د. منال علام ,
تعيش وزارة الثقافة المصرية في هذه الأيام من كل عام عرس ثقافي ينتظره العالم بجانب أبناء الوطن وهو معرض القاهرة الدولي للكتاب فى دورته الـ55 لما له من قيمة إقليمية ودولية ينتظره الناشرين بمختلف انتماءاتهم لعرض منتجهم الثقافي الذي عملوا علي إعداده علي مدار العام السابق وخاصة أن معرض القاهرة الدولي للكتاب هو ثاني معرض في أجندة المعارض الدولية السنوية فلذلك يجذب أنظار الناشرين وأحسنت اللجنة العليا اختيار الصحفي يعقوب الشاروني شخصية المعرض بجانب الأثري سليم حسن.. حيث يُعد يعقوب الشاروني واحدًا من أبرز الكتّاب في الأدب العربي المعاصر. تتنوع أعماله بين الرواية والقصة القصيرة والمقال، ومن أجل فهم سيكولوجية التحليل النفسي في أعماله، يمكن الاستعانة بتحليل نقدي يشمل العناصر التي يتناولها في كتاباته، وتوظيفها في أدب الطفل الذي لا يخلو بيت مصري أو عربي من إصداراته وأرى أنها فرصة لإلقاء الضوء علي سيكولوجية الأديب يعقوب الشاروني لنكتشف سر تميزه بصفة عامة. يتميز أسلوب يعقوب الشاروني في الكتابة بالتعمق في نفسية شخصياته واستكشاف أعماقها النفسية..
ويعتبر التحليل النفسي من الأدوات التي يستخدمها لتجسيد الشخصيات وفهم دوافعها وتصرفاتها. تعتمد سيكولوجية التحليل النفسي في أدب يعقوب الشاروني على مفهوم اللاوعي وتأثيره في السلوك البشري.
يركز على تحليل العوامل النفسية والجمود العقلي والتناقضات الداخلية للشخصيات. ويتعمق التحليل في الرغبات الكامنة والصراعات النفسية والتجارب الحياتية التي تشكل شخصيات الرواية ومن خلال ذلك يستطيع يعقوب الشاروني تقديم صورة معقدة ومتعددة الأبعاد للشخصيات في أعماله.. حيث يسلط الضوء على العواطف والأحاسيس المتناقضة والتحولات النفسية التي يمرون بها.
ومن أمثلة ذلك روايته "عروس بيروت"، يقدم فيها الشاروني شخصية البطلة الرئيسية ليلى، وهي شابة تعاني من صراع داخلي بين رغبتها في الحرية والتحرر وبين القيود والتقاليد الاجتماعية.
يحلل الشاروني عواطفها المتناقضة ويستكشف تأثير ذلك الصراع النفسي على حياتها وعلاقاتها و في قصته القصيرة "الموتى"، يتناول الشاروني موضوع الوحدة والعزلة.
يستخدم تحليلًا نفسيًا دقيقًا للشخصية الرئيسية، حيث يكشف عن حالتها العقلية المتدهورة وتأثيرها على وجهة نظرها وسلوكها.
يعرض الشاروني التحولات النفسية التي يعاني منها الشخص وكيف يؤثر ذلك على اندماجه في المجتمع وأيضا في روايته "مقبرة الجراد"، يستخدم الشاروني تحليلًا نفسيًا عميقًا لشخصية البطل الرئيسي فهد.. حيث يتناول تجربة فهد مع العنف والحرب وتأثيرها على نفسيته.
ويستكشف الصراعات الداخلية لفهد وتحولاته النفسية مع تقدم الأحداث، مما يؤدي إلى فهم أعمق لتحولات الشخصية وتطورها على مر الزمن.
هذه أمثلة قليلة توضح كيف يستخدم يعقوب الشاروني التحليل النفسي في أعماله لاستكشاف الشخصيات وتفاعلاتها النفسية، واعتماده على تفاصيل دقيقة وتوصيفات عميقة للشخصيات لإلقاء الضوء على الدوافع والتحولات النفسية التي تؤثر على قصصه.
ومن هذه النماذج يتبين لنا ان الشاروني لا يعتمد بشكل حصري على نظرية معينة في تحليل الشخصيات، بل يستخدم أساليب ومفاهيم متنوعة لاكتشاف العوامل النفسية والنزعات الإنسانية في أعماله.
قد يستوحي من مجموعة متنوعة من النظريات والمدارس النفسية لتطبيقها في تجسيد شخصياته وتحليلها فعلى سبيل المثال، يمكن أن يستخدم الشاروني مفاهيم من علم النفس والتحليل النفسي المستوحى من سيغموند فرويد.
يستكشف الشخصيات والعوامل اللاواعية والصراعات النفسية المستترة وتأثيرها على السلوك البشري. كما يمكن أن يستخدم مفاهيم من علم النفس الاجتماعي لفهم تأثير العوامل الاجتماعية والثقافية على الشخصيات ويمكن أن يتطرق إلى مفاهيم مثل الهوية والانتماء والتكوين الاجتماعي لتحليل الشخصيات وتفاعلاتها مع المجتمع.
وقد يستخدم أساليب أدبية مختلفة مثل الشخصية الداخلية والتدوين الذاتي والحوار الداخلي لتجسيد الأفكار والعواطف الداخلية للشخصيات وتحليلها.
ونلحظ أنه استخدم مجموعة متنوعة من المفاهيم والأساليب في تحليل الشخصيات في أعماله لإلقاء الضوء على الأبعاد النفسية والتحولات الداخلية لشخصياته وتوفير فهم أعمق لتجربتهم الإنسانية.
وفي مجال أدب الطفل استهدف الشاروني خلق شخصيات واقعية ومتعددة الأبعاد تعكس التجارب النفسية للأطفال وتساعدهم على فهم أنفسهم والعالم من حولهم وفي سبيل ذلك اعتمد الشاروني على مفهوم السمات الشخصية في تطوير شخصيات الأطفال بوصفهم مسؤولين أو مغامرين أو خجولين أو شجاعين أو غيرها من السمات الشخصية.
ويستخدم هذه السمات لخلق شخصيات ثرية ومتنوعة تعكس تجربة الطفل ونموه النفسي وأيضا التحليل النفسي لتطوير شخصيات الأطفال بالكشف عن العواطف والصراعات الداخلية والرغبات المكبوتة للشخصيات الصغيرة وإبراز رحلة الشخصية وتطورها على مر الزمن.
كما يستكشف العواطف المختلفة التي يمكن أن يواجهها الأطفال مثل الفرح والحزن والخوف والغضب والحب والغيرة. يمكنه من خلال ذلك إيجاد توازن بين العواطف المختلفة وإظهار كيفية تأثيرها على سلوك الشخصية وكيفية تأثير العوامل الاجتماعية والثقافية والبيئية على الشخصية وتشكيلها.
يمكنه من خلال ذلك أيضا إيجاد قصص توضح كيفية تأثير الظروف والتحديات الخارجية على نمو الشخصية. نخلص مما سبق أن الأديب يعقوب الشاروني استهدف خلق شخصيات واقعية ومتعددة الأبعاد تعكس التجارب النفسية للأطفال وتساعدهم على فهم أنفسهم والعالم من حولهم.
وهكذا يعتبر الأدب مساحة حرة لاستكشاف النفس البشرية، والتحليل النفسي في أعمال يعقوب الشاروني.