رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


أمثال شعبية (30 – 12)| خذوا الحكمة من أفواه المجانين

12-3-2025 | 09:47


أمثال شعبية

بيمن خليل

تُعدّ الثقافة الشعبية من المداخل الأساسية لدراسة الشعوب، حيث تعكس الجوانب النفسية والعاطفية في حياة المجتمعات، وتعتبر الأمثال الشعبية أحد أبرز عناصر هذه الثقافة، إذ تمثل حجر الزاوية لفهم الشعوب.

والمثل هو حكمة تتجسد في كلمات مسجوعة أو غير مسجوعة، تنطوي على رمز يحمل نقدًا أو علاجًا لأحد جوانب الحياة المتنوعة. والحكمة في جوهرها قديمة، هي نتاج الروح وثمار تجربتها، تتشكل من نعم الحياة وابتلاءاتها، نادرًا ما تخلو أمة أو قبيلة من قول الحكمة في أمثال تتداولها، وقد تتجاوز هذه الأمثال حدودها إلى أمم أخرى، إذ إن النفوس البشرية، رغم اختلاف درجات تطورها، تشترك في العديد من جوانب الحياة، وقد تتسم هذه الحكمة بالرقي، لتصبح جزءًا من ثقافة الأمة ومعرفتها العميقة، ويعكس ذلك مستوى تطور الأمة ونضوجها.

خلال أيام شهر رمضان المبارك لعام 1446 هجريا، نعرض معًا مجموعة من الأمثال الشعبية المصرية التي تناولت موضوعات حياتية يومية متنوعة.

واليوم نناقش الأمثال التي تدور حول"خذوا الحكمة من أفواه المجانين"

تعود قصة هذا المثل إلى أبناء توفي والدهم أثناء وجوده في الخارج، عندما أُبلغوا بخبر وفاته، حزنوا كثيرًا، أسرع الأخ الأكبر لتحديد يوم العزاء، ولكن الإخوة اعترضوا على الموعد المقترح، طالبوا بتوزيع الميراث أولًا ثم تحديد موعد العزاء.

رفض الأخ الأكبر طلب الإخوة بتأخير موعد العزاء من أجل توزيع الميراث، فاعترضوا عليه وذهبوا للقاضي لرفع دعوى ضده.

حاول الأخ الأكبر حل هذه المشكلة، فذهب إلى أهل قريته لطلب النصيحة، نصحوه بالذهاب إلى أكبرهم سنًّا وحكمة، عندما قص عليه ما حدث، لم يجد منه حلًا، فأرشده الحكيم، وقد استعصى عليه الحل، إلى مجنون القرية طالباً منه أخذ نصيحته.

ازدادت دهشة الأخ الأكبر لأن الحكيم بنفسه يرسله ليأخذ الحكمة من فم المجنون، لكنه وفي ظل الحاجة إلى حل وقصر الوقت لم يعد أمامه سوى الامتثال لنصيحته، حتى لو اعتقد بأن حكمة مجنون لن تسعفه.

لم يكن على المجنون أن يعقد حاجبيه أو يمط شفتيه مصطنعاً التفكير والبحث عن إجابة، بل بادر بسؤال الأخ بعد سماع حكايته «هل لديك أو لدى إخوتك من يشهد بأن أباكم مات فعلاً؟»

صمت الأخ الأكبر وقد انعقد لسانه، وهز رأسه نافياً، فقال المجنون «قل لإخوتك أن يجلبوا من يشهد بموت أبيكم!».

أذهل المجنون الأخ الأكبر برده، فأسرع خطاه إلى القاضي وقال له «من يشهد بأن والدنا قد توفى أو بأن خبر وفاته صحيح؟»، أثنى القاضي على قوله والتفت للإخوة يسألهم «هل لديكم شهود على وفاة أبيكم؟» فرد الأبناء «لقد مات أبونا في بلد بعيد ولا يوجد شاهد على ذلك»، فصرفهم القاضي طالباً منهم إحضار الشهود ليقوم بقسمة الميراث بينهم على الفور.

ولأنهم لم يكونوا قادرين على ذلك علقت القضية لفترة طويلة من الزمن، وكان الأخ الأكبر يقول لإخوته كلما رآهم «لو أنكم صبرتم أسبوعًا واحدًا فقط ألم يكن خيراً لكم من هذا!».

الحكمة.. مرآة الثقافات

تعتبر الحكمة عماد الثقافات الإنسانية، حيث تنقل القيم والتجارب عبر الأجيال، ربما كانت الأمة اليونانية من أبرز الأمم التي أبدعت في مجالات الحكمة، فكانت فلسفتها خالدة، معبرة عن تجليات الروح السامية وعمق الفكر الإنساني.

وعلى الصعيد العربي، ظهرت الحكمة قبل الإسلام كناتج طبيعي لحياة الصحراء وتأملات البدو في الكون، هذه الحكم أُلبست ثوبًا من الشعر العذب والنثر البليغ، فكانت بمثابة مرآة للبساطة والصدق الإنساني.

الحكمة في الإسلام وما بعدها

مع مجيء الإسلام، ارتقت الحكمة لتبلغ ذروتها، متجلية في القرآن الكريم، الذي قدم للناس قوانين دينهم ودنياهم، ازدهرت الحكمة مع الشعراء والكتّاب مثل المتنبي وأبو العلاء المعري، الذين لم يكتفوا بالجمال الأدبي، بل عبروا أيضًا عن فكر فلسفي عميق.

الحكمة في مصر.. فاكهة الشرق

انتقلت الحكمة العربية إلى شمال إفريقيا، وتألقت في مصر بفضل الحس الشعبي الذي أضفى عليها عذوبة وفكاهة، أصبحت الأمثال المصرية مرآة للواقع وجزءًا لا يتجزأ من التراث الشرقي، تشترك فيها مصر مع باقي الأمم العربية مع تميزها بروحها الخاصة.