رئيس مجلس الادارة
عمــر أحمــد ســامي
رئيس التحرير
طــــه فرغــــلي
الجمهورية الجديدة عصر المشروعات العملاقة والاستثمارات الكبرى
الكاتب الصحفي أحمد أيوب
بقلم: أحمد أيوب
قبل أقل من شهر كان التدشين الرئاسى بمشاركة الرئيس السيسى ونظيره الروسى بوتين لصبة خرسانة قلب المفاعل الرابع والأخير فى مشروع الضبعة النووى كواحد من أكبر مشروعات الطاقة فى مصر والمنطقة.
وهذا الأسبوع كان الإعلان عن أكبر صفقة استثمار مباشر ضمن مشروع هو الأضخم فى تاريخ مصر بمنطقة رأس الحكمة.
مشروعان فى شهر واحد يؤكدان مجددًا أننا نعيش بالفعل عصر المشروعات الكبرى والعملاقة التى انتهجتها القيادة السياسية فى بناء جمهورية جديدة قائمة على امتلاك عناصر القوة، مشروعات ممتدة بطول وعرض خريطة مصر، من أسوان وحلايب وشلاتين إلى السلوم، مشروعات متنوعة من الزراعة إلى الصناعة والطاقة والمدن الجديدة، استراتيجية اقتصادية مبنية على رؤية للمستقبل الذى لا مكان فيه لضعيف ولا مساحة لمَنْ لا يعتمد على ذاته.
المشروعات الكبرى التى نفذتها وتنفذها الدولة على مدى السنوات الماضية هى الكفيلة بإحداث النقلة التى نحلم بها لمصر كدولة كبيرة، سكانًا ومكانة وقدرات، ولا تحتمل التفكير الضيق، ولا العشوائية أو التسرع فى التخطيط وإنما تحتاج إلى نظرة إنجاز قوية وكبيرة، وتخطيط شامل يستوعب قدرات وثروات كل شبر فى أرضها بعبقرية وكفاءة.
قبل ذلك كان هناك بالتأكيد جهد لا ينكر فى إقامة المشروعات وتحقيق البناء، لكن كانت الخطوات بطيئة بعض الشيء والمشروعات تُقام فى الأساس لمواجهة نقص أو تلبية مطالب عاجلة، فالرؤية الاستراتيجية لم تكن واضحة، لأن الحكومات السابقة غرقت فى مطالب آنية، وهذا ما تنبهت إليه القيادة الحالية التى أدركت أن الغرق فى الأزمات دون النظر للمستقبل لا يبنى الدولة التى نحلم بها، بل يمكن أن يزيد الأزمة ويعقد المسألة. سياسة طفايات الحريق والمسكنات وعلاج الأمراض لم تعد تكفى أو تصلح فى زمن يشتد فيه الصراع والتنافس ويُدهس فيه الضعفاء.
¿ ¿ ¿
رؤية الرئيس عبدالفتاح السيسى منذ أن تولى المسئولية تقوم على أنه مهما كانت التكلفة والجهد المطلوب فلا بديل عن النظر للمستقبل، والتحرك بكل قوة فى طريق البناء، «نتعب شوية لكى نبنى بلد يليق بنا»، لا نتجاهل علاج الأزمات ومواجهة الاحتياجات العاجلة، سواء تداعيات الزيادة السكانية، أو مطالب المواطنين من مشروعات الخدمات، تلبية الاحتياجات اليومية لأكثر من 105 ملايين مواطن ضرورة لا غنى عنها ولا يمكن تجاهلها، لكن فى الوقت نفسه لا غنى أيضا عن النظر إلى ما يحقق حلم الدولة الجديدة القوية القادرة على المنافسة عالميا فى كل المجالات، الدولة، التى تستثمر ثرواتها بأفضل صورة وبما يليق بها من أجل أبنائها والأجيال القادمة، ولذلك كان التفكير من البداية فى المشروعات الكبرى كسياسة بناء حقيقى للمستقبل، وفى الاستثمارات الضخمة كصيغة تناسب إمكانات الدولة استثمارات تحقق حلم البناء الكبير، لا نتحدث فى الزراعة عن استصلاح آلاف الأفدنة الجديدة بل عن مشروعات عملاقة بملايين الأفدنة، مستقبل مصر والدلتا الجديدة وتوشكى الخير والعوينات والريف المصرى. الفلسفة التى تعاملت بها القيادة السياسية مع الملف الزراعى أن مصر لا تحتمل السير بنظام المساحات الصغيرة، وإنما المشروعات المليونية هى الحل لتوفير الاحتياجات الغذائية المطلوبة والوصول إلى نقطة الاكتفاء الذاتى قدر الإمكان، مصر تزيد سكانيًا بنحو مليونى نسمة سنويًا ولا يمكن أن يواجه مطالب هذه الزيادة إلا المشروعات الزراعية العملاقة التى تمكن من الإنتاج المناسب للاستهلاك المحلى والتصدير الذى يوفر عملة صعبة ويخطو بنا نحو حلم الـ100 مليار دولار صادرات، ونتيجة هذه الرؤية فمصر الآن من كبرى الدول تصديرًا للمنتجات الزراعية، وما زالت هناك مساحة لزيادة الصادرات مع اكتمال هذه المشروعات الزراعية العملاقة والمستهدف فيها الوصول إلى 4 ملايين فدان.
¿ ¿ ¿
المشروعات العملاقة هى الفلسفة التى حكمت ملف الصناعة أيضاً، فالصناعات المتوسطة والصغيرة رغم أهميتها، وعدم القدرة على الاستغناء عنها فإنها لم تعد كافية أو مجدية لكن المشروعات الصناعية الكبرى هى التى يمكن أن تحقق الهدف الذى نسعى إليه، مثل صناعة البتروكيماويات والصناعات الإلكترونية وصناعات الأسمنت والأدوية وتطوير صناعة الغزل والنسيج لتواكب التطور العالمى، بالإضافة إلى المدن الصناعية الكبرى مثل مدينة الأثاث ومدينة الروبيكى للجلود، وخطة الدولة تهدف إلى التوسع فى هذه المشروعات بمشاركة القطاع الخاص من أجل أن نصنع غذاءنا واحتياجاتنا بأيدينا، وكذلك زيادة حصة الصناعة فى الصادرات.
الطاقة أيضا غادرت مصر فيها مربع تلبية الاحتياجات العاجلة الذى كان سائدًا لعقود طويلة، وكانت نتيجته أننا عانينا نقصًا شديدًا فى الكهرباء وعجزًا فى الطاقة أثر على معدلات التنمية. انتقلنا الآن إلى مشروعات ليست فقط عملاقة بل مسجلة عالميا ضمن الأرقام القياسية، مشروع بنبان للطاقة الشمسية ومشروعات الرياح، ومحطات سيمنز، وحقل ظهر، هذه المشروعات العملاقة حولت العجز فى الكهرباء إلى فائض يزيد على 28 ألف ميجا وات، ومع دخول مشروع الضبعة النووى العمل سيغير معادلة الطاقة الكهربائية تماما، والقادم أكثر بكثير خاصة مع الاكتشافات البترولية الكبرى المتوقعة.
¿ ¿ ¿
الطرق أيضاً نموذج مصرى خالص يعكس فلسفة المشروعات الكبرى التى تنفذها الدولة وكيفية تمهيد الأرض لنشر التنمية، شبكة طرق عالمية وبأطوال غير مسبوقة، أكثر من سبعة آلاف كيلومتر طرق جديدة، وتحسين وتطوير 10 آلاف كيلو متر من شبكة الطرق القديمة، وإقامة ألف كوبرى جديد وإنجاز نحو 934 نفقاً أهمها أنفاق سيناء العملاقة كلها مشروعات طرق تمتد بطول البلاد وعرضها لتفتح شرايين تنمية غير مسبوقة وتيسر سبل الاستثمار وتتزامن معها شبكة ضخمة من البنية التحتية المتكاملة التى مهدت الطريق إلى مشروعات عملاقة فى أى مجال.
حتى فى الآثار غادرت مصر منطقة المشروعات التقليدية والاكتشافات التقليدية وانتقلت إلى مشروع القرن الأثرى، المتحف الكبير الذى يتم استكمال الخطوات النهائية لافتتاحه ليكون نقلة غير تقليدية فى العرض المتحفى ليس فى مصر بل فى العالم، وقبله كان مشروع متحف الحضارات بالفسطاط وطريق الكباش، مشروعات أثرية تحدث صدى عالميا وتعيد الزخم للآثار المصرية.
التفكير السياحى نفسه اختلف، لم يعد مجرد البحث عن الحفاظ على الموسم السياحى بنجاح، ومحاولة زيادة الحصيلة بالملايين وإنما أصبحت الدولة تعمل برؤية استراتيجية، حددت 30 مليون سائح كهدف تسعى للوصول إليه سنوياً، وفى سبيل هذا تنفذ مشروعاتها القومية المرتبطة بالسياحة.
¿ ¿ ¿
فى المدن أصبحت الصيغة المصرية متفردة، مدن من الجيل الرابع ليست سكنًا فقط وإنما مجتمعات عمرانية تنموية متكاملة فى أنشطتها السكنية والاستثمارية والتجارية والسياحية والثقافية والعلمية، كل مدينة كيان متكامل قائم بذاته، مجتمع يصلح للمعيشة الكاملة وليس مجرد إضافة مربعات سكنية، نحو 14 مدينة تم بناؤها بالفعل أو جار العمل فيها، ومثلها فى الطريق، وإذا كانت العاصمة الإدارية الجديدة هى الأيقونة لهذه المدن باعتبارها رمزًا للجمهورية الجديدة، فإن العلمين الجديدة لا تقل فى الأهمية وكذلك مدينة الجلالة، ورأس الحكمة جزء من هذه الاستراتيجية المختلفة، مدن تجمع بين السكن والاستثمار، بين العمران والتنمية الاقتصادية، ففلسفة العمران نفسها اختلفت لتصبح فى جزء مهم منها قائمة على أن تصبح المدن الجديدة فرصًا لاستثمار القدرات وتنميتها.
¿ ¿ ¿
ولا يقل عن أهمية هذه المدن الجديدة ما حدث فى الإسكان البديل للعشوائيات، قبل ذلك كان نظام الانتقال من العشوائيات مرتبطًا بحدوث كارثة أو تعرض أسر لنكبة أو أزمة، مثل سقوط صخرة الدويقة أو انهيار عقار قديم على ساكنيه، لم تكن هناك نظرة شاملة للتخلص من مشهد العشوائيات الخطرة بل كانت نظرة قاصرة على مواجهة الظروف العاجلة، كل محافظة تحت يدها عدد من الوحدات لتسكين المتضررين لاستخدامها فى الظروف الطارئة، وأحيانا لم تكن الوحدات تكفى فكانت الخيام، وكنا نسمى المناطق بأسماء من وحى الأزمة، مساكن الإيواء ومساكن الزلزال.
لكن مع تولى الرئيس السيسى تحول الأمر إلى رؤية حضارية، القضاء تماما على العشوائيات والانتقال إلى مدن حضارية متكاملة، لا ننتظر الكارثة بل نبتعد عنها ونتجنبها، لا نبنى لاستيعاب المضارين، بل نبنى لإنقاذ الإنسان وبناء الأجيال القادمة وحمايتهم من ثقافة العشوائيات، فكانت الأسمرات بمراحلها المختلفة وبشاير الخير وأهالينا وروضة السيدة وغيرها من الإسكان الحضارى، سكنًا يليق بالمواطن المصرى وينقله من كارثة العشوائية إلى مساحات مختلفة ثقافية وإنسانية، وتصحيح مسار أجيال كاملة من الأطفال لتغيير مستوى حياتهم.
¿ ¿ ¿
«حياة كريمة» صورة متفردة للمشروعات العملاقة التى تحدث ثورة تنموية حقيقية، فالريف المصرى لم يكن موجوداً على خريطة التنمية، وإن وجد فمحاولات فردية، لكن رؤية الدولة فى المشروعات العملاقة انتقلت إلى الريف من خلال حياة كريمة الذى يستهدف كل القرى المصرية، وبتكلفة تتجاوز التريليون جنيه، لتغيير وجه القرية المصرية وتحقيق حلم 60 مليون مصرى يعيشون بالريف فى حياة كريمة.
¿ ¿ ¿
سيناء كانت هى الأخرى نموذجاً للمشروعات العملاقة وقدرتها على إحداث التغيير الجذرى السريع، قبل ذلك كانت مجرد مشروعات متفرقة لا تحقق أى تغيير بل ظلت سيناء أرضاً بلا تنمية حقيقية، مما زاد الأطماع فيها، لكن مع الرئيس السيسى تم التعامل مع سيناء، بنمط المشروعات القومية العملاقة التى تغطى كل شبر فى سيناء، ومن أجل هذا المشروع أنفقت الدولة 700 مليار جنيه، فى المرحلة الأولى ومخصص للمرحلة الثانية أكثر من 300 مليار لتصل تكلفة مشروع تنمية سيناء وحده أكثر من تريليون ودون هذا ما كانت ستحدث أى تنمية.
¿ ¿ ¿
فى المشروعات الاجتماعية أيضا لم تختلف نظرة الدولة وتوجهها، بل رفضت تماما الاستسلام لسياسة مواجهة تداعيات الكوارث الإنسانية وانتقلت إلى الحماية المسبقة بفكر مختلف، ومشروعات دعم للفئات الأكثر احتياجا، برامج حماية قائمة على الدراسة والرصد العلمى الدقيق، ليس دعم المتضررين من الفقر وإنما إعلان حرب شاملة على الفقر، فكانت برامج عملاقة فى إمكاناتها، والمستهدفون منها مثل «تكافل وكرامة» الذى يخدم نحو 5 ملايين أسرة بنفس المنطق كانت المبادرات الصحية مثل مبادرة 100 مليون صحة التى استفاد منها نحو 65 مليون مواطن، ومبادرة القضاء على فيروس «سى».
فلسفة المشروعات العملاقة والاستثمارات الكبرى هى التى انتهجتها الدولة خلال السنوات العشر الماضية، لا تبخل فى الانفاق، ولا تتهاون فى حجم الاستثمارات المستهدفة لتحقيق الهدف الأسمى وهو التنمية المستدامة من أجل المواطن، فتكلفة ما تم فى مصر من مشروعات كبرى خلال عشر سنوات تجاوزت 10 تريليونات جنيه.
قد يكون جزء من هذه المشروعات لم يتحقق بالشكل المطلوب مثل القطاع الصناعى الذى مازلنا نحتاج فيه إلى جهد كبير ومساهمة أكبر من القطاع الخاص لأن الصناعة فى كل العالم تقوم فى الأساس على الاستثمار الخاص.
لكن فى قطاعات كثيرة حققت الدولة نجاحات غير مسبوقة نالت إعجاب وإشادات المؤسسات الدولية بفلسفة المشروعات الكبرى، وقطعت مسافات لم يكن ممكنًا قطعها بالمشروعات التقليدية.
ومشروع رأس الحكمة نموذج جديد واستكمال لهذا المسار، فهو مشروع استثمارى غير تقليدي، فى مساحته وأهدافه وعوائده، مشروع قائم على الخروج عن النمط التقليدى إلى نموذج يعكس القدرات المصرية ويستثمرها أفضل استثمار، ولهذا فإن الأرقام المتوقع تحقيقها ضخمة، سواء على مستوى معدلات الاستثمار أو السياح المنتظر جذبهم أو معدلات التشغيل، أو العائد على الدولة.
وهذه هى فلسفة المشروعات الكبرى، تحقيق نقلة حقيقية وخطوة كبيرة مدروسة فى زمن قصير وبأكبر قدر من استثمار القدرات والثروات والإمكانات المصرية وبأعلى عائد يستفيد منه المصريون ويضيف للاقتصاد والناتج القومى ويحقق أعلى معدل نمو، وهذا ما لم يفهمه الكثيرون بل حاولوا تشويهه أو السخرية منه، لأنهم إما مغرضون لا يريدون البناء لهذه الدولة، وإما لأنهم لا يفهمون أن مصر ليست لديها رفاهية الوقت لتضيعه فى نفس النمط الذى كان سائدًا على مدى عقود طويلة، بل يجب أن تسير فى الطريق الذى يليق بها كدولة كبيرة.