رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


ضربة معلم

3-3-2024 | 20:41


صورة أرشيفية

بقلم: د. أحمد فاروق
الصفقة التى أعلن عنها رئيس الوزراء مصطفى مدبولى يوم الجمعة الماضية 23 فبراير 2024 حدث فى غاية الأهمية، وقد جاءت فى توقيتها تمامًا، لإعطاء جرعة منعشة للاقتصاد المصري، بعد شهور طويلة أضناه فيها التعب والإنهاك. الصفقة هى الأضخم - من حيث تدفق الاستثمارات المباشرة - فى تاريخ مصر، والمشروع الكبير لتنمية رأس الحكمة يلبى حاجات الحاضر، كما أنه يخاطب المستقبل. وفى أهمية الصفقة للحاضر والمستقبل يمكن أن نذكر التطورات الآتية: 1 - سيوفر المشروع للاقتصاد المصرى تدفقات مالية تقدر – فى المرحلة الأولى – بنحو 35 مليار دولار فى خلال شهرين فقط، الدفعة الأولى بعد أسبوع من توقيع العقد وقدرها 15 مليار دولار: 10 مليارات سيولة نقدية تأتى من الخارج، بالإضافة إلى 5 مليارات دولار جزء من قيمة الودائع الإماراتية فى البنك المركزى (تبلغ قيمة ودائع دولة الإمارات فى البنك المركزى المصرى 11 مليار دولار، وهى محسوبة ضمن الديون الخارجية المصرية). بينما الدفعة الثانية بعد شهرين من توقيع العقد، وقدرها 20 مليار دولار: 14 مليار دولار سيولة مباشرة سوف تأتى من الخارج، بالإضافة إلى 6 مليارات دولار الجزء الباقى من قيمة الوديعة الإماراتية فى البنك المركزي. ومعنى ذلك أن الدين الخارجى المصرى سينقص بمقدار 11 مليار دولار، وأن أموالاً سائلة قدرها 24 مليار دولار سوف تتدفق على الاقتصاد المصرى خلال الشهرين القادمين فقط، وهى صفقة بكل المقاييس هائلة. 2 - أن ذلك سوف يسد حاجة مصر الشديدة للسيولة الدولارية، وهى المشكلة التى تمسك بخناق الاقتصاد المصرى منذ أكثر من عام، وتركت أثرها على كل نواحى الحياة فى مصر، وطبقًا لما قاله وزير المالية المصرى منذ حوالى أسبوعين من أنه يحتاج إلى 3 مليارات دولار (بشرط ألا تستخدم فى تلبية طلبات عاجلة) لكى يستطيع ضبط سوق الصرف فى مصر وإيقاف حمى المضاربات والتلاعب، فإنه بالصفقة الجديدة يمكن القول إن أزمة سعر الصرف فى مصر فى طريقها للنهاية، بعد أن بدأنا نرى أولى الطرق الجدية لحلها. لقد كان لدى ثقة فى الرئيس السيسى عندما أعلن منذ شهر تقريبًا أن أزمة الدولار فى مصر سوف تصبح قريبًا جزءًا من الماضي، يومها شنت القنوات المعادية للدولة المصرية حملة هائلة للتقليل من كلام الرئيس، ولكننى اعتبرت أنه عندما يعلن رأس الدولة ذلك على الملأ فلا بد أن يكون لديه من المعلومات ووسائل الحركة ما يستند إليها فى كلامه.. وقد كان. ومنذ الإعلان عن الصفقة يوم الجمعة الماضية، وقفت تلك الأطراف فى غاية الدهشة والتعجب، بعضها حائر لا يعرف ماذا يقول، وبعضها الآخر فى غاية الحزن هو يرى أن الأزمة التى عولوا عليها طويلاً لضرب النظام السياسى المصرى فى مقتل فى سبيلها إلى الحل النهائي. 3 - أن المشروع يتضمن إقامة فنادق ومشروعات ترفيهية ومنتجعات سياحية ومنطقة للمال والأعمال وأحياء سكنية لكل الفئات، بالإضافة إلى الخدمات التى لا تستغنى عنها مدينة حديثة، سواء المدارس والجامعات والمستشفيات والمبانى الإدارية والخدمية، ومن المخطط أن تحتوى المدينة الجديدة على منطقة حرة خاصة تعطى اهتمامًا خاصًا للصناعات التكنولوجية والصناعات الخفيفة والخدمات. معنى كل ذلك أن تجمعًا كاملاً للحياة والعمل سوف يقام فى صحراء شمال مصر، وأن مئات الألوف من الأيدى العاملة المصرية سوف تجد متسعًا للعمل والتميز هناك. 4 - أن الخطة التى تعتمدها الدولة المصرية لا تمثل فيها مدينة رأس الحكمة سوى البداية فقط، وأنه طبقًا لطموح الدول المصرية وخططها حتى عام 2052 فإن منطقة الساحل الشمالى المصرى – طبقًا لكلام رئيس الوزراء- هى المنطقة الواعدة الأولى التى يضعها صانع القرار المصرى أمام عينيه وفى اهتمامه، فهى أقدر مكان فى مصر على استيعاب الزيادات السكانية المتلاحقة فى عدد سكان مصر. وضمن خطط الدولة المصرية للمستقبل فإن مجموعة متكاملة من المدن المصرية الحديثة فى طور الإنشاء مثل العلمين - النجيلة - سيدى برانى – جرجوب، بالإضافة إلى تطوير السلوم ومرسى مطروح. وإذا عرفنا أن تلك المدن – القديم منها والجديد – هى الشاطئ الجنوبى للبحر الأبيض المتوسط وهى – عبر ذلك البحر – الشواطئ الجنوبية لأوربا لفهمنا أى أهمية عظمى لتلك المنطقة. فعامل القرب الجغرافى من قارة أوربا يجعلها – بالسياحة والمنتجعات وبالمناطق اللوجستية والصناعات الجديدة والخدمات – أقرب وأفضل الأماكن للاستجمام والراحة للأوربيين وكذلك للاستثمارات الأوربية. ويجب القول إن الاستثمار فى قطاع الخدمات – بأنواعها – أصبح يمثل الجزء الأكبر من الاستثمارات الأجنبية المباشرة حول العالم، حيث يأتى الاستثمار فى خدمات مثل السياحة والسفر والنقل – بأنواعه البرى والبحرى والجوى – وخدمات التكنولوجيا والخدمات المالية والتجارة فى مقدمة أوجه الاستثمار وحركة الأموال حول العالم حاليًا. وليس معنى ذلك أن الاستثمار فى قطاعات الإنتاج – الصناعة والزراعة – ليس بنفس درجة الأهمية، فالقطاعات التقليدية أهميتها القصوى أيضًا، ولكن ما يميز هذه المرحلة من تطور الاقتصاد العالمى أن قطاع الخدمات يأتى فى مقدمة القطاعات التى تتوجه إليها رؤوس الأموال العالمية. ومنذ فترة ليست قصيرة أصبح قطاع الخدمات يحتل المرتبة الأولى – قبل الصناعة والزراعة – فى تكوين الناتج المحلى الإجمالى، فى كثير من البلدان المتقدمة قبل البلدان النامية. وفيما يخص التجمع الاستثمارى الجديد فى رأس الحكمة، فهو فرصة ممتازة لكافة الصناعات وقطاعات الإنتاج المصرية لتوفير كافة السلع والخدمات المطلوبة لهذا المشروع الضخم، من الحديد والأسمنت إلى صناعات الأثاث والمفروشات، إلى صناعات مثل البويات والكهرباء والصرف، بالإضافة إلى طائفة أخرى من السلع المتنوعة. من زاوية أخري.. للإنسان أن يتخيل هل كانت مصر بمقدورها تسويق مدينة رأس الحكمة للاستثمار الأجنبى والحصول على هذا العرض الأكبر فى تاريخ التدفقات النقدية للاقتصاد المصرى لو لم تكن البنية التحتية الهائلة التى أقيمت على طول الأرض المصرية فى السنوات الأخيرة متاحة وتحت الخدمة؟ إن أكبر أزمة نقدية تمر بها مصر فى سنواتها الأخيرة فى طريقها إلى الحل بسبب أننا حولنا الرمال والصحراء إلى أرض لها قيمة بمئات المليارات، ولم يكن ذلك ممكنًا سوى بأننا فعلنا ما جعل لتلك المنطقة قيمة. وهو ما قصده الدكتور مدبولى عندما قال إنه دائمًا ما كانت تثار تساؤلات عما هى فائدة إنشاء الطريق الساحلى الدولى وبه عشرات حارات للمرور فى كل اتجاه مرة واحدة؟! وفى قصد السائلين: ألا يعد ذلك من الخطأ وعدم ترتيب الأولويات؟ ويستمر الدكتور مدبولي: وسُئلنا أيضًا: وما هى فائدة القطار الكهربائى السريع الفائق السرعة، الذى تنفذه الدولة من العين السخنة إلى السلوم؟ والآن.. هل فهم واستوعب السائلون أهمية ذلك؟! إن مصر تجنى الآن ثمار تعب وجهد السنين الماضية، وثمار مليارات أنفقت على البنية التحتية وظن كثيرون أنها إنفاق بلا عائد. فهل فهموا الآن قيمة عوائدها؟! إن مشروعًا واحدًا – مشروع رأس الحكمة - أُقيم بعد توفير البنية الأساسية المناسبة له سوف يدخل لخزينة الدولة المصرية 150 مليار دولار، منها 35 مليار دولار بصورة فورية.. وهى أرقام هائلة فى صفقة واحدة، ومع ذلك فهى مجرد البداية. وهى رسالة أيضًا لمن تاجروا بالأزمة الاقتصادية المصرية، لقد وجدوا فيها فرصتهم التى لا تُعوض للانتقام من الدولة المصرية، وحاولت وسائل إعلامهم إيهام الشعب أن الإدارة المصرية هى سبب الأزمة، مع أنه كان واضحًا لكل ذى عينين وكل إنسان أمين مع نفسه – قبل أن يكون أمينًا مع الناس - إن الجزء الخارجى من الأزمة هو الأكبر والأهم. لقد كانت الأزمة باختصار محصلة تفاعل مجموعة من المتغيرات، التى جاءت فى أوقات متقاربة، وبعضها جاء متزامنا: 1 – أزمة الإغلاق العالمى الناتج عن فيروس كوفيد 19 وهو ما ترك سكان العالم كله فى المنازل عامًا ونصف العام، سنة 2020 كلها وأغلب 2021، وأدى ذلك - ضمن ما أدى إليه – إلى توقف التجارة والسياحة والصناعة والإنتاج وحركة التبادل حول العالم. 2 – أزمة التضخم العالمى الجامح، بزيادة أسعار الغذاء والطاقة وباقى المنتجات، والتى نتجت عن مشكلة سلاسل الإمداد حول العالم. 3 – أزمة الحرب الروسية الأوكرانية، والتى كان من آثارها ارتفاع أسعار أغلب السلع والمنتجات إلى عنان السماء، تاركة الدول صغيرها وكبيرها يعانى أشد المعاناة. 4 – أزمة رفع أسعار الفائدة مرارًا بواسطة بنك الاحتياط الفيدرالى الأمريكي، والتى سحبت كميات هائلة من الدولارات من أغلب أسواق العالم، وخاصة الأسواق الناشئة. 5 - ثم جاءت الحرب الأخيرة فى غزة من خمسة أشهر، لتزيد معاناة الاقتصاد المصري، حيث خصمت من رصيد السياحة – التى أدخلت للاقتصاد المصرى العام الماضى 13 مليار دولار- وأثرت على حركة المرور فى قناة السويس، التى قدمت 9 مليارات دولار تقريبًا العام الماضى للاقتصاد المصري. لكن الغريب أن تركت كل تلك الأزمات العاتية والحروب، وحاولت أطراف بعينها إلقاء سبب الأزمة على مصدر واحد، وقادت تلك الأطراف حملات عاتية من الشائعات والحرب النفسية على الشعب المصرى؟ فهل ترك ذلك أثره على المصريين؟ لقد أثبت المصريون فهمًا عميقًا لحقيقة أهداف تلك الأطراف التى لم ترد الخير أبدًا لمصر. صفقة مشروع رأس الحكمة من ناحية، مع دخول مصر بعمق فى تجمع البريكس – الذى انضمت إليه مصر رسميا فى 1 يناير الماضى – سوف يعطى مصر والمصريين جرعة هواء منعشة وأملاً جديدًا فى بناء اقتصادها على أسس أكثر متانة ورسوخًا. وقد أنتج ذلك أثره الفوري، فقد انهار سعر الدولار الأمريكى فى السوق السوداء، كما شهدت أسواق الذهب انخفاضات متتالية وكبيرة بمجرد إعلان أخبار المشروع الجديد، وفى الأربع والعشرين ساعة الأولى بعد إعلان خبر الصفقة الجديدة تراجع سعر الدولار فى السوق السوداء من 70 إلى 49 جنيهاً (أي21 جنيهًا مرة واحدة وخلال ساعات!!) وتراجع سعر الذهب 350 جنيهًا بعد ساعات فقط من مجرد إعلان خبر المشروع الجديد، وتراجعت أسعار كثير من السلع فورًا (حدث تراجع كبير فى أسعار التليفونات المحمولة على سبيل المثال).. الغريب أن يحدث كل ذلك ودولار واحد لم يدخل الخزانة المصرية بعد!! فما معنى ذلك؟ لذلك تفسير وحيد وهو أن الزيادات فى أسعار الدولار وأسعار الذهب طوال الشهور الماضية كانت زيادات وهمية وليست حقيقية، وبسبب المضاربات المحمومة وليست بسبب أسباب اقتصادية يمكن قياسها والتنبؤ بها، وأن الأمور كانت ستصبح أهدأ من ذلك بكثير لولا تلك المضاربات المجنونة من أباطرة السوق السوداء، وكانت مصر ستمر بأزمة بسيطة أو عادية فى السيولة النقدية الأجنبية، ولكن تلك المضاربات رفعت الأزمة العادية والبسيطة إلى أزمة كبيرة أحس بها كل بيت فى مصر. والآن.. والأزمة التى ألمت بالاقتصاد المصرى على وشك أن تلملم أوراقها وترحل، من هموم الحاضر إلى صفحات التاريخ فإن من يستحق التحية هو الشعب المصري، الذى تحمل وصبر فى أصعب الظروف وأقساها، وكان همه كله وعينه على بلده، وعلى أمنها وسلامتها واستقرارها. وهناك أيضًا رجل من أخلص وأشرف أبنائها يستحق التحية والاحترام، لقد تحمل فى السنتين الأخيرتين من الضغوط ما لا يتحمله بشر، ووجهت إليه سهام النقد من القريب والبعيد، ووقف الرجل صامدًا يقاتل لمصلحة بلده أعداء الخارج وأعداء الداخل.. وهذا الرجل هو المواطن المصرى الشريف عبدالفتاح السيسى.