في ذكرى ميلاد شجرة الدر .. كاريوكا فنانة المواقف الوطنية
كتب : خليل زيدان
تحل اليوم ذكرى ميلاد الفنانة تحية كاريوكا صاحبة الأعمال الفنية الرائعة والأعمال الوطنية الجليلة ، التي أكدت من خلال مشوارها أن الفن رسالة هدفها إصلاح وتقويم المجتمع ولابد على الفنان أن يشارك بكل ما يستطيع لخدمة وطنه.
ولدت بدوية محمد على كريم النيداني (وهو الاسم الأصلي لتحية كاريوكا) في مدينة الإسماعيلية التي كانت مركزاً لقيادة الاحتلال في مثل هذا اليوم من عام 2015 الذي كان يوماً من فترة الغليان التي تمر بها مصر تجاه المستعمر الإنجليزي الذي يفرض سيطرته ويسلب مصر مقدراتها ، ومع الدقائق الأولى لخروجها إلى الدنيا لم تتوقف بدوية عن البكاء والصراخ وكأنها تشارك مصر صرختها وتمردها ضد الاحتلال الإنجليزي .. لم يهتم والدها بها كثيراً عندما جاء من سفره واطمأن على أمها وهم بالرحيل ، فقد كان لديه أولاد آخرون من زوجات سابقات يقاربون أمها في السن ، وكانت أمها الزوجة السابعة في حياة ذلك الرجل والرابعة على ذمته ، ولم تهنأ بدوية بحياة مستقرة في ظل مكايدة الزوجات الثلاث لأمها وعاشا حياة تعسة وازدادت المرارة برحيل الأب وهي بنت الخمس سنوات لتتكفل بها الأم وتدخلها المدرسة وتتزوج أمها من رجل آخر بعد وفاة زوجها ، وما إن علم أهل الزوج الأول بذلك حتى حرموها من ابنتها وأعطوا ابنتها بدوية لأخيها الأكبر لرعايتها وتربيتها .. ولم يصن الأخ أخته ويهيئ لها حياة كريمة بل حرمها من التعليم وجعلها خادمة لزوجته التي تحمل الجنسية المالطية والتي لا تجيد شيئاً سوى الاستماع للموسيقى وحضور الأفراح والحفلات .
وتمر السنوات سريعاً في حياة لا تتغير وسط قسوة الأخ غير الشقيق وزوجته التي لاتحب غير الموسيقى مع إجبار الفتاة بدوية على الرقص عند غياب زوجها عن المنزل ، ويأتي يوم الذي تلح فيه بدوية على أخيها وزوجته لحضور فرح صديقة لها ويوافق الأخ وفق محاذير ، وتتعرف بدوية على المطربة سعاد محاسن التي لمحت الفتاة بدوية تهز جسمها على الموسيقى في كواليس الفرح وكانت أروع من راقصاتها ، وتعجب بها محاسن وتطلب منها زيارتها في شارع عماد الدين لو نزحت إلى القاهرة .. ويصل لأخيها خبر رقصها البسيط في الفرح فيقوم بضربها وقص شعرها ومنعها من الطعام ثلاثة أيام فوق سطح المنزل ولا ينجيها من ذلك العذاب غير عثمان ابن أخيها الآخر .. ويعطيها الطعام وقرشين صاغ ويقوم بتهريب عمته التي تهرب من هذا الجحيم إلى القاهرة مستقلة القطار للقاء الست محاسن والتي لم تكن موجودة بشارع عماد الدين وسافرت بدوية إلى الإسكندرية لتقابل الست محاسن وتلتقي أيضاً بالفنان بشارة واكيم ويوجدان لها عمل بالفرقة كراقصة مع الكومبارس إلى أن اعتمدت كراقصة الفرقة مع حرص السيدة محاسن عليها وتعهد بها محاسن إلى صديقتها بديعة مصابني لتعمل في فرقتها بعد أن تم حل فرقة محاسن وعودتها لزوجها .. وضمت بديعة بدوية إلى فرقتها ووضعتها في مصاف الراقصات الأوائل بعد أن بهرت من رقص بدوية وقامت بتغيير اسمها إلى تحية .. وتعرفت تحية على الراقصة الأولى في الفرقة وهي حكمت فهمي التي جمعت حولها كثيرا من الساسة ورجال المال وأصبحت صديقة لتحية ، التي تطلب من مدرب الرقص أن يبحث لها عن رقصة تتميز بها وبالفعل يوفق إيزاك ديكسون في تدريب تحية على رقصة الكاريوكا البرازيلية التي تبهر بها الجمهور ويصبح بعدها اسمها تحية كاريوكا.
وتأتي الفرصة الأولى لدخول تحية إلى عالم السينما عن طريق بديعة مصابني التي عرفتها على المخرج توجو مزراحي لتقوم بدور في فيلم الدكتور فرحات مع فوزي وإحسان الجزايرلي وأمينة محمد وعرض الفيلم عام 1935 وحققت نجاحا باهرا في الفيلم وفي عام 1937 يأتي إليها المخرج كمال سليم بصالة بديعة لتمثل من إخراجه الفيلم الثاني في حياتها وهو فيلم "وراء الستار" الذي تزامن عرضه مع تولي الملك فاروق حكم مصر .. وفي عام 1938 عند زواج فاروق يقع عليها الاختيار لتكون ضمن عدد محدود من الراقصات المشاركات في الزفاف وتقدم رقصة خاصة للملك وعروسه وتصبح حديث مصر .. وتتزوج تحية كاريوكا للمرة الأولى سراً من أنطون عيسى ابن أخت بديعة الذي دخل الإسلام من أجلها .. وتأتيها فرصة حقيقية للتمثيل في الفيلم الثالث وهو "خلف الحبايب" بعد أن عرفت مخرجه فؤاد الجزايرلي أنها تريد التمثيل وليس الرقص في الأفلام وعرض الفيلم في نوفمبر 1939 وتلتقى تحية بالمخرج حسين فوزي والفنان حسين صدقى وتبدأ معهما تكوين شركة إنتاج لتظهر تحية بالشكل الذي تريده كممثلة في فيلم "أحب الغلط" ، وتتعرف على سليمان بك نجيب الذي ينبهر برقصها وتمثيلها ويصبح نقطة تحول في حياتها إذ يبدأ في تعليمها الموسيقى والغناء ويصبح والدها الروحي .
انفصلت تحية عن زوجها أنطون بسبب قربه من الراقصة ببا عز الدين وتزوجت من محمد سلطان باشا وسرعان ما انفصلت عنه لأنها كانت تريد العودة للرقص وهو لايريد أن تكون زوجته راقصة ، ويطلب الملك فاروق أن ترقص في الملهى الذي يسهر به ، وتضطرب كاريوكا وتتصل بسليمان نجيب ليجد لها مخرجاً ، لأنها تعرف نية فاروق ، ويمنحها سليمان عدة كلمات تقويها ويطلب منها أن تتعامل بطبيعتها مع فاروق وهو يعرف أنها شديدة البأس ،وتذهب على مضض وما أن تنتهي من رقصتها حتى يطلبها فاروق أن تذهب معه كي ترقص له وحده وتحب مليكها بعيداً عن العيون ، وهنا تتأكد ظنونها وتخبر فاروق أنها لا تعرف الحب بل هي كفلاحة مصرية لا تعرف غير الزواج، ويفطن فاروق لما ترمي إليه تحية فيبتسم ويتركها ويذهب ، وفي اليوم التالي انتشر خبر جرأتها وأنها الوحيدة التي صدت الملك.
ومع نكبة يونيو عام 1967 ذهبت تحية إلى الجبهة في مدن القناة لتساعد في المجهود الحربي وٍإسعاف جرحى الحرب وراحت تداوي بنفسها الجرحى إلى أن يشاء القدر أن يكون أخوها الذي ظلمها وابن أخيها الطيب وسط الجرحى فنظر إليها وعرف قيمة ما تقوم به من دور وطني وحماسي وغالبتهم الدموع وتعانقوا .
كان فايز حلاوة آخر أزواج تحية كاريوكا قد أنشأ مسرحاً خاصاً باسمها تقدم فيه المسرحيات التي تعمل على نقد سلبيات المجتمع وقد حضر الكاتب الصحفي جليل البنداري كواليس إحدى المسرحيات التي لم تحقق المستوى الجماهيري فلاحظ المشادات والانتقادات الحادة والتي وجهتها كاريوكا لفريق العمل ومنهم فايز حلاوة ونشر في اليوم التالي مقالاً بأخبار اليوم يصف ماحدث خلف الكواليس ويصف تحية بالاستقواء على المخرج والبطل ، فما كان منها إلا أنها أقسمت أن تضربه جزاء ما نقله للعامة في مقاله وكيف يصور للجمهور أنها فنانة تضطهد من يعمل معها ، وبالفعل عندما عزمه زوجها ليعتذر ويكتب مقالاً آخر يصحح فيه ما كتبه هجمت عليه تحية كارويوكا وأوسعته ضرباً.
بلغ إجمالي أعمال تحية كاريوكا الفنية 179 عملاً تراوحت بين المسرحيات والأعمال التلفزيونية والجزء الأكبر كان أفلاماً سينمائية أشهرها "شباب امرأة ولعبة الست وما اقدرش وفيروز هانم والمنتصر وسمارة و واسلاماه والفتوة والست نواعم وحبيبي الأسمر والمعلمة وخلخال حبيبي وأم العروسة وإضراب الشحاتين وخلي بالك من زوزو" .