رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


البرلمان المصري تاريخ من البناء الديمقراطي واستقرار الدولة الوطنية

16-1-2024 | 10:46


حسام الدين محمود

حسام الدين محمود

ظهر أول مجلس نيابي حقيقي في العالم العربي في مصر في عام 1866م، وكان يعرف بمجلس شورى النواب، وهو أول برلمان في عربي يمتلك اختصاصات نيابية فعلية ولم يكن مجرد مجلس استشاري
كان للبرلمان المصرى دور مشهود في كل حقبة تاريخيه، وقد تطورت النسخ البرلمانية بين حقبة وأخرى عبر التاريخ، ومع كل دستور يتجدد العمل البرلماني ويقدم تجربة أقوى من سابقتها
جاء مجلس النواب الحالي بالعديد من المزايا التي ساهمت في دعائم الاستقرار في البلاد حيث تمت الموافقة على كثير من الاتفاقيات الدولية التي ساهمت في تعزيز دور مصر على المستوى الدولي

 

 

البرلمان هو السلطة التشريعية في جمهورية مصر العربية التي تتولي وفقا للدساتير المصرية المتعاقبة سلطة التشريع وإقرار السياسات العامة للدولة والخطة العامة للتنمية، وقد شهدت مصر على مدار مئتي عام تاريخا حافلا من داخل تلك القلعة التي تنوعت بسياساتها ودورها الوطني عبر العصور المختلفة، ويعتبر أول مجلس نيابي حقيقي في العالم العربي قد ظهر في مصر في عام 1866م، وكان يعرف بمجلس شورى النواب ويرجع السبب في هذا التحديد إلى أنه يعتبر أول برلمان في العالم العربي يمتلك اختصاصات نيابية فعلية ولم يكن مجرد مجلس استشارى، بالرغم من وجود مجالس سابقة لهذا المجلس إلا أنها لم تكن ذات اختصاص تشريعي أو رقابي كانت مجرد مجالس استشارية ذات طابع إداري أكثر مثل الديوان العام والمجلس العالي ومجلس المشورة وصولاً إلى مجلس شورى النواب.

ومع مرور الوقت ظهرت المطالبات الشعبية التي نادت بإنشاء مجلس نيابي له صلاحيات تشريعية ورقابية أوسع، و قد يرجع السبب في ذلك إلى انتشار أفكار التنوير على يد مجموعة من كبار المفكرين والكتاب في تلك الحقبة من التاريخ، إلى جانب ظهور الصحف في ذلك الوقت. وقد أثمرت هذه المطالبات الشعبية عن إنشاء أول مجلس نظار (مجلس وزراء) في مصر في عام 1878م، كما أعيد تشكيل البرلمان وتوسيع صلاحياته وإن ظلت بعض النواحي المالية تخرج عن اختصاصه ثم أصبحت الأمور أكثر تطوراً بعد ذلك، حينما تم إعداد اللائحة الأساسية الجديدة لمجلس شورى النواب في عام 1879م، والتي تضمنت زيادة عدد أعضائه إلى 120 عضواً وتقرير مبدأ المسئولية الوزارية للحكومة، وتم منح المجلس سلطات أكبر في الأمور المالية.

استمر نضال أعضاء مجلس شورى النواب في سبيل توسيع سلطات المجلس حتى قامت الثورة العرابية في شهر سبتمبر من عام 1881م، حيث تم وضع قانون جديد للبرلمان يمنحه سلطات أوسع، كما اتاح لفئات جديدة من المواطنين حق التصويت والترشيح، مروراً بعد ذلك بمجلس شورى القوانين الذي أنشئ في عام 1882م بعد الاحتلال الإنجليزي لمصر، حينما ألغي دستور الثورة العرابية، وحل مكانه القانون النظامي في سنة 1883م الذي ألغى مجلس شورى النواب، واستبدله بمجلسين هما مجلس شورى القوانين والجمعية العمومية، ثم جاءت الجمعية التشريعية عام 1913م بديلاً عن مجلس شورى القوانين والجمعية العمومية، ولم  تكن تختلف كثيراً عنهما حيث كانت تتكون من مجلس النظار " مجلس الوزراء” آنذاك.

وعقب انتهاء الحرب العالمية الأولى قامت في مصر ثورة 1919، والتى تمخضت عن دستور 1923م أشهر الدساتير المصرية، والذى ألغى بدروه الجمعية التشريعية وأحل محلها مجلسين هما "مجلس النواب ومجلس الشيوخ" ويعتبر هذا البرلمان أول برلمان له سلطات حقيقية فيما يتعلق بإدارة الدولة، وكانت عضوية مجلس النواب بالكامل بالانتخاب، أما مجلس الشيوخ فينتخب ثلاثة أخماس أعضائه ويعين الملك الخمسين، وتم الاحتفاظ بنظام المندوبين في التصويت، ولكن خفضت النسبة إلى مندوب لكل ثلاثين ناخباً لمجلس النواب، ومندوب عن كل خمسة مندوبين لانتخاب مجلس الشيوخ، مما رفع عدد الذين لهم حق التصويت، كما شهدت أيضا تلك الانتخابات ظهور الأحزاب بقوة لأول مرة ، فكان كل مرشح ينسب نفسه إلى حزب من الأحزاب القائمة، تلك الدستور المهم من تاريخ هذه الأمة والذي يعتبر أقوى دستور في القرن الماضي لما كان له من تمثيل مباشر لكافة طوائف المجتمع المصري والذي جاء أيضا معبرا عن ثورة 1919 والذي ارتبط مباشرة بإعلان الاستقلال، وقد كان لهذا الدستور شكلا خاص متماثلا مع الدساتير الأوروبية حينذاك ومواكبا للعالم المعاصر في حينه، حيث مهد الطريق أمام الحريات والديمقراطية حتى أصبح تراثا للأجيال المتعاقبة تستشهد به ومعبرا عن الإرادة الوطنية، ومرجعيه للدساتير العربية في أعقاب ما بعد الحرب العالمية الأولى.

حيث تطورت بعد ذلك حركة الأحزاب السياسية في مصر ومفهوم الواجبات والحريات في عصر ارتبطت فيه السياسة بالثقافة ارتباطا وثيقا، وجاء برلمان 1924 تتويجاً لكفاح الشعب المصري ما بعد دستور 1923 الذي وضعته لجنة من 30 عضواً تمثل الأحزاب السياسية والزعامات الشعبية، واجريت الانتخابات النيابية في يناير من مطلع العام تحديداً في 12 يناير 1924 لإجراء انتخابات مجلس النواب، وتقدمت الأحزاب التي كانت متواجدة في الساحة في هذه الفترة، وحدث تفاوت بين مكونات سياسية كبيرة وأخرى وشخصيات سياسية في ذلك الوقت وهي الوفد والأحرار الدستوريين والحزب الوطني، أسفرت نتيجة الانتخابات عن مفاجأتين سقوط رئيس الوزراء يحيى إبراهيم باشا، وحصول الوفد على الأغلبية من مقاعد مجلس النواب 195 مقعدا،فانتخب البرلمان المصرى الأول بغرفتيه، النواب فى 12 يناير، والشيوخ فى 23 فبراير تفعيلا للنظام الدستوري الديمقراطي،

وفي خضم الأحداث التي جرت بعد تلك الفترة من فروقات وتطورات في مسيرة العمل النيابي اختلفت باختلاف الأنظمة السياسية والدساتير المتعاقبة، حيث جاءت كل حقبة بجديد مع التطورات التي شهدتها الساحة السياسية على المستوى الوطني والإقليمي والدولي، لكن البرلمان المصري بغرفتيه ظل علامة مضيئة للشعب يسعى إلى تحقيق تطلعاته ورسم سياسات الدولة المصرية وتحقيق التنمية المنشودة

يقبل علينا عام 2024 ونحن على أعتاب الاحتفال بالمئوية الثانية للبرلمان المصري ولمصر تاريخ مشرف في العمل النيابي عقب أكثر من حقبة تاريخيه كان للبرلمان فيها دور مشهود، وقد تطورت النسخ البرلمانية بين حقبة وأخرى عبر التاريخ ومع كل دستور يتجدد العمل البرلماني ويقدم تجربة اقوى من سابقتها من التجارب، ونحن نعيش تجربة برلمانية تفوقت على التجارب السابقة بما تميزت به من دور كبير في دعم واستقرار مؤسسات الدولة الوطنية المصرية حيث جاء برلمان 2020 بتجربة فريده في التمثيل النيابي للفئات الاجتماعية المختلفة وتمثيل أكبر للشباب والمرأة مما ساهم في تصويب بوصله الشباب نحو العمل على دعم مؤسسات الدولة والعمل على تحقيق التنمية ودعم استقرار الإطار الديمقراطي الذي طالما نادى به الشباب عبر العصور الماضية من القرن الحالي،

برلمان 2020 جاء بعد الإعلان الدستوري الشهير في عام 2019 والذي استهدف التعديل الدستوري جانب من ترسيخ تمثيل الشباب والمرأة فى مقاعد البرلمان، وتكون لهما حصة محجوزة دستوريا بنسبة 25٪ لكل فئة، وحذف عبارة التمثيل المتكافئ للناخبين فى مسألة تقسيم الدوائر الانتخابية نظرا لما أثارته من مشكلات فى التطبيق العملى، وقد جاءت تجربه تمثيل الشباب والمرأة في برلمان 2015 دافع لحفظ حصة دستورية لهم لزيادة نسبة التمثيل داخل البرلمان بشكل دستورى لا يقل عن الربع لاستكمال سلسلة نجاحهم، ومن أجل استمرار صوت الشباب والمرأة المصرية تحت القبة، وقد ساهم ذلك في دعم الحياة السياسية والتوازن بين طوائف المجتمع و تعظيم فرصة ممارسة الحياة السياسية ضمان تكافؤ الفرص بين فئات المجتمع

جاء مجلس النواب الحالي ما بعد الإعلان الدستوري 2019 بالعديد من المزايا التي ساهمت في دعائم الاستقرار في البلاد حيث شهدت دورات الانعقاد الموافقة على كثير من الاتفاقيات الدولية التي ساهمت في تعزيز دور مصر على المستوى الدولي، وإصدار مجموعة كبيرة من القوانين خلال دوري الانعقاد الخامس والسادس، فقد أصدر المجلس حزمة من القوانين تتعلق بالجوانب الاقتصادية والسياسية وبرامج الحماية الاجتماعية وبرامج الرعاية الصحية، بالإضافة إلى القوانين المتعلقة بحماية الأمن القومي للبلاد، وكذا إصدار القانون المتعلق بالتعديل أحكام القانون رقم 8 لسنة 2015 في شأن تنظيم قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين، وقانون بتعديل بعض أحكام قانون مكافحة الإرهاب الصادر بالقانون رقم 94 لسنة 2015، واهتمام المجلس بذوي القدرات الخاصة أصحاب الهمم وإصدار قانون بشأن صندوق لدعم تلك الفئة من المجتمع، وكذا القوانين المتعلقة بالشأن الاقتصادي والاجتماعي والتي ساهمت في دعم مؤسسات الدولة ذات الصلة، فضلا عن القوانين المتعلقة بمباشرة الحقوق السياسية فقد أصدر المجلس قانون مجلس الشيوخ، وتعديل قانون تنظيم مباشرة الحقوق السياسية الصادر بالقانون رقم 45 لسنة 2014، وقانون مجلس النواب الصادر بالقرار بقانون رقم 46 لسنة 2014، بالرغم من أزمة كورونا التي كانت لها تداعيات كبيرة على الكثير من قطاعات الدولة فقد أصدر المجلس  القانون المقدم من الحكومة بشأن بعض القواعد المالية التي يتطلبها التعامل مع التداعيات التي يخلفها فيروس كورونا، مع مطلع عام 2020، وفي مجال الحماية الاجتماعية فقد أصدر المجلس حزمة من التشريعات أبرزها قانون زيادة معاش الأجر المتغير عن العلاوات الخاصة التي تقررت من عام 2006 ولم تضم إلى الأجر الأساسي في تاريخ استحقاق المعاش، وتعديل بعض أحكام قانون التأمينات الاجتماعية والمعاشات الصادر بالقانون رقم 148 لسنة 2019، وقانون بتقرير حد أدنى للعلاوة الدورية للمخاطبين بقانون الخدمة المدنية، ومنح علاوة خاصة لغير المخاطبين بقانون الخدمة المدنية، وزيادة الحافز الإضافي للعاملين بالدولة، وتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الضريبية الموحد، وتعديل بعض أحكام القانون رقم 139 لسنة 1981، والقانون رقم 103 لسنة 1961 وتعديلاتهما، وإنشاء صندوق الرعاية الاجتماعية للمعلمين بالمهن التعليمية ومعاونيهم بالتربية والتعليم والتعليم الفني والأزهر الشريف، وتعديل بعض أحكام قانون الاستثمار

أتى برلمان 2020 على أساس من البناء الديمقراطي، التي نشأت وتبلورت بفهم وإدراك للمجتمع السياسي المصري ومكوناته المختلفة والتي تشكلت بين صفوف ومكونات مجتمعيه تتسم بمستوى كبير من الإدراك السياسي وأهمية البناء الديمقراطي الذي ينتظره المواطن والذي تجسد في السماح للأحزاب والكيانات السياسية بان تدلي بدلوها في الحياة السياسية وهو ما جعل المشاركة في العملية الانتخابية فاعله وحقيقية، مما ساهم بقوة في البناء الديمقراطي في مصر بدرجة کبيرة والتخلص من التعقيدات والاختلافات التي كانت تحول دون تحقيق المسار الديمقراطى والتعددية في المشاركة السياسية والذي تناغم مع التطور الاجتماعي والاقتصادي للدولة المصرية وساهم في استقرار مؤسساتها في ظل الظروف الإقليمية والدولية التي تزامنت مع تلك اللحظات التاريخية التي تحقق فيها عملية البناء الديمقراطي التي جاء بها البرلمان المصري.