رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


تقويم الزوجة

23-2-2017 | 13:17


صيانة الأسرة المسلمة مقصد عظيم من مقاصد الشريعة الإسلامية، ولذلك فقد أُوليت الأسرة عناية كبيرة في نصوص الوحيين القرآن والسنة، ووقائع السيرة النبوية المباركة، وسير الرعيل الأول الذي ترجم الإسلام ترجمة عملية حقيقية. ومما جاءت به النصوص لصيانة الأسرة المسلمة قول الله تعالى: «الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ...»؛ حيث أشارت هذه الآية إلى قيام الرجل على أمر زوجته رعايةً لبدنها طعامًا وشرابًا، ولنفسها تربية وتهذيبًا، ولفكرها تعليمًا وتثقيفًا، فضلًا عن جوانب أخرى قد تفرضها ظروف الحياة، لكن كثيرًا من الرجال فهموا الآية على أنها تعني تفضيلًا مطلقًا لهم على النساء، وهى ليست كذلك على الإطلاق، بل هى مزيد من المسئوليات الملقاة على عاتق الرجال في صيانة بيوتهم ورعايتها

 

القيِّم على الشيء هو الحافظ والراعي له والقائم على شئونه وليس المتسلط عليه أو القاهر له، وقد أنصف إسلامنا الحنيف الرجال والنساء، ففضَّل الرجال على النساء في أمور تناسب طبيعة تكوينهم وقدرتهم، وفضَّل النساء على الرجال واختصهن بأمور تناسب قدرتهن وطبيعتهن التي خُلقن عليها. وإن كانت القوامة تحمِّل الرجل مسئولياته تجاه المرأة، فإنها حمَّلت المرأة أيضًا مسئوليات منها تربية أولادها ورعاية بيتها وحفظ كرامة زوجها. ومن ثم، فإن القوامة لا تعني بحال رفعًا للرجال وخفضًا للنساء، وإنما جعلت القوامة لكل من الرجل والمرأة ما يناسب طبيعته وقدرته، وقد عالجت هذا الأمر تفصيلًا في مقالة سابقة.

ومن ذلك أيضًا قوله تعالى: «وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً»؛ حيث حددت هذه الآية وسائل تقويم الزوجة وإصلاحها خشية الوصول إلى مرحلة الفراق وإنهاء الزوجية، ومع ذلك فإن كثيرًا من أهل الاختصاص يتحرجون أحيانًا من تناول مسألة ضرب الزوج لزوجته، وقد يتحاشون الحديث عن هذا التشريع الإلهي الذي يمثل وسيلة من وسائل إصلاح الزوجة وتقويمها وردها إلى جادة الصواب، ومن ناحية أخرى ترى كثيرًا من النساء يضمرن في أنفسهن شيئًا من مسألة ضربهن هذه، لكنهن لا يفصحن عن ذلك خشية الاتهام بالاعتراض على شرع الله عز وجل، والمؤسف أن كثيرًا من الرجال يتخذون من فهمهم المغلوط لهذه الآية ذريعة لحاجة في نفوسهم، فتراهم يزعمون أن هجر المرأة وضربها حق مكتسب لهم جاهلين أو متجاهلين ضوابط ذلك والحكمة من تشريعه، وهو شأن كثير من الحقوق التي فُهمت على غير ما أراده الشرع الحكيم.

ويجب أن نقرر هنا أن ما شرعه الله عز وجل في كتابه لا حرج في تناوله ومناقشته وتنزيله في محله الصحيح، فمسألة ضرب الزوج لزوجته شئنا أم أبينا هى تشريع إلهي من الخطأ الشديد التحرج من تناوله، فليس في شرعنا ما يُتحرج منه، وواجب على العلماء أن يبينوا للناس ما تستقيم به حياتهم ويقوِّموا المعوج منها ويصححوا ما فهموه على غير وجهه من التشريعات الإلهية السمحة، ومن أجل ذلك شرعنا في هذه السلسلة التي تعالج قضايا فقه الأسرة المسلمة لعلها تنفع الناس. وثمة فهم خاطئ للمقصود بالضرب المذكور في الآية الكريمة نتيجة عدم الفصل بينه وبين المتبادر إلى الذهن عند سماع لفظ (الضرب) أو قراءته، فالضرب المذكور في الآية وارد ضمن حزمة إجراءات إصلاحية تجعل الحياة الزوجية تنطلق متجاوزة كبوتها وتدفع بالتطليق المنهي للعلاقة الزوجية بعيدًا، فهو من هذا المنطلق دليل على محبة الزوج لزوجته وتمسكه بالعيش معها ورغبته في استمرار زوجيتهما، فليس الضرب دائمًا وسيلة انتقام أو اعتداء على الغير، فالوالد يضرب فلذة كبده وأحب الناس إلى قلبه، وما ذاك إلا لحرصه على أن يكون على خير حال وأتم صورة يكون عليها الأقران، وترك الأب ضرب ابنه فيما ينبغي فيه الضرب للإصلاح والتقويم، ربما يكون دليلًا على فقد الأمل في إصلاحه وتهذيبه.

ومن ثم، فالمشكلة تكمن في عدم الفهم الصحيح للحكمة من الضرب الوارد في الآية الكريمة وكيفيته وضوابطه، وغلبة معناه العام المرتبط بالعنف والإيلام والإهانة عند إطلاقه، لكن ضرب الزوجة ليس من هذا القبيل، بل هو ضرب إشاري رمزي لا إيلام فيه ولا إهانة، فهو بديل عن العبارة والكلام الذي قد تصم الزوجة أذنيها عن سماعه لغضبها، وكأن الزوج يقول لزوجته بهذا الضرب غير المبرح: احذري، فقد بلغت بأفعالك مرحلة تمثل خطورة على بقاء زوجيتنا، وأنا راغب فيك ولست راغبًا عنك، ولا أرغب في اتخاذ خطوات تصل بنا إلى الطلاق، فما بقي قبل الوصول إليه إلا خطوة واحدة، وهى تحكيم حكم من أهلي وحكم من أهلك، كما قال تعالى: «وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا»، وقد يحكم الحكمان بالتطليق، فعودي إلى ما يقرب بيننا ولا يهدم حياتنا.

وما ذاك إلا لأن محطات الحياة الزوجية أشبه ما تكون بإشارات المرور؛ حيث تبدأ خضراء بعقد الزواج وتنتهي حمراء بالتطليق وتتوسطها إشارة صفراء تعني التحذير والنذير وهى تتمثل في وسائل الإصلاح والتقويم الأربع، وهى الوعظ والهجر في المضجع والضرب غير المبرح والتحكيم. ومقصود هذه الوسائل - ومنها الضرب المنضبط بضوابط الشرع - ديمومة الحياة الزوجية بإصلاح المرأة وتقويمها. ولذا قال ابن عباس - رضي الله عنهما - مفسرًا الضرب في الآية الكريمة: (ضرب بالسواك ونحوه)، والضرب بهذا العود الذي يستاك به الناس يقع أكثر منه بكثير بين الأقران في الممازحات دون أن يغضب أحدهم من الآخر. وهذا الضرب مشروط أيضًا بكونه غير مهين، فيُمنع إيقاعه على مواضع يعد إيقاعه عليها من الإهانة كالوجه مثلًا؛ حيث روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تقبحوا الوجوه»، وجاء عنه أنه قال أيضًا: «إذا قاتل أحدكم أخاه فليجتنب الوجه»، وفي رواية: «لا يلطمن الوجه»، وقد علق الإمام النووي على ذلك بقوله: «ويدخل في النهي إذا ضرب زوجته أو ولده».

وعليه، فينبغي مع اتباع هدي شرعنا الوارد في سبل الإصلاح بين الزوجين، فهم كل وسيلة من وسائل الإصلاح والتقويم على وجهها الصحيح، وإدراك حكمة الشارع الكامنة في وسائل الإصلاح، ومنها الضرب الذي ليس منه ما يفهمه أولئك الذين ينطلقون من ظواهر النصوص دون تدبر ولا تمعن فيشوهون الدين وينفرون منه النفوس، والمؤسف حقًّا أن بعضهم يتحدث بلسان علماء الدين! فضرب الزوجة مضبوط بضوابط شرعية، وهو يدل على رغبة الزوج في استمرار الزوجية، فإن كان راغبًا في إنهاء الزوجية فلا يحق له ضرب زوجته؛ لأنه عندئذ يكون للإهانة وليس إصلاحًا وتقويمًا لها، ويشترط أن يسبقه الوعظ بالكلام اللين الهين الذي يحمل عتاب المحب لمن أحب والذي يبصِّر بنوع الخطأ الذي وقعت فيه الزوجة، مع تكرار الوعظ عدة مرات، فإن لم تجدِ تلك الوسيلة نفعًا مع تكرارها، كان الهجر في المضجع وترك معاشرتها دون الهجر اللفظي أو ترك بيت الزوجية، فإن تمادت عنادًا واستكبارًا جاء ضربها الضرب غير المبرح منبهًا ومحذرًا من قرب النهاية، وهى التطليق الذي ينبغي أن يكون بإحسان