د. زينب المنسي
دخول الأديب والمثقف البرلمان لم يكن إلا محاولة للتفاعل مع المجتمع وحل مشكلاته على أرض الواقع بعيدًا عن دفات المصنفات الأدبية والثقافية وأروقة الجرائد والمجلات.
أحمد لطفي السيد رجل من أهم رواد حركة النهضة والتنوير في مصر كما أنه يعتبر من رعيل السياسيين الأُول في مصر وكان له دور وطني مشهود في حركة الجهاد للمطالبة بالاستقلال.
عضوية توفيق الحكيم في مجلس الشورى لم تقض على أفكاره القديمة بخصوص البرلمان فكثيرا ما كان يحول الجلسات إلى مشهد كوميدي بفضل مداخلاته التي استهدفت الأعضاء.
المثقف والأديب الحق ابن بيئته يأتي إبداعه معبرا عنها فلا يعيش في برج عاجي إنما يتعايش مع هموم الناس ومشاكلهم
وهو ما يتضح في كثير من الأعمال الأدبية والفنية التي تضمنت الكثير من الآراء السياسية وتناولت العديد من القضايا التي تهم المجتمع.
وكانت سببا في وضع حلول لكثير من المشاكل الاجتماعية مثل أفلام كلمة شرف وجعلوني مجرما وأريد حلا.
الأمر الذي جعل دخول عدد غير قليل من الكُتاب والأدباء المجال السياسي أمرا طبيعيا لمشاركة الناس وتعدى الأمر مجرد المشاركة السياسية والحزبية إلى الترشح لدخول البرلمان ولما كان الأديب والمثقف ملك متوج على عرش إبداعه وفكره فإن أمر دخوله البرلمان لم يكن إلا محاولة للتفاعل مع المجتمع وحل مشكلاته على أرض الواقع بعيدا عن دفات المصنفات الأدبية والثقافية وأروقة الجرائد والمجلات.
ومن أهم مثقفي وأدباء مصر ممن خاضوا الرحلة من عالم الفكر إلى دنيا البرلمان نذكر أحمد لطفي السيد والعقاد وتوفيق الحكيم وثروت أباظة وأنيس منصور.. بعضهم خاض معترك الانتخابات لأجل الوصول للبرلمان والبعض الآخر وصل البرلمان عن طريق التعيين.
نتناول في مقالنا هذا رحلة كلا من أحمد لطفي السيد وتوفيق الحكيم وهما شخصيتين مؤثرتين في الحياة الفكرية والثقافية المصرية المعاصرة خاضا الرحلة للبرلمان حيث خاض الأول رحلته في الربع الأول من القرن العشرين والآخر في الربع الأخير من نفس القرن، خاض الأول رحلته من خلال طريق وعرة بينما وصل الثاني للبرلمان عن طريق التعيين.
أحمد لطفى السيد
١٨٧٢ - ١٩٦٣
"أستاذ الجيل" "أرسطو العرب" "أبو الجامعة" "أبو الليبرالية المصرية" المفكر والسياسي أحمد لطفي السيد
رجل من أهم رواد حركة النهضة والتنوير فى مصر كما أنه يعتبر من رعيل السياسيين الأُول في مصر فقد أسس أحمد لطفى حزب الأمة عام ١٩٠٧، وتم اختياره سكرتيرا عاما للحزب ورئيسا لتحرير صحيفته المعروفة حينها باسم "الجريدة".
ولم يبعد العمل الحزبي لطفي السيد عن عالم الثقافة والأدب فقد كان رئيساً لمجمع اللغة العربية، ولدار الكتب، ومديرا للجامعة المصرية.
كان لأحمد لطفي السيد دور وطني مشهود فقد اشترك مع سعد زغلول ورفاقه في حركة الجهاد للمطالبة بالاستقلال، ثم سافر مع الوفد المصري إلى باريس، لعرض مطالب مصر على مؤتمر السلام المنعقد في فرساي، علاوة على أنه كان رجل دولة من طراز رفيع فقد شغل منصب وزير المعارف ثم أصبح وزيرا للداخلية.
رحلته من عالم الفكر للبرلمان
يتحدث أحمد لطفي السيد عن رحلته للبرلمان قائلا "أراد حزب الأمة في عام ١٩٠٨ أن أكون من ضمن أعضائه في مجلس شورى القوانين وهو الأمر الذي فرض على لطفي السيد نزول الانتخابات لمجلس مديرية الدقهلية حيث مسقط رأسه وعزوته، وكان عضو مجلس شورى القوانين يختاره أعضاء مجلس المديرية من بينهم.
لم ينجح لطفي السيد في تلك الدورة ورشح نفسه مرة أخرى في انتخابات ١٩١١ ونجح ولكن طعن عليه من منافسه أمام القضاء بحجة أنه غير مقيم في بلدته برقين وتم إلغاء نتيجة الانتخابات بحكم قضائي.
وتم فتح باب الانتخابات مرة أخرى ونجح لطفي السيد بأصوات أكثر من المرة الأولى، وتم الطعن عليه مرة أخرى.. وفي ذلك الأمر يقول لطفي السيد "إن الخديو فيما يقال يرتاح إلى الطعن في انتخابي "يقصد الخديو عباس حلمي"
وفي أمر الطعن على أحمد لطفي السيد تتضح مدى سذاجة ممارسي العمل النيابي والسياسي في تلك الأثناء إذ تقابل لطفي السيد صدفة مع الطاعن عليه وكان يُدعى جاد بك مصطفى في منزل عبدالله وهبي باشا وأخبره أنه صديق قديم لوالده وأنه يجله هو شخصيا ويحترمه وأخبره أنه سيتنازل عن الطعن إذا قبل أحمد لطفي السيد دعوته للغداء شريطة أن يصطحب معه والده وشكري باشا مدير المديرية.
وفي موضع آخر يذكر أحمد لطفي السيد موضوع سقوطه في الانتخابات في حواره مع الكاتب طاهر الطناحي قائلا إنه دخل انتخابات ١٩١٣ رغم تحذير فتحي زغلول له بعدم خوض الانتخابات لرفض الخديو والإنجليز له.
ويؤكد لطفي السيد على كلام فتحي زغلول إذ ذكر أنه تأكد أن المشرف على الانتخابات في الدقهلية سيكون سعيد باشا ذو الفقار وزير المالية الجديد الذي كان مديرا لمديرية الدقهلية بدلا من المدير الجديد حافظ حسن باشا، الذي كانت تربطه به علاقة صداقة ويؤكد لطفي السيد أن هذا التغيير من أهم أسباب سقوطه.
ويستكمل لطفي السيد حديثه مع الطناحي قائلا: "وقد أشيع أن الذي أسقطني هو دعوتي إلى الديمقراطية التي كانت تؤول تأويلات بين الناخبين فيها خروج على الدين الإسلامي، ولكني لا أعرف شيئاً عن هذه الشائعة التي قيل إنها شاعت بين الناخبين".
وبالعودة إلى كتابات المعاصرين لرحلة أحمد لطفي السيد إلى البرلمان نُفاجئ بأخبار أخرى عن الرحلة.. فقد ذكر عباس محمود العقاد رواية حول سقوط لطفي السيد الانتخابي مفادها أن منافسه أشاع عنه أنه ديمقراطي وأنه نشر بين الفلاحين أن الديمقراطية مخالفة للدين والأعراف وقد أورد العقاد فصلا كاملا لتلك الرواية في كتابة "رجال عرفتهم" عن لطفي السيد.
وإذا رجعنا لمذكرات سعد زغلول نجده يقول: "من عجب ما نشاهد أن اللورد كتشنر كان يقول لكل زائريه من الأهالي، إنه يريد أن يكون الانتخاب حراً، وأن الفلاحين ينتخبون من يرون فيه اللياقة التامة للنيابة عنهم، من غير أن يكون لأحد ما تأثير على اختيارهم. ويقول: إنهم لو أحسنوا الاختيار، ولم ينتخبوا ذوي الأفكار الثائرة، والعقول الهائجة، مثل الصوفاني ومثل لطفي السيد إذا فعلوا ذلك كان لهم من الجمعية التشريعية هيئة نيابية صحيحة، تحترم آراؤها، وتتولى النظر، ليس في القوانين فقط، بل في غيرها من أهم مهام الشؤون والأحوال.
ويتحدث زغلول عن لطفي السيد قائلا:
"لطفي السيد لا يتحرز في كلامه من أن يذم النظّار (الوزراء)، لكنه يذم الخديو أكثر. ورأيته يظهر الأمل في نجاحه في الانتخابات، وعدم التخوف من تداخل الحكام، ولكن، إذا كان ما سمعته من كتشنر صحيحاً، يكون النجاح غير ميسور".
توفيق الحكيم
١٨٩٨ - ١٩٨٧
أحد أهم رموز الأدب والثقافة العربية، فهو كاتب وأديب مصري من رواد الرواية والكتابة المسرحية العربية، ومدرسة الفكر الوطني المصرية.
وقد عرف توفيق الحكيم نفسه في أحد مقالاته قائلا "أنا عدو المرأة.. والنظام البرلماني"
فقد كان يذكر أن البرلمان والمرأة مشتركان في صفة الثرثرة.
وكان الحكيم دائما ما يهاجم النواب والعملية الانتخابية وهو ما اتضح في روايته يوميات نائب في الأرياف.
وصل الأمر بتوفيق الحكيم أنه وصف الحياة البرلمانية في مصر قبل ثورة يوليو قائلا "النظام البرلماني في مصر هو الأداة الصالحة لتخريج الحكام غير الصالحين".. فكان الحكيم يرى أن أزمة مصر في نهاية الثلاثينيات ومطلع الأربعينيات التي شاهدت بداية تألقه لا تتعلق بعناصر النظام السياسي ولا بخلق آليات كفيلة بتقويم ممارساته، لكنها أزمة النظام البرلماني ذاته وفي مجمله.
حتى انه كتب مقال بعنوان "لماذا انتقد النظام البرلماني"؟
وكان من نتائج مهاجمة الحكيم للبرلمان والحكومة أن اعتبرت حكومة حزب الأحرار الدستوريين نفسها المقصودة بهجوم توفيق الحكيم.
وكان الرد أن عُوقب توفيق الحكيم باستصدار أمر يقضي بطرده من وظيفته
واقتصرت العقوبة على "خصم خمسة عشر يوماً من راتبه بعد تدخل محمد حسين هيكل الذي كان وزير المعارف".
وبرغم كل ما سبق فقد أصبح "الحكيم" عضوا في مجلس الشورى ضمن الأعضاء المعيّنين بصحبة العديد من الأدباء والفنانين، والذين كان من بينهم الموسيقار الراحل محمد عبدالوهاب.
ويبدو أن عضوية توفيق الحكيم في مجلس الشورى لم تقضِ تماما على أفكاره القديمة بخصوص البرلمان فكثيرا ما كان يحول الجلسات إلى مشهد كوميدي بفضل مداخلاته التي استهدفت الأعضاء.
ومن بين المواقف الطريفة التي جمعت بين "الحكيم" وعبدالوهاب في البرلمان، حين نادى الدكتور مصطفى كمال حلمى، رئيس المجلس في ذلك الوقت على الأستاذ توفيق الحكيم لرئاسة الجلسة -بصفته أكبر الأعضاء سنًا مع وجود عبدالوهاب- فقال الحكيم: هو أكبر منى، وفى لحظتها ضجت القاعة بالضحك فرد عبدالوهاب قائلًا: "شهادة ميلادي تقول إنني من مواليد ١٩١٠ بينما شهادة ميلاد أستاذنا توفيق الحكيم تقول إنه من مواليد القرن الثاني عشر فأي منا يكون أكبر من الثاني؟ فرد الحكيم على كلام عبدالوهاب: "إنني أعلم أنك من مواليد ١٩٠١ وليس ١٩١٠ وبسرعة أجاب عبدالوهاب قائلًا: "لقد كان هذا خطأ الموظف الذى حرر شهادة الميلاد فبدلًا من أن يضع الصفر في الخارج وضعه في الداخل ولكنني صححت ما وقع فيه الموظف من خطأ.