رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


الذكرى الـ 32 على انهيار الاتحاد السوفيتي (1)

30-12-2023 | 12:48


د. نبيل رشوان,

بدأ الاهتمام بذكرى انهيار الاتحاد السوفيتي قبل الميعاد هذا العام نظرًا لأنه فى الثامن من ديسمبر الماضي تكون قد مرت 32 عاماً على تلك اللحظة التى أعلن فيها ثلاثة من قادة الجمهوريات السوفيتية عن هدم الدولة السوفيتية، والتى وصفها الرئيس بوتين بأنها "أكبر كارثة جيوسياسية فى التاريخ". ففى ذلك اليوم اكتملت ما عرف بمؤامرة بيلوفيجسكى، حيث وقع رئيس روسيا بوريس يلتسين وأوكرانيا ليونيد كرافتشوك، ورئيس مجلس السوفيت الأعلى فى بيلاروسيا ستانيسلاف شوشكيفيتش ما عرف باتفاقية بيلوفيجسكى التى نصت على أن "الاتحاد السوفيتى كدولة ضمن مكونات المجتمع الدولى وواقع جيوسياسى لم يعد موجوداً". وتم توقيع اتفاقية تكوين ما عرف برابطة الدول المستقلة أو دول الكومنولث على أنقاضه. وهم فى هذا تجاهلوا ولم يأخذوا فى الاعتبار رأى الملايين من الشعب السوفيتى، الذى من خلال استفتاء عام فى مارس 1991 صوت لصالح الحفاظ على الدولة السوفيتية.

ما حدث فى غابة بيلوفيجسكى (فى يبلاروسيا) التى تبعد عن الحدود البولندة 6 كيلومترات فقط، كان المشهد الختامى لخيانة تم الإعداد لها قبل ذلك بكثير، وعلى وجه التحديد فى شهر مايو من عام 1983، عندما سافر سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعى جورباتشوف إلى كندا للتعرف على أحدث تكنولوجيا زراعية، أول ما فعل جورباتشوف فى كندا أن التقى بالكسندر ياكوفليف السفير السوفيتى حينها فى كندا و"العميل الأمريكى"، وفق رأى فلاديمير كريتشكوف رئيس المخابرات السوفيتية آنذاك بأنه عميل أمريكى، لكن جورباتشوف الذى كان يحكم البلاد تجاهل هذا بل واستدعاه ليكون فى موسكو إلى جواره وأطلق عليه مهندس البيريسترويكا.

حفظ الكسندر ياكوفليف هذا فى ذاكرته لقائه بجورباتشوف فى كندا، وكتب عن هذا فى مذكراته، التى قال فيها كيف أنه تحدث إلى جورباتشوف عن حالة الجمود والدوجمات القديمة للماركسية ـ اللينينية التى يعيش بها الاتحاد السوفيتى، واعتبر هذا العيش فى مناخ الاتحاد السوفيتى الحالى غير صحى (مذكرات ياكوفليف). ويعترف الكسندر ياكوفليف بأنه خلال جلسات عديدة مع جورباتشوف تولدت لديه فكرة البيريسترويكا، التى كتب عنها الكثير وتحدث عنها العالم والتى انتهت بانهيار الاتحاد السوفيتى فيما بعد. لم يمر وقت كبير على هذه الأحاديث وفكرة البيريسترويكا، حتى تم تعيين جورباتشوف سكرتيراً عاماً للجنة المركزية للحزب الشيوعى السوفيتى، أعلى منصب فى الدولة السوفيتية.

وحسب كلمات رئيس الوزراء السوفيتى السابق نيكولاى ريجكوف " لقد تولد عند جورباتشوف إحساس بالثقة،فى أنه سينقذ العالم، ولعبت هذه الفكرة برأسه"، لكن ما سمى حينها بإصلاحات البيريسترويكا انتهت بأزمة اقتصادية عميقة، واهتزت منظومة السلطة فى الاتحاد السوفيتى لدرجة، أن دول الاتحاد وقفت الواحدة تلو الأخرى لتعلن عن سيادتها . ففى 12 يونيو 1990 أعلنت عن ذلك روسيا، وبعد ذلك فى 20 يونيو أعلنت أوزبيكستان عن وثيقة الاستقلال، تلاها يوم 23 يونيو مولدافيا، ثم 16 يوليو أوكرانيا تلتها بيلاروسيا فى 27 يوليو من عام 1990، وزاد الطين بلة أن بعض المناطق الروسية داخل الفيدرالية الروسية نفسها أعلنت عن سيادتها مثل منطقة إركوتسك الغنية فى سيبيريا، والسيادة لا تعنى الاستقلال التام بل تعنى أولوية القوانين والقرارات المحلية على المركزية.

أمام هذه المظاهرة لدول الاتحاد السوفيتى وقبيل المؤتمر العام الرابع لنواب الشعب، اقترحت النائبة ساجى أومولاتوفا (نائبة عن جمهورية الشيشان) إدراج مسألة سحب الثقة من رئيس الاتحاد السوفيتى جورباتشوف على جدول الأعمال. فى هذا الوقت انبرى الكرملين فى إجراء مفاوضات مع دول الاتحاد الكبرى حول توقيع ما يسمى الاتفاق الاتحادى الجديد، لكن للأسف كان القطار قدغادر، وهو ما ظهر جلياً إبان أحداث أغسطس عام 1991، الذى أظهر بعدها قادة دول الاتحاد السوفيتى رغبة ملحة وسريعة فى الانفصال، وكانوا يتسابقون من سينفصل أولاً، ومن ثم أفشلوا عملية توقيع الاتفاق الاتحادى فى نوفواوجارييفو الذى كان من المفترض أن يحل محل اتفاق عام 1922 الذى تأسس على قاعدته الاتحاد السوفيتى. ولم تعد النخب فى الدول السوفيتية لديها الرغبة فى العيش وفق المنظومة القديمة، وهو ما صوت عليه 76,4% من مواطنى الاتحاد السوفيتى فى استفتاء مارس 1991.

ونعود لمذكرات ليونيد كرافتشوك رئيس أوكرانيا وقت توقيع اتفاقية بيلوفيجسكى، وأحد الوجوه الرئيسة التى لعبت دور فى هدم الاتحاد السوفيتى، والتى عكس فيها حمى الاستقلال بين النخب فى الجمهوريات السوفيتية، حيث أشار إلى دور الرئيس يلتسين الذى ظهر على المسرح السياسى بقوة والذى أقنع الرؤساء الباقين بعدم توقيع الاتفاق الاتحادى، وقال إن يلتسين الذى لعب الدور المهم فى هذه الأحداث "أنا لا أريد أن يعرف أحد أن هذه الأسئلة الثلاثة من بناة أفكارى بل هى لجورباتشوف، أنا تحدثت معه بالأمس وها أنا أنقل عنه ، السؤال الأول هل أنتم موافقوان على مشروع الاتفاق الاتحادى؟ السؤال الثانى هل يجب أن يتغير أو تدخل عليه تعديلات؟ والسؤال الثالث هل تستطيعون التوقيع عليه؟ وبعد أن تم رفض الأسئلة الثلاث، سألنى يلتسين "وما المخرج الآن إذن" ووفق كلمات كرافتشوك حينها أجاب يلتسين، بهذا الشكل أنا أيضاً لن أوقع على الاتفاق الجديد.

فيما بعد، وبعد استفتاء ديسمبر فى أوكرانيا الخاص بالاستقلال، وانتخاب كرافتشوك كرئيس لأوكرانيا، تحدث هذا الأخير بشكل أكثر صراحة، وقال "يمكن لأوكرانيا أن تفخر بأنها كانت ومازالت وأصبحت دولة طورت الاتحاد السوفيتى الإمبراطورية الأخيرة الأشرس فى التاريخ عام 1991" . الآن ومن خلال الأحداث الدائرة، نجد أن كرافتشوك كذاب، عندما قال بأن 90% وافقوا فى الاستفتاء على الاستقلال، الآن هذا واضح جداً من خلال المشاكل التى تعانيها أوكرانيا فى شرق البلاد (الدونباس حيث تدور الحرب الآن)، أنهم خدعوا الشعب، عندما كتبوا فى بطاقة التصويت هل يوافقوا على استقلال أوكرانيا فى إطار الاتحاد السوفيتى أم بعيداً عنه، وهو السؤال الذى طرح فى أغسطس 1991، ولم يكن الحديث عن استقلال أوكرانيا التام عن الاتحاد السوفيتى، على أى حال استغلت النخبة الأوكرانية نتائج الاستفتاء، واعتبروا نتيجة الاستفتاء رغبة من مواطنى أوكرانيا فى الاستقلال التام، وهكذا استقلت أهم دولة فى الاتحاد السوفيتى بعد روسيا.

بعد الاستفتاء ساد العاصمة الأوكرانية صمت القبور، بينما كان الرئيس الأوكرانى ينتظر ما ستسفر عنه أحداث أغسطس فى العاصمة الاتحادية موسكو، وفقط عندما فشل "انقلاب أغسطس" فى موسكو خرج كرافتشوك ليعلن أنه قرر الخروج من الحزب الشيوعى السوفيتى. وحول هذا الموضوع يقول رجل المخابرات يورى تاراسكين فى كتابه "حرب ما بعد الحرب" أن "البطاقات الحزبية الحمراء للأشخاص الذين تسللوا للحزب والنخب الأوكرانية، كانتمجرد مظهر لإخفاء ماضيهم القومى المتعصب فى أوكرانيا، فقد كان كرافتشوك نفسه حتى عام 1950 من أتباع استيبان بنديرا، صاحب أشرس تيار قومى متعصب حارب السوفيت لفترة طويلة بعد الحرب العالمية الثانية فى غرب أوكرانيا، وبعد ذلك تم زرعه داخل الحزب الشيوعى الأوكرانى".