رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


الُّلغة العربية.. هُوِيّةُ «أُمة اقرأ»: تبحث عن مكانتها بتشريع تحت قبّة البرلمان

28-12-2023 | 16:57


الدكتور علي مطاوع

أ.د. علي مطاوع

"في الكتابة عن البرلمان مِنْ أيّ مثقف وطني، قولٌ من الحقّ، خاصة لو جاء وريثَ ثقافةٍ عربية أصيلة، وفكرٍ عُروبيّ مستنير؛ بل شهادة حقّ لا بد أن تأتي صادقة في كل ملامحها وأبعادها، لاسيّما وهو يكتب عن منتدى وطني يقوم بدور فاعل ورئيس في كفالة المجتمع - بكل أنساقه وطوائفه - في تحولات حياته العامة، في مقدمتها ،قضية الانتماء الوطني الذي يؤكده الحفاظ على هويته / لغته / وجوده، وضرورة الدفاع عنها بكل ما يملك، على مستوى الصراع الحضاري الأممي الذي يعيشه العالم في المعاصرة"..

والانتماء للوطن لا يتأتّى إلّا بالحبّ، والحبّ لا يتأتّى إلّا بالمعرفة والتنوير، والمعرفة والتنوير لا يتأتّيان إلّا عن طريق لُغة الوطن / هُوِيّته / شخصيّته / ذاته / حقيقته / وجوده الثقافي في التاريخ والجغرافيا في ساحات المعترك المعرفي الذي يقوده الآخر وحواريه من بني جلدتنا مِمّن انتصر للآخر ولغته وثقافته، ونادوا بأنّ حضارته المادية الفقيرة هي التي أغْنَتْ عقولَنا ورؤانا بما أنتجته من نظريات علمية وفكرية، مارستها تأصيلًا وتطبيقًا ،بينما نحن (أمة اقرأ) لم نعرف شيئًا سوى الإيمان والتسليم، والطنطنة والتقليد، تعصبًا وانتصارًا لهذا الآخر على ذواتنا..

وتناسى هؤلاء أنّ هذا الآخر / الغرب، كيانٌ مستقل  بلغته، وطرحه الفكري، وحياته الثقافية  الخاصة بمجتمعه، وعاداته وتقاليده، وأيدولوجياته، وهويته، وأنساقه المجتمعية التي تختلف عن عُروبتنا، ولو أعملوا عقولهم قليلًا حيال هذه الحقيقة، وأيقظوا نخوتهم العربية لحظةً، لتبيّنوا هويتهم العربية الأصيلة، وتمسكوا بمقوماتها الحضارية والفكرية، ومرتكزاتها الدينية الحقة، وأخلاقياتها الفاضلة، التي تأمن لهم انفتاحًا على هذا الآخر/ الغرب، بكل معارفه، وتحوّلاته الثقافية، ومنجزاته العلمية، وطرحه الفكري واللغوي، في إطارِ ( مُثاقفةٍ ) عادلة، تضمن  للعربيّ شخصيته وهويّته، وعطاءاته الإنسانية، ومن ثمّ إقامة علاقة جدلية في إطار ما يُعرف بالتبادل الثقافي، والتّلاقح الحضاري بين عَالَمَين مُختلفين في كلّ مظاهر الحياة العامة والخاصة، بعيدًا عن الانسلاخ، والاستلاب، والتبعية لموروث ثقافي أفقد الكثير من أبناء الأمة لهويته، واستقلال الأمة لعروبتها، بعد أنْ باتت اليوم تتعامل مع ما يأتينا  من الغرب من منظور ثقافة التّيس الغريب، التي تذكرنا بالمثل الشعبي العبقري " عَنز الشّعيب ما يُحبّ إلّا التّيس الغريب " فكُتِبَتْ علينا الغلبة التي تستوقفنا أمام رأي ابن خلدون الذي يقول فيه: " إنّ المغلوبَ مولعٌ بمحاكاة الغالب، ويوشك أنْ يندمج المغلوب في بنية القوي، ويفنى فيه عادةً وعملًا ولغةً وأدبًا ..."، وهو ما رأيناه في كل شيء حولنا، محلات تجارية ترفع اللغة الأجنبية عنوانًا لها، مؤسسات قومية، علمية وثقافية؛ حكومية وأهلية لا تعترف إلّا بلغة الآخر، أطفال وشباب الأمة انصرف كثيرًا منهم عن لغة أجداده، حتّى استعجمت الألسن العربية، وضاقت أكثر الأراضي  العربية باللسان العربي.. حديثًا، وحوارًا، وعملًا، وقد رأى العالم  عجز رئيسة مجلس النواب البحريني السابقة المُطبعة مع الكيان الصهيوني فوزية بنت عبدالله زينل عن قراءة عبارة واحدة بالعربية ( انتماءنا ) !!، بينما عقلاء الأمة لم يرفضوا الآخر، ولم يعزفوا عن لغته، ولكن جريمتهم أمام لئام الأمة، دعوتهم فقط إلى: اعرف لغتك / هويتك / ذاتك، لا تنصهر في هذا الآخر، ولا تصل للذوبان أمامه، ولا تنكره، بل توقٌف أمامه محاورًا بكل عزّة وموضوعية وتفهم، وتفعيل علاقة الأخذ والعطاء،لا علاقة التهوين أو التهويم، أوالانكفاء !!.

وأصوات العقلاء موفورة في مصرنا الحبيبة، أقتصر هنا على هذه الأصوات الوطنية النبيلة التي غضبت للحق عندما تراجعت اللغة العربية / هويتنا عن مكانتها السامية الرائدة، مِمّا رأيناه في غضبة البرلمان المصري من أجل لغتنا الجميلة / هويتنا، تلك الغضبة التي عايشناها في ديسمبر عام 2017م، والتي جاءت من أعماق وجدان الدكتور عمر حمروش أمين سر لجنة الشئون الدينية بمجلس النواب المصري آنذاك، والذي أعلن تحت قبة البرمان: بضرورة وجود مصحح لغوي في كل وزارة وهيئة حكومية، ومنظمات المجتمع المدني والشركات والأندية، والمؤسسات التعليمية، لصياغة خطابات هذه المؤسسات الحكومية  باللغة العربية الفصحى بعيدًا عن العامية، وتفاديًا للأخطاء اللغوية في هذه المراسلات .

وقد جاء تصريحه هذا على أثر تبنيه عرض مشروع قانون ( حماية اللغة العربية ) الذي وضعه مجمع اللغة العربية بالقاهرة برئاسة الدكتور حسن الشافعي آنذاك، والذي أثارت مادته (19) ضجة في الأوساط المصرية، والتي تنص على معاقبة كل من يخالف أحكام مواد هذا القانون بغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تجاوز خمسين ألف جنيه، وتحدّد المحكمة للمخالف مهلة لا تجاوز ثلاثة أشهر لتنفيذها ما أوجبه النصّ الذي وقعت مخالفته، فإذا انقضت المهلة ولم يقم بتنفيذ ذلك عُوقب بالحبس مدّة لا تزيد على ستة أشهر، وبغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه ، ولا تزيد على مائتي ألف جنيه ، أو بإحدى هاتين العقوبتين ..

الأمر الذي أزعج بعض نواب البرلمان آنذاك كما رأينا في تصريحات النائب محمد أبوزيد وقتها الذي  "رفض مادة العقوبات الواردة في القانون الجديد المتعلقة بالغرامة والحبس لمخالفي النشر باللغة العامية، أو كتابة لغة عربية غير صحيحة "،  بينما شدّدت النائبة الدكتورة ماجدة نصر عضو لجنة التعليم والبحث العلمي بمجلس النواب على ضرورة هذا القانون ( حماية اللغة العربية )  وسرعة إصداره خاصة بعد هذا التدهور في منظومة التعليم وتراجع الاهتمام باللغة العربية في كثير من مدارس مصر لصالح لغات أجنبية، بل انعدامها مثلما نرى في العديد من المدارس الدولية ومدارس اللغات  في مصر العربية ذات اللسان العربي والهوية العربية، والتي لم تعد هذه المدارس تهتم باللغة العربية  لصالح مخالفة فقرات القانون الخاصة التي تؤكد على أنّ اللغة العربية هي لغة التعليم في مراحله كافة، وفي جميع فروع المعرفة ،وهي لغة البحث العلمي..

وفي هذه الجلسة ندّد النائب علي بدر عضو لجنة حقوق الإنسان بالشخصيات العامة وكثير من المسئولين الذين يُدخِلُون بعض اللغات الأخرى في حديثهم باللغة العربية على سبيل الوجاهة الاجتماعية، الأمر الذي عدّه جهلًا وليس تحضرًا، غافلًا هؤلاء – الكلام للنائب علي بدر – أنّ الأمم تتباهى بلغتها الرسمية، ولم نر دولة متحضرة استبدلت لغتها بلغات أخرى، أو استعانت بكلمات من لغات أخرى في أحاديثها، لذا جاء دعمه وبشدّة لقانون مجمع اللغة العربية  بشأن الحفاظ على اللغة العربية التي يجب على المسئولين  وجميع النواب أولًا؛ الحفاظ عليها، وعلى قدسيتها وهي لغة القرآن، وأن يكونوا قدوة أمام الأجيال القادمة، وتأكيده على حذف أي لغة أخرى يستعين بها النائب من المضابط في البرلمان .

والكاتب الروائي يوسف القعيد عضو مجلس نواب مصر 2017 م كشف تحت قبّة البرلمان - آنذاك - سبب احتضار اللغة العربية، الذي حصره في عدم احترام اللغة العربية في مصر، ويكفي دليلًا على هذا، عندما تتجوّل في شوارع مصر تجد جميع اللافتات أصبحت باللغة الأجنبية، وكأنني في إحدى البلاد الأوروبية، علمًا بأن هذه الدول الغربية لا تسمح بوجود لافتة أو كلمة واحدة في شوارعها، ولو بالخطأ باللغة العربية، وهو ما دفعني دفعًا لكتابة طلب تفعيل قانون حماية اللغة العربية ..

وإذا كان القعيد قد جاء حادًا في حديثه البرلماني، غاضبًا  بسبب احتضار العربية في مصر أمام عينيه وهو الكاتب الذي أمتع الذائقة العربية بإبداعه الفصيح، فإن النائب تامر مصطفى جاءت كلماته هادئة مستكينة ، معلنًا أنه لا يهاجم اللغات الأخرى، ولكن يجب كتابة الترجمة على اللافتات المكتوبة بلغة أخرى، حفاظًا على الهوية للأجيال القادمة.

ولا شك أنّ هذا الهدوء، وبعض المعارضين من النواب لعقوبات قانون حماية اللغة العربية، كان سببًا وراء تعطيل تنفيذ القانون وإيداعه أدراج برلمان مصر العربية، لتبقى لغتنا الجميلة على هذه الحالة التي صوّرها شاعر مصر العربية الدكتور جابر البراجة  بأنّ قومه :

 قدْ بدّلوها في الصباح وفي المَسَا    ***   بحُروفِ قومٍ قد سعـوْا لضياعـــها

فَرِهامُ بين النّاس أصبحت اسمها    ***   رِيرِي ، وشُوشُو صارَ لابنِ شقيقها

وأبــوها دَادِي أُمُّهُ في بيــــتها      ***    نَــانِي تُـــنَادَى من قَبــيلِ حـــفيـــدِهَا    

والّلافِتَاتُ تَزيدُ من ضعفٍ بَدَا     ***     هَــولَ الإساءَةِ للــدّيارِ وضَـــــــــادِهَا  

 

ولم تهدأ ثورة البرلمان المصري في دورة 2021م، وهو يرى لغته  الجميلة / هويته؛ تُهان على مائدة اللئام، وعلى يد أنصار العامية ودعاتها، فعقدت لجنة الإعلام بمجلس النواب آنذاك برئاسة الدكتورة درية شرف الدين، اجتماعًا لمناقشة مشروعي القانونين المُقَدَّمَيْنِ من النائبة سلاف درويش وستين عضوًا من أعضاء المجلس بشأن النهوض باللغة العربية، والنائبة من عمر وأكثر من عُشْر عدد أعضاء المجلس في ذات الموضوع، وسط حضور ممثلي الأزهر الشريف، ومجمع اللغة العربية، ووزارة الثقافة، ووزارة الخارجية، والمجلس الأعلى للإعلام، دون فائدة، وإيداع مثل هذه المشاريع – التي وصفت فيها النائبة سولاف درويش إطلاق أسماء أجنبية على المحلات والمطاعم وبعض مؤسسات الدولة، يعدّ نوعًا من حروب الجيل الرابع - أدراج البرلمان تنعي حظها مع مواد قانون حماية اللغة العربية الذي قدّمه مجمع الخالدين عام 2017م ولم ير نور التنفيذ بعد، حتى ما جاءت به النائبة منى عمر نائبة 2021م، والتي أكّدت في مشروع القانون المقدم منها أنها لا تريد شيئًا سوى الحفاظ على الهُوِيّة المصرية  والتراث، وتضمن مشروع قانونها (26) مادة، من أهمها المادة (8) والتي تنص على أن " يكون اجتياز امتحان اللغة العربية شرط أساسي للتوظيف في الحكومة، ويمنع من التوظيف من لا يحمل شهادة اجتياز امتحان اللغة العربية " !!!

وتستمر مذبحة الأصوات الوطنية تحت قبّة البرلمان ،فيذهب مقترح النائب أشرف رشاد رئيس الأغلبية  في برلمان  2021م بشأن " حذف كافة المصطلحات الإنجليزية الواردة في مشروع قانون تنظيم استخدام التكنولوجيا المالية في الأنشطة المالية غير المصرفية، واستبدالها باللغة العربية، إلى جانب تأكيد رشاد على ألّا يخرج أي مشروع قانون من المجلس يحتوي على مصطلح باللغة الإنجليزية، آملًا أن يكون مجلسه اللبنة الأخيرة للدفاع عن اللغة العربية " وكأنّ البرلمان المصري كُتب عليه – كباقي مؤسسات الدولة دون استثناء – يقول كلمته كل عام احتفالًا باليوم العالمي للغة الضاد ويمضي !!! ..

من أجل ذلك رفعت الأمة مبادرة "اتكلّم عربي"  بتوجيه من الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية، بعد أن لاحظت ضياع العربية على ألسنة كثير من شباب مصرنا الحبيبة خارجيًا وداخليًا، واستبدلوا ألفاظها البيانية العذبة بألفاظ أجنبية دخيلة على مجتمعنا العربي، ليصل الأمر إلى شيوع ألفاظ سوقية شاذة ينفر منها الذوق العربي الأصيل، يُردّدها الصغار والمراهقون، بل وصل الأمر إلى كبار يجلسون على مقام معلوم في بلدنا العربي، كالتي قالت بكل جرأة : " يُحزنُنِي أنّ اللغة أصبحت كئيبة في مصر، بدل ما نقول – على حدّ تعبيرها بالعامية وهي الدكتورة – صباح الخير، صباح الفل ،صباح الياسمين ،بقينا نقول: السلام عليكم!!   ممكن نقول  بدل هذا كله: نهارك سعيد !!! . ليتها قرأت – وهي الناشطة ! - ما قال به المستشرق الأمريكي  البلجيكي الأصل الدكتور الصيدلي والمؤرخ ( جورج ألفريد ليون سارتون  الشهير بــ جورج سارتون ) في هذه الشهادة الخالدة في حق العربية، ووحي نبيها الحبيب ( صلّى الله عليه وسلم ) : "وهبَ اللهُ اللغة العربية مُرونة جعلتها  قادرةً على أن تُدوّنَ الوحْيَ أحسَنَ تدوين ... بجميعِ دقائقِ معانيه ولغاته ،وأنْ تعبّرَ عنه بعباراتٍ عليها طلاوةٌ ،وفيها متانةٌ ..."

وأزعم أنّ مثل هذا الواقع هو ما أزعج السفيرة نبيلة مكرم التي ارتقت بلغتها الأم، فلم تكتف أن تُصبح مُبادرتها  (اتكلّم عربي) مبادرة الكثير من الأوساط السياسية والثقافية والاجتماعية المصرية، بل عبرت بها الحدود والعقول العربية، لتصلَ في انتشارها على منابر عالمية في باريس، ولندن، وواشنطن. فلا يُمكن أن نتخيّل مؤتمرًا يُعقد في باريس، ثمّ يكونُ الكلام غي داخله بغير الفرنسية، ولا يمكن أن نتصوّر ندوةً تُعقدُ في لندن، أو واشنطن ثم ّ يكون الحديث في داخلها بغير الإنجليزية.. لا يمكن ..

ومع ذلك تُعقد ندوات ومؤتمرات في عواصم عربية عديدة، ثمّ لا تكون لغة الضاد / لغة القرآن الكريم / هويّة أمة ( اقرأ )، لا تكونُ لغة الحديث، ولا لغة الحوار، ولا لغة النقاش ، لتصبح غريبةً في ديارها !!!.  

إنّ إجلال لغة الضاد، هُويّة الأمة لا يكون إلّا بسيادتها بين أهلها أولًا؛ لا يكون إلّا بإطلاق لسانها بوصفها رُكنًا ركينًا من الشخصية العربية الأصيلة، وركيزةً رئيسةً لحقيقة هُويّتنا، ومن أهمّ غايات وحدة الأمة، ووجودها،  فهي لغة القرآن / لغة العبادة / رأس الحضارة التي بسطت سلطانها الروحيّ  على أصقاعٍ من الأرض مترامية، ومتباينة، وانداحت بجلالها، وبيانها، وألفاظها، ومعانيها، وحرفها القدسي، وجرسها الشجيّ النديّ؛ شرقًا وغربًا بحضارتها الزاهية في جنبات هذا الكون في أسمى آيات التوهّج الحضاري ،،،،،

يبقى أن نقول: إنّ قضية اللغة العربية اليوم ،ليست في إقامة ندوات وتفاعلات وسرادقات وكلمات وقصائد تلقى في الهواء هنا وهناك  يوم الثامن عشر من شهر ديسمبر من كل عام – يوم عيدها العالمي - وينفض السامر !!، وليست القضية في  استجوابٍ يُقدّمه نائبٌ أو نائبة وسرعان ما يمضي إلي أدابير مجلس الشعب وثيقة تاريخية مآلها – لامحالة – إلى الاندثار؛ وإنّما القضية، قضية وجود أمّة، قضية هُويّة لا بد أن تُستعاد، أو حتى يُحافظ على ما تبقّى منها ..

إنّ الأمة التي لا تُحافظ على لُغتها إنّما تُفرّطُ في عِرضها / هُوِيّتها ،وتفقدُ ماضيها، وتخسر مُستقبلها ،وكما يقول وحي قلم مصطفى صادق الرافعي:" مَا ذلّت لُغةُ شعب إلّا ذَلّ، ولا انْحطّت إلّا كان أمْرُهُ في ذهاب وإدبارٍ... " . وتقول الأديبة المغربية (خَنَاتَة بنونة ) - أول من كتب الرواية والقصة من النساء في المغرب - : " المُرتَدُّ عَنْ لُغته كَالمُرتَدِّ عن الدِّين "، وتقول في موضع آخر: " خائنٌ مَنْ يتَخلّى عن العربية " ..

علينا أن نُجلّ لُغتنا / هُويتنا / لغة القرآن، نحافظ عليها عزيزة قويةً، فصيحةً مُبينة، نزود عنها الأدعياء قبل الأعداء ،هؤلاء الذين أقبروها على موائد اللئام من سدنة العجم، وباعوها – وما زالوا – في تلك الملاهي والسّرادقات التي تُنتهك فيها براءةُ وعِفّةُ وفصاحة وإعجاز لُغة الخلود، لغة القرآن الكريم، ونحن نتعبّدُ في محرابها النُّوراني، وتناسى الجَمع أنّنا " أُمة اقرأ "؛ أمة اقرأ التي مازالت لغتها قادرة على التعبير عن أدقّ حياتنا، وهي على رأس حضارة هذا الوجود، مكانة سامقة جعلت المستشرقة الألمانية ( زيغريد هونكه ) تُجلّها وتخصّها بهذه الوثيقة الخالدة التي تقول فيها : " إنّ في لُغتِنًا – تقصد الألمانية – كلماتٍ عربيةً وإنّنا لَنَدِينُ – والتاريخُ شاهدٌ على ذلك – في كثير من أسباب الحياة الحاضرة للعرب، وكم أخذنا عنهم من حاجاتٍ، وأشياء زيّنت حياتَنا بزخرفةٍ مُحبّبةٍ إلى النفوس، وألقتْ أضواءً باهرةً جميلةً على عالمنا الرتيب " .