مشاهد الحرب في غزة بعد دخول الشهر الرابع.. القتلى بالآلاف وسرقات الأعضاء بالجملة
بينما كان الإعلام الإسرائيلي منشغلًا في الإجابة عن السؤال المطروح منذ خمسين عامًا كيف استطاع الجيش المصري مباغتًا في 6 أكتوبر 1973؟.. كانت المقاومة الفلسطينية تخطط لأن يُطرح هذا السؤال إلى خمسين عامًا آخرين إلى جانب أين كان الجيش الإسرائيلي في 7 أكتوبر 2023؟.
ومثلت عملية طوفان الأقصى، ضربة قاصمة للجيش، الذي لطالما ادعى بأنه لا يقهر، بالإضافة إلى تمريغ وجه الموساد الإسرائيلي في الوحل، وزحزحة مكانته العالمية.
ولم تستطع إسرائيل أن تخفي حسرتها ولا كسرتها، وجاءت تصريحات القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية خير مدللًا على الهزيمة التي عاشتها تل أبيب، عقب عملية طوفان الأقصى، حيث قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو:"الحدث مخيف وجميعنا يعرف عائلات فقدت عددا من أفرادها".
فيما أقر بيني غانتس، الوزير في الحكومة الإسرائيلية، وعضو حكومة الحرب، أن إسرائيل تواجه أصعب ساعاتها ونواجه عدوا قاسيا يجب القضاء عليه بكل الوسائل.
واعتبر يؤآف غالانت، وزير الدفاع الإسرائيلي، ما تعرضت له إسرائيل في 7 أكتوبر الماضي، لم تر له مثيل منذ تاريخ قيامها، ورأى 67 % من الإسرائيليين أن الفشل الذريع للجيش الإسرائيلي في مواجهة عملية طوفان الأقصى يفوق فشل حرب عام 1973.
كل ذلك دفع إسرائيل لشن حربا غاشمة على قطاع غزة، أودت بحياة الآلاف، أحرقت فيها ما لا يحرق وقصفت ما لا يقصف، لم تسلم المساجد ولا المدارس ولا حتى المشافي، فليس بجديدًا أن تستقيظ وتجد إسرائيل قد قصفت مشفى أو اثنان، حتى أعلنتها الأمم المتحدة صريحة "لا يوجد مكان آمنًا في غزة".
فخلال الأيام الأولى من الحرب فقط، هاجمت إسرائيل 3600 هدف مدعية أنها أهدافًا للمقاومة، إلا أنها في الحقيقة منازل مدنية وأحياء سكنية، دمرت بما يقرب 6 آلاف قنبلة، ألقتها إسرائيل على مدار الأيام 6 الأولى من الحرب.
وعلى الرغم من دخول الحرب الإسرائيلية على غزة شهرها الرابع، إلا أنها لم تسفر عن نتائج تستطيع إسرائيل تصديرها لشعبها على أنها مكاسب عسكرية.
نكبة جديدة
وقطعًا يمكن القول أن عام 2023، نكبة جديدة على الشعب الفلسطيني، فبحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، سجل العام أعلى نسبة قتلى بين الفلسطينيين منذ قيام إسرائيل عام 1948، إذ بلغ عدد الشهداء في فلسطين منذ بداية العام الماضي، 22.404 شهيد، منهم 22.141 شهيد، منذ السابع من أكتوبر الماضي، 98% منهم في قطاع غزة.
من ناحية أخر، تعرض 90% من سكان غزة، للتهجير القسري، ما يقرب من 1.4 مليون نازح منهم، يعيش في 155 منشأة تابعة للأونروا في جميع محافظات القطاع الخمس.
تسبب ذلك الاكتظاظ الشديد في انتشار العديد من الأمراض التنفسية والأمراض البكتيرية والفيروسية التنفسية، وسط خيارات علاج شبه منعدمة جراء تكدس المصابين فضلًا عن شلل المنظومة الصحية بسبب الاستهداف الإسرائيلي المتكرر.
ويفتقر النازحون لأقل مقومات الحياة، في ظل الفقر الغذائي الذي يتعايش في ظلاله القطاع، وشح الماء، فضلًا عن تساقط الأمطار التي تتحول إلى مياه راكدة مع ما يمكن أن ينجم عن ذلك من أمراض.
وحتى لو توقفت الحرب لن تنجلي الغمة عن هؤلاء، إذ تسبب القصف في دمار ما يزيد عن 70% من البنية التحتية للقطاع بما في ذلك الأحياء السكنية والمنازل المدنية، ما يعني أن تلك المعاناة ستستمر طويلًا.
معدلات قياسية
ووصلت أعداد الأسرى الفلسطينيين المعتقلين من قبل قوات الاحتلال إلى معدلات قياسية، منذ بد العدوان السابع من أكتوبر الماضي، إذ وصلت أعدادهم 8600 أسير، بما في ذلك من اعتقلوا منذ بدء الحرب على غزة.
وفي تقرير لوكالة "أسوشيتد برس" تحدثت فيه عن حملات الاعتقال التي ينفذها الجيش الإسرائيلي بحق الفلسطينيين في شمال غزة.
وكشفت عن إجبار الرجال على خلع ملابسهم حتى الداخلية قبل نقل بعضهم إلى معسكر اعتقال الشاطئ حيث أمضوا ساعات، وفي بعض الحالات أيامًا، مع تعرضهم للجوع والبرد.
وذكرت أن الجيش الإسرائيلي اعتقل مئات الفلسطينيين في جميع أنحاء شمال قطاع غزة، وفصل العائلات، وفقًا لنشطاء حقوق الإنسان والأقارب المذهولين والمعتقلين المفرج عنهم أنفسهم.
وجاء في التقرير أن فلسطينيين محتجزين في بلدة بيت لاهيا المدمرة ومخيم جباليا الحضري للاجئين وأحياء مدينة غزة قد تم تقييدهم وعصب أعينهم وجمعهم على ظهور الشاحنات، وقال بعضهم إنهم نُقلوا إلى المخيم في مكان، لم يكشف عنه، شبه عراة وبقليل من الماء.
حصيلة غير نهائية
وبحسب مكتب الإعلام الحكومي في غزة، فقد وصل عدد الشهداء والمفقودين إلى 29722 جلهم من النساء والأطفال، حيث استشهد حوالي 10 آلاف طفل و7 آلاف سيدة.
وذكر المكتب، أن الاحتلال ارتكب 1903 مجزرة بحق سكان القطاع، خلال 92 يومًا من حرب الإبادة الجماعية.
وقال المكتب إن عدد المصابين جراء العدوان الإسرائيلي وصل إلى 58166.
وأضاف المكتب أن جيش الاحتلال دمّر 69 ألف وحدة سكنية كليًا و290 ألف وحدة سكنية بشكل جزئي منذ بدء عدوانه على غزة.
فيما أخرج القصف المتواصل 30 مستشفى في القطاع عن الخدمة بشكل كامل، إلى جانب 53 مركزًا صحيًا.
سرقة الأعضاء
وتلاحق جيش الاحتلال اتهامات تتعلق بسرقة أعضاء الشهداء من ثلاجة الموتى والمقابر الجماعية، ففي أواخر ديسمبر الماضي أفرج الاحتلال عن مجموعة من جثث الشهداء وضعت داخل 70 كيسًا بلاستيكيًا، ضم بعضها جثثًا كاملة، وأخرى كان بها أنصاف أجساد، إضافة إلى أكياس لأشلاء ممزقة، تُعقّد من مهمة حصرها، فضلًا عن تعنت جيش الاحتلال ورفضه تقديم معلومات عنها للمساعدة في تحديد هويتها، فتم دفنها "مجهولة الهوية" في مقبرة جماعية غرب مدينة رفح، بحسب ما نقل موقع "الجزيرة نت" عن مصادر رسمية.
وأقدم الاحتلال على نبش ما يقارب 1100 قبر في مقبرة حي التفاح شرق مدينة غزة، حيث تقوم آلياته بتجريف القبور وإخراج الجثامين، بحسب مكتب الإعلام الحكومي في غزة.
وأوضح المكتب، أن بعد نبش القبور وتجريف المقبرة قام جيش الاحتلال بسرقة قرابة 150 جثمان من جثامين الشهداء التي دُفنت حديثاً، ثم نقلها إلى جهة مجهولة.
وكان المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، أعرب أواخر نوفمبر الماضي، عن مخاوفه بشأن "سرقة أعضاء" مفقودين فلسطينيين وجثث شهداء، خلال فترة العدوان على القطاع، التي سبقت هدنة السبع أيام.
وأثار المرصد الأورومتوسطي شبهات سرقة أعضاء من جثث قتلى، بينها ملاحظات أدلى بها أطباء في غزة أجروا فحصًا سريعًا لبعض الجثث بعد الإفراج عنها ولاحظوا سرقة أعضاء مثل قرنية العين وقوقعة الأذن، وأعضاء حيوية أخرى مثل الكبد والكلى والقلب.
وذكر المرصد آنذاك، أن لدى إسرائيل تاريخًا حافلًا باحتجاز جثث الشهداء الفلسطينيين، إذ تحتجز في برادات خاصة جثث 145 فلسطينيًا على الأقل، إضافة إلى حوالي 255 في مقابر الأرقام و75 مفقودًا ترفض الإعتراف باحتجاز جثثهم.
ولفت إلى اعتماد إسرائيل على احتجاز جثث القتلى الفلسطينيين عبر دفنهم فيما تسميه "مقابر مقاتلي العدو"، وهي مقابر سرية جماعية تقع في مناطق محددة مثل مناطق عسكرية مغلقة، ويتم فيها الدفن بشكل مجهول بأرقام محفورة على لوحات معدنية ملحقة بالجثث أو الرفات.
وذكر الأورومتوسطي أنه سبق رصد تعمد السلطات الإسرائيلية الإفراج عن جثث قتلى لذوي أصحابها من سكان الضفة الغربية بعد مدة من احتجازها، وهي متجمدة بدرجة قد تصل إلى 40 تحت الصفر، مع اشتراط عدم تشريح الجثث وهو ما قد يخفي وراءه سرقة بعض الأعضاء.