منخفض القطارة.. مستقبل مصر الأخضر
مصر تفتح ملف مشروع تنمية منخفض القطارة الأهم والأضخم إفريقيا، للرد من خلاله على سد النهضة أو النقص المائي، هذا المشروع الذي تأخرت مصر في تنفيذه كثيرا علي مدار عقود سابقة لمصالح أشخاص ولدول تغلب فيها المصلحة الخاصة علي المصلحة العامة.
مشروع تنمية منخفض القطارة كنز مليء بالثروات، وهو من أهم المشروعات القومية الذي أحياها الرئيس عبدالفتاح السيسي.
حيث تنفسنا الصعداء في شهر أبريل الماضي عندما وقع اتفاق في القاهرة بين شركة «ايجبت»، أو المجموعة المصرية للتجارة الدولية والاستشارات، وهي تقدم خدمات متعلقة بالمشاريع الكبري، وبين شركة «لإليت كابيتال»، ومقرها في لندن، وهي شركة إدارة أموال، وتقدم خدمات متعلقة بالمشاريع، بما في ذلك الإدارة والإستشارات والتمويل، لاسيما للبنية التحتية الكبيرة والمشاريع التجارية الضخمة.
هذا الاتفاق بدايته استكمال دراسة جدوي لمنخفض القطارة، و ضع آلية للتغلب علي عقبات إقامة المشروع، ربما تكون هي التي حرمت الدولة المصرية من تنفيذ المشروع لفترات طويلة.
فهو منخفض ضخم بالصحراء الغربية في نطاق محافظة مطروح يمتد من الشرق إلى الغرب يقترب طرفه الشرقي من البحر الأبيض المتوسط عند منطقة العالمين، مساحته ٢٠ ألف كم مربع، وطوله حوالي ٢٩٨ كم، وعرضه ٨٠ كم، عند أوسع نقطة، ويبدأ المنخفض من جنوب العالمين، علي مسافة ١٠٠ كم تقريبا، ويعتبر أدني نقطة انخفاض في أفريقيا بعد بحيرة عسل الموجودة في جيبوتي وارتفاعة ١٣٣ متر تحت مستوي سطح البحر، وتغطي المنخفض حوالي ٦٠٥, ١٩ كم مربع، ومساحة المنخفض تعادل نصف مساحة دولة لبنان.
ومنخفض القطارة جاف للغاية مع هطول سنوي للأمطار، يتراوح بين ٢٥ - ٥٠ ملم علي الحافة الشمالية، ويتراوح متوسط درجة الحرارة اليومية ٣٦ إلى ٦ درجات مئوية لأشهر الصيف والشتاء، وتبلغ سرعة الرياح زروتها في شهر مارس عن 11.5 م/ ث إلي «٢٦ ميلا في الساعة»، وتلك الإحداثيات لها أهمية كبيرة في مشروعات أخرى.
ويوجد بالمنخفض تجمع سكني هو«واحة القارة»، وتقع الواحة أقصي غرب المنخفض، ويسكنها ٣٦٣ شخصا فقط، ويتردد عليها بعض البدو الرحالة.
وأكدت الدراسات أن المنخفض به حقول نفطية حال عمل المشروع متوقع توليد طاقة كهربائية نظيفة تصل ٢٥٠٠٠ ك وات، وبالتالي توفر لخزينة الدولة سنويا حوالي واحد ونصف مليار دولار وتتضاعف مع الوقت.
ويترتب علي ذلك زيادة فرص الإستثمار الصناعي والتجاري والزراعي وكذلك السياحة في المنطقة، ولو الدولة استطاعت تنفيذ حفر القناة الرابطة بين البحر المتوسط بمنخفض القطارة بطريقة تجعله أكثر انحدارا للجنوب ينتج عنها زيادة كمية الكهرباء، والمانع الوحيد هو التكاليف الباهظة.
أما عن علاقة المشروع بسد النهضة وكيف يقلل من تزايد أخطاره، فتوليد الكهرباء من منخفض القطارة لابد له من تحلية مياة البحر، وتوليد طاقة كهربائية توفر كمية مياة كبيرة بعد تحليتها يمكن استغلالها في الزراعة، والتعويض من نقص المياه العزبة، وبذلك نتجنب الدخول في مشاكل مع دول حوض النيل ولو مؤقتا. مع التمسك بحصتنا في مياة النيل.
ومزايا منخفض القطارة لم تنتهي رغم عدم العمل فيها حتي الآن، لكن دراسة الجدوى الأولية للمشروع في يد الحكومة، وجاري العمل عليها، وتقوم الشركة المتعاقدة معها بطرح وتسويق هذا المشروع للمستثمرين، ولكن متي يتحقق؟
المدير التنفيذي لشركة كابيتال، أجاب بأن المتوقع أن دراسة الجدوى الجديدة تكتمل قريبا، وتوقع أن المشروع سيكون نقطة تحول كبيرة في الاقتصاد المصري، والمشروع سيتم ربطة مع ميناء جرجوب.
وفكرة شق قناة موصلة من البحر المتوسط الي بداية المنخفض تمكن من توليد كميات ضخمة من الكهرومائية قرب المنخفض من البحر المتوسط وهو ما يخلق ميزة للمنخفض مهمة جدا، وهو امكانية توليد الكهرباء بواسطة توربينات لتحلية المياة من البحر المتوسط بالطاقة الشمسية، وبعدها توجه تلك المياة وتنقل لتوربينات موجودة عند المنخفض، ليتم إسقاطها في المنخفض لتوليد الطاقة الكهربائية. وتستغل المياة العذبة التي جرى تحليتها عن طريق التوربينات في عملية الزراعة، ويتم زراعة المحاصيل التي تتكيف مع درجة الحرارة العالية جدا أو المنخفضة جدا.
العالم الدكتور فاروق الباز صاحب فكرة ممر التنمية وقدم دراسات، وقال إن المياه ستؤدي إلي زيادة مخزون المياة الجوفيه التي تستطيع الإستفادة منها في تحويل المنطقة الصحراوية الشاسعة حول منطقة منخفض القطارة لمنطقة زراعية من خلال مد مواسير لتلك المناطق والمواسير امتدت حاليا في الصحراء الغربية.كما أن المياة ستكون مصدر هائل لثروة السمكية، وإقامة مناطق سياحية لتغير مناخ المنطقة بالكام،ل بسبب التبخر الناتج من مياة البحر المنخفضة.
وكانت فكرة المشروع عرضت علي الرئيس السادات، وحاول المرحوم الدكتور كمال الجنزوري تبني الفكرة علي اساس استخدام التكنولوجيا الحديثة الاكثر تقدما لزيادة الصادرات والتدفقات النقدية لمصر من خلال هذا المشروع،وقد جاء ذلك أيضا في دراسة الجدوى الحالية.
الدكتور إيهاب أنور الرئيس التنفيذي للمجموعة الدولية والاستشارات، قال إن المتوقع أن يساهم مشروع منخفض القطارة في الاقتصاد المصري ويزيد الناتج المحلي الإجمالي، وأكد أن دراسة الجدوي الجديدة هي استكمال لدراسة سابقة تم الإنتهاء منها، وتوفر معلومات مفصلة للجوانب الفنية والاقتصادية والبيئية، وتحدد الأخطار المحتملة والحلول المناسبة للتغلب عليها.
مشروع هندسي عملاق ينافس مشروع السد العالي في أسوان في حالة تطوير الإمكانيات الكهرومائية لمنخفض القطارة، من خلال عمل بحيرة صناعية تزيد مساحتها عن ٥ ملايين فدان، و مصر سبق لها إقامة سد جوليوس التنزاني.
ومشروع منخفض القطارة من بدايته عبارة عن منطقة صناعية كبيرة، يبلغ متوسط عمقها ٦٠ مترا تحت مستوي سطح البحر، وفكرة المشروع تعتمد علي أن تدخل مياه البحر الأبيض المتوسط للمنطقة الصحراوية، والتنفيذ يتم من خلال الربط بأنفاق أو قنوات لنقل المياه، وفي تلك الحالة يحصل تدفق مستمر للمياه بسرعة كبيرة جدا من خلال موازنة التدفق والتبخر، لكن بعد تبخر المياه في تلك المنطقة بسبب المناخ الصحراوي يصبح عندنا بحيرة شديدة الملوحة لنقل مياه البحر المالحة للمنخفض واستغلال التيار المتدفق في في توليد طاقة كهرومائية ولكن بسبب المناخ الصحراوي المياه تبخرت وأصبح بها ملح لا يمثل مشكلة.
والملح مفيد وسيعود بمنخفض القطارة لحالته الطبيعية لكن بتربة سبخية أعلى عشرات الأمتار، ويعد من أبرز مكاسب مشروع منخفض القطارة لو تم سوف يزيد فرص التصدير لمصر.
وذكر جورج ماثارو الرئيس التنفيذي لشركة لإليت كابيتال أن الشركة تقوم بإجراء جزء خاص في الدراسة لأكبر مشروع أخضر في العالم، وتحديدا في مصر يقوم علي 4 عناصر «الطاقة الهيدروجينية، الزراعة، الصناعة، التعدين الحديث»، لزيادة الصادرات المصرية إلى جانب الحفاظ على البيئة وستكون من أهم الخطوات نحو القفز الى المستقبل الذي تطمح إليه كل دولة في العالم.وبذلك تتمكن مصر من تمويل جديد من دول العالم التي تدعم هذا النوع من الاقتصاد الأخضر.
وتلك الدراسات الضخمة تقوم بدفع تكاليفها وتنفيذها مجموعة «ايجبت» وشركائها، مقابل تسويق المشروع بالتعاون مع الحكومة المصرية، وخصوصا أن المشروع يمكن استغلاله في مشروعات سياحية قريبة من السد الذي من المنتظر أن يكون أكبر سد تشيده اليد البشرية.كما يمكن تسكين ملايين المصريين بالقرب من السد، وخاصة القادمين من وادي النيل الضيق وخلق فرص عمل، ويمكن استغلاله في الحد من التأثيرات المناخية من خلال استغلالها آثار الإحتباس الحراري علي مصر.
ويتبقي السؤال ماهي المعوقات التي تعوق تنفيذ هذا المشروع الكبير؟
نعتقد أنها التكاليف الضخمة لحفر مسار قناة للمشروع تصل ١٤ مليار دولار في آخر حسابات وزارة الكهرباء والطاقة، وهي ليست بمشكلة لمقدرة الشركة المتعاقدة في الحصول على تمويلات.أما المشكلة الثانية هي وجود آبار بترول في المنخفض وتتمحور في شقين: أولها: تأثير البترول على المياه، والحديث فيها للمتخصصين في الجولوجيا، والثانية: هي وجود شركات للبحث والتنقيب عن البترول حاصلة على امتياز في ذلك وميعادها للبدء في العمل في سنة ٢٠٢٩، أي بعد ٦ سنوات من الآن، ولا يصح التجاهل للتأثير المتوقع علي مخزون المياه الجوفية الموجود في الصحراء الغربية نتيجة تسرب الأملاح لها.
ورغم أن الكلمة الفصل لدراسة الجدوي التي تتم حاليا، لكن أن تبدأ الشركة المتعاقدة مع الدولة المصرية بتسويق المشروع، يعني توصلها لحلول لجميع العقبات.ونأمل في رؤية تنفيذ المشروع في العام الجديد الذي ننتظره حلوله بعد أيام، وخاصة أن مصر شقت الطرق، والباقي بعد البنية التحتية هو عمل المستثمرين.
وأخيرا، مصر ليست فقيرة ومواردها ليست بقليلة..ولابد من تخطي العراقيل التي توضع، وإسراع الخطى في تكملة المشروع مهما كان الثمن، التنمية، وبناء الدولة ليست بالسهل.