أكد مساعد وزير الخارجية الأسبق، السفير الدكتور محمد حجازي، أن المبادرة المصرية الأخيرة لوضع حد لحرب غزة راعت في بنودها وأهدافها مصلحة كافة الأطراف، و تسعى إلى تحقيق الأمن والاستقرار والهدوء بالمنطقة، والمحافظة على المصالح الفلسطينية والإقليمية والدولية.
وأضاف السفير حجازي ، في تصريح خاص لوكالة أنباء الشرق الأوسط /اليوم الأحد/ حول جهود الدبلوماسية المصرية خلال العام المنتهي، أن مصر تسعى خلال الفترة القادمة إلى إخراج الشرق الأوسط من حالة العنف التي تسوده إلى مشهد الأمن والاستقرار، بعد أن عملت خلال العام 2023 بعدة اتجاهات في إطار مسئوليتها الإقليمية للحفاظ على السلم والأمن بالمنطقة.
ونوه، في هذا الصدد، إلى جهود مصر للتصدي للمشهد شديد العنف والدموية في قطاع غزة، وتحديد وصياغة مسار الدبلوماسية الدولية ودفعه في اتجاه استعادة الهدوء والاستقرار ومحاولة التوصل لوقف إطلاق النار أو هُدن إنسانية ممتدة يتم من خلالها تبادل الأسرى والرهائن و إدخال المساعدات الإنسانية بشكل مستدام في إطار الأولوية الأولى لتحركتها لإغاثة أبناء قطاع غزة، ثم الانتقال بعد ذلك إلى مسار هُدن دائمة تفضي بالنهاية لوقف إطلاق النار بشكل دائم.
وأوضح أن الدبلوماسية المصرية تتحرك في اتجاه تحقيق وفاق بين الفصائل الفلسطينية لإنشاء "حكومة وحدة وطنية" أو "حكومة خبراء وفنيين" تربط ما بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وتقود القطاع لعملية إعادة إعمار لتثبيت أوضاع أبناء فلسطين الذين تعرضوا لأبشع عدوان ممكن تصوره وحرب إبادة جماعية نكراء، بجانب البحث عن أفق وإطار لعملية سلام و بناء مسار سياسي دولي فاعل يفضي لحل الدولتين ويحفظ الحقوق الفلسطينية والأرض و يُوقف اعتداءات المستوطنين ويُفشل مخططات التهجير القسري.
وأشار إلى أن الدبلوماسية المصرية كانت في تحركاتها دوماً تُعمل مبادئ ميثاق الأمم المتحدة من : حسن الجوار وعدم التدخل في الشأن الداخلي للدول، والدفاع عن مصالحها وفقاً لقواعد القانون الدولي، والعمل على إرساء دعائم الأمن والسلم والاستقرار في المنطقة بحكم مسؤوليتها الإقليمية.
وذكر بأن مصر دعت منذ بداية حرب غزة إلى العمل مع الأسرة الدولية من خلال "مؤتمر القاهرة الدولي للسلام"، الذي أرسى دعائم المرحلة القادمة، مبنياً على الدعوة لوقف العنف وإطلاق النار والدفع بمساعدات إغاثة مستدامة وتبادل الأسرى، والسعي نحو حل الدولتين كحل وحيد لإحلال السلم والأمن بالمنطقة والاستقرار الإقليمي المنشود.
ولفت إلى أن الدبلوماسية المصرية تتواصل مع كل الأطراف وتلتقي بالفصائل الفلسطينية وبالسلطة الوطنية الفلسطينية و بممثلين عن الولايات المتحدة ودولة قطر وحكومة إسرائيل؛ من أجل البحث عن وقف دائم لإطلاق النار و إطلاق سراح الأسرى والرهائن، في إطار يقود إلى تثبيت الأوضاع و إعادة إعمار القطاع و العمل على تحقيق حل الدولتين.
وأردف أن مصر تدير حواراً إقليمياً بناءً مع الأطراف الفاعلة بهدف الانتقال بالشرق الأوسط من حالة الاحتراب القائمة والتوترات -التي تحول دون انطلاق طاقات المنطقة- نحو تحقيق الأمن والاستقرار و العمل المشترك و تأسيس علاقة بناءة بين القوى الإقليمية، و الخروج من حالة العنف التي تسود المنطقة لحالة التنمية والهدوء و التفاهم بين الدول والتي يمكن من خلالها البحث عن حلول لأزمات وقضايا الشرق الأوسط المتشابكة، حتى يتثنى التفرغ لعملية التنمية وإرساء دعائم شرق أوسط جديد قائم على مبادئ وميثاق الأمم المتحدة.
وفيما يتعلق بليبيا، تحدث السفير حجازي عن جهود مصر عام 2023 لمساندة ليبيا من أجل تحقيق عملية انتخابات ديمقراطية ووفاق بين الفصائل ولاسيما وقف إطلاق النار وعدم تعدي أي طرف على الآخر، والانتقال إلى مرحلة الانتخابات البرلمانية المنشودة خلال المرحلة القادمة، علاوة على وقفة مصر الجادة لإغاثة شعب ليبيا بعد أن تعرضت شمال شرق البلاد لكارثة طبيعية بسبب السيول والفيضانات وانهيار "سد درنا"، إذ كانت الإغاثة المصرية هي الأساس التي ساعدت الأشقاء في ليبيا على مواجهة تلك المحنة الطبيعية نتيجة إعصار دانيال.
وأكمل مساعد وزير الخارجية الأسبق أن مصر تحملت أيضاً مسئوليتها الإقليمية وكانت في مقدمة الدول التي قدمت العون والمساعدة، و تدخلت من الناحية الإنسانية عقب الزلزال المدمر الذي ضرب كل من تركيا وسوريا.
وحول الأوضاع في السودان، شدد السفير حجازي على أهمية مبادرة مصر وتحركاتها مع دول جوار السودان، والتي تُشكل ركيزة للعمل الدبلوماسي الذي تخوضه القاهرة مع الأشقاء لإيجاد حل توافقي من شأنه توحيد مؤسسات الدولة والحفاظ علي وحدة السودان وأراضيه وسلامته الإقليمية.
وعن أفريقيا، أبرز أن الدبلوماسية المصرية لم تكن أيضاً بعيدة عن عملية التنمية والإصلاح المؤسسي والسياسي في قارتها ؛ إدراكاً لأهمية إطلاق طاقات أفريقيا خاصة و أن اتفاقية التجارة الحرة الإفريقية -التي دخلت حيز النفاذ خلال الرئاسة المصرية للاتحاد الإفريقي عام 2019 - تمثل الركيزة الأساسية لتحقيق حلم "أفريقيا الواحدة"، الذي دعا إليه القادة المؤسسين، معتبراً أن اتفاقية التجارة الحرة هي المدخل الحقيقي لإدماج اقتصاديات القارة وتحقيق الاعتماد المتبادل.
وسلط الضوء على انضمام مصر للتجمع الاقتصادي "بريكس" خلال عام 2023، حيث مَثل دخول هذا التجمع الموسع اعتباراً من 2024 مدخلاً جديداً تقود من خلاله الدبلوماسية المصرية العمل المشترك مع القوى الدولية البازغة: البرازيل وروسيا الاتحادية والهند والصين وجنوب إفريقيا بجانب الدول التي انضمت حديثاً مع مصر وهم: الأرجنتين والمملكة العربية السعودية والإمارات وإيران وإثيوبيا، ما يتيح إطاراً جديداً للنمو و تحقيق التكامل بين القوى الدولية، بالإضافة إلى أنه إحدى الأطر التي تعتمد عليها مصر في تحقيق أهدافها سواء كانت الاقتصادية أو السياسية، و تستطيع من خلاله التعبير عن احتياجاتها ومواجهة تحدياتها.
وأكد أهمية الرسائل التي يحملها دوماً الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال دعوته للمشاركة في اجتماعات مجموعة العشرين، أي الاقتصاديات الأهم على المستوى العالمي، ليعبر عن رؤى مصر الوطنية أو تلك المتعلقة بأفريقيا أو التي تُمثل العالم الثالث، مما جعل الرئيس ضيفاً دائماً على كل المجموعات الاقتصادية الكبرى، الأمر الذي يوفر للاقتصاد المصري فرص للاستثمار والتجارة في نطاق أوسع ، علاوة على فرص للحوار السياسي مع قادة وزعماء العالم في ظل أجواء دولية شديدة التوتر نتيجة استمرار الحرب بين روسيا و أوكرانيا وتأثيرها على أمن الغذاء وأمن الطاقة على المستوى العالمي، وذلك في ضوء اضطلاع مصر بدور مسئول وسعيها لتحقيق الأمن والسلام في كل مناطق النزاع.
وتابع أنه وسط كل التحديات التي تواجه مصر، يأتي أيضاً الملف المائي الذي تتعامل معه مصر بحكمة بالغة وتقود فيه الدبلوماسية المصرية عمل شاق، وتستمر في جولات التفاوض، حتى وإن لم تحقق أهدافها حتى الآن، إذ تدرك القاهرة أن معركة التفاوض ستكون دوماً معركتها الحقيقية من أجل فرض التعاون كأساس للتعامل مع هذا الملف من خلال منظومة متكاملة للربط بين السدود في البلدان الواقعة على حوض النيل مما يؤهلها جميعاً لتحقيق استفادة متبادلة وتكامل اقتصادي وتعاون بعيد عن الرؤى الأحادية التي تكون مصدر للقلق وليس للنمو والرخاء، مضيفًا:"مصر قادرة على الدفاع عن مصالحها، كما أن التنمية يجب أن تشمل الجميع وألا تكون لصالح طرف على حساب الآخر".
ونبه مساعد وزير الخارجية الأسبق بأن الأسرة الدولية في حاجة إلى دور مصر وجهودها من أجل السلام ، معرباً عن تصوره أن 2024 سيكون عام إطلاق الجمهورية الجديدة بكل ما تحمله من فكر ومشروع جديد لا يفيد البلاد فقط بل يمتد بأثره لتحقيق التنمية والازدهار على الصعيد القاري والإقليمي ويقود المشهد بالشرق الأوسط للاستقرار والتفاهم.
وأكمل أن الدبلوماسية المصرية الفاعلة قادرة على تغير توجه المنطقة نحو السلام والاستقرار والأمن والتنمية والقضاء على بؤر التوتر والعمل على إخراج الميليشيات والقوات الأجنبية من المنطقة حتى تستعيد المنطقة الهدوء، والأمن والاستقرار الاقليمي، قائلاً :"نحن أمام عام جديد، مصر فيه دولة قادرة آمنة مستقرة، ولاتزال تسعى من أجل صالح شعبها وشعوب منطقتها العربية".
واختتم السفير حجازي، تصريحه لوكالة أنباء الشرق الأوسط، بأن مصر صاحبة مشروع إقليمي شامل تسعى لاستكماله خلال المرحلة القادمة، وتتبنى فيه مبادرات خلاقة لبناء الإنسان ورعايته وفي القلب منها المبادرة الرئاسية "حياة كريمة"، مع تطوير جغرافيا الوطن وبنيته التحتية بمشروعات عملاقة تتصدر المشهد فيها عاصمة إدارية حديثة تحمل معاني العصرية وتُظهر مكانة وقدرة مصر وما تتطلع إليه جمهوريتها الجديدة نحو مستقبل يجلب الازدهار لشعبها و الاستقرار للمنطقة.