى كبيرة داخل الجماعة”، كان قد سبق ذلك ربما بأعوام وقبل ثورة يناير التى كشفت العديد من أسرار الجماعة، أحاديث عن عضو مكتب الإرشاد الذى كان يسمى بحارس الأصول فى إشارة إلى الأصول العشرين لركن الفهم، والتى تعبر عن زبدة أفكار حسن البنا والتى كان يتولى شرحها هذا العضو فى محاضرات مشهورة بين أعضاء الجماعة، كما حملت بعض كتب تاريخ الجماعة اسمه كمؤلف كلون من ألوان تغطية أعمال لجنة التاريخ فى الجماعة، هذا الرجل كتبت بعض مدارس الجماعة فى الإسكندرية باسمه فى إطار تغطية نشاط الجماعة المالى، وحين قامت ثورة يناير وبدا أن الجماعة بصدد الحصول على شرعية قانونية طلبت منه الجماعة أن يسلم المدارس للجنة شكلتها، فما كان منه إلا أن قال سأسلمها بشرط أن تلتزموا بمعاش شهرى لى ولأولادى مدى الحياة، وظل يماطل فى تسليم المدارس وهو ما أكده خيرت الشاطر عندما رفض ترشيحه لمنصب المرشد بعد محمد مهدى عاكف، واستبدل بمحمد بديع حيث قال الشاطر « إنه أى هذا الشخص غير ورع فيما يتعلق بالذمة المالية”، كيف بقى لكل تلك السنوات عضوا راسخا فى مكتب الإرشاد وتحيط به تلك الشبهة التى تطعن فى أهليته لهذا المنصب الخطير؟؛ لكن الأمر ليس غريبا عن مسيرة الجماعة التى وقعت فيما حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم” إنه أهلك من كان قبلكم أنه إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد”، وقد غضت الجماعة تاريخيا الطرف عن أخطاء القيادات حتى فى أحرج وأشد المسائل، ولعل واقعة اتهام عبدالحكيم عابدين بجرائم أخلاقية وفق تحقيق أجراه وكيل الجماعة د. إبراهيم حسن ما يؤكد ذلك، وهو ما أدى إلى استقالته من الجماعة بعدما رفض حسن البنا توقيع الجزاء على زوج شقيقته عابدين.

الواقعة الأخيرة لا أظنها ستكون الأخيرة، فالسرية ستحول دون رقابة وشفافية فى تداول تلك الأموال، لذا سيبقى المال تحت عهدة فئة من الناس لا تخلو من اللص أو الانتهازى شأنها شأن أى تجمع بشرى، وقد وضعت اللوائح والقوانين والمؤسسية لتحول دون تلك الجرائم، لكن الإخوان استبدلوا اللوائح والقوانين والمؤسسية ببضعة مصطلحات تتحدث عن الورع والربانية والتجرد وغيرها من المعانى التى لم تصدقها الحوادث، خصوصا بعد أن استخدم المال لتركيع فريق ليقبل بقيادة فئة محددة كما جرى فى ابتزار محمود عزت لفريق من أهالى المعتقلين وضحايا الصراع بين الدولة والجماعة.

لم تفلح الانشقاقات فى القضاء على الجماعة، ولا الانقسامات الرأسية أو الأفقية؛ لكن فتنة المال الحرام هى التى ستكتب السطر الأخير فى تاريخ الجماعة، التى كان يطيب لها أن تطلق على نفسها الجماعة الربانية، لكنها أثبتت بالوقائع أنها مجرد حزب سياسى يتصارع بعض أعضائه على المال والنفوذ، متخفين خلف اللحى والكلمات المطاطة التى لم تخفِ حقيقة جماعتهم.