حكايات «كليلة ودمنة».. قصة «الأسد والثعلب المكار» (30:2)
«كليلة ودمنة» هو من أشهر الكتب بالعالم التي تقدم عالما كبيرا من الحكايات والكتاب يضم مجموعة من القصص المتنوعة، التي ترجمها عبد الله بن المقفع من الفارسية إلى اللغة العربية في العصر العباسي وتحديدا في القرن الثاني الهجري، وكتبه بأسلوبه الأدبي، وقد أجمع عدد كبير من الباحثين على أن الكتاب يعود للتراث الهندي، وتمت ترجمته في البداية إلى اللغة الفارسية ثم إلى اللغة العربية، وسبب نشأته جاءت من رغبة ملك هندي يدعى دبشليم بتعلم خلاصة الحكم بأسلوب مسلي فطلب من حكيمه بيدبا أن يؤلف له هذا الكتاب.
وكان للنسخة العربية من «كليلة ودمنة» دورًا رئيسيًا ومهما في انتشاره ونقله إلى لغات العالم، ويصنفه النقاد العرب القدامى في الطبقة الأولى من کتب العرب، ويرون أنه أحد الكتب الأربعة المميزة إلى جانب كتب أخرى، وهو يحتوي على خمسة فصول تضم خمسة عشر بابًا رئيسيًا يتناول قصص تراثية للإنسان على لسان الحيوانات.
وتقدم بوابة «دار الهلال» لقرائها طوال شهر رمضان المبارك 1445 هجريا، من كتاب «كليلة ودمنة» كل يوم قصة، وثاني قصة سنبدأ بها اليوم بعنوان « الأسد والثعلب الماكر».
يحكى أن أسدا كان سيدا على غابة كان يرافقه دائما ثعلب شديد المكر يعيش على فضلات طعامه، غير أن الأسد أصابه الجرب والمرض ولم يقوى على الصيد، فجاءه الثعلب الماكر قائلا: مالي أرى سيد السباع مهموما لا يغادر عرينه، فقال له الأسد: لقد أصابني الجرب والأطباء وصفت لي دواء أذني حمار لتعود لي صحتي كما كانت ولاكنني لشدة مرضي لاأقوى على الحراك ولم أستطع العثور على حمار، فقال له الثعلب: بسيطة فأنا أعرف حمار فالقرية المجاورة للغابة خير راض عن صاحبة وأعتقد أنني أستطيع أن أتيك به، فقال له الأسد: أسرع أيها الثعلب وأنا لن أستطيع أن أنسى لك معروفك هذا.
انطلق الثعلب باتجاه الغابة وحينما شاهد الحمار وحيدا اقترب منه وسأله: مالي أراك هزيلا ياصاحبي لماذا أنت هكذا، فقال له الحمار: إن معلمي يعمل علي كثيرا ولا يطعمنب إلا القليل، فقال له الثعلب: وما يبقيك هكذا، فقال له الحمار: ليس لدي مكان أقصده وكل من قصدتهم كانو أسوء من معلمي هذا، فقال له الثعلب: اسمع ياصاحب أعلم مكان في مرعى كثير والحمير هناك سمان وجميلون ولا يقصدها أي بشر، فقال له الحمار: إذا كان ماتقوله صحيح فمالذي يؤخرنا عنهم.
انطلق الإثنان معا حتى وصلا إلى الغابة، وكان العشب وفيرا والحمار جائعا فلم يرى أحد من حوله، بينما ذهب الثعلب إلى الأسد، وقال له: السلام عليك ياسيدي لقد أتيتك بالحمار وأرجو أن توفق بالقضاء عليه، قال له الأسد: لا عليك سوف أهتم بأمره، خرج الأسد من عرينه واتجه صوب الحمار وحين رأه وثب عليه، ولكن الحمار استطاع الفرار منه مسرعا من شدة خوفه، فقال له الثعلب: ماذا فعلت يا سيد الغاب كيف استطاع أن يهرب منك، فقال له الأسد: لم أكن مستعدا للقضاء عليه أحضرة ثانيتا، فقال له الثعلب: سأحاول أن أتي به مرة أخرى ولو أنه أمر صعب.
بدأ الثعلب فالبحث عن الحمار وحين وجده سأله: لماذا هربت أيها الحمار، فأجابه الحمار: لقد هاجمني وحش من دون أن أدري، فقال له الثعلب: سامحك الله كان عليك أن تبقى لقد كانت حمارة سمينه وكانت تريد امتحانك تعالى معي لتراها وأياك أن تهرب، طمع الحمار وصدق فذهب مع الثعلب من جديد معه إلى المرعى، فاتجه الثعلب إلى الأسد وقال له: هذه فرصتك الأخيرة فان لم تقتله فسوف تموت من مرضك، تحمس الأسد وقال: سترى كيف سأقضي عليه بوثبة واحدة مني، فتحرك الأسد باتجاه الحمار وحينما اقترب منه انقض عليه بوثبة واحدة، ثم قال الأسد للثعلب: نصحني الأطباء أن أكسل يداي وأن أتطهر قبل أن أكل القلب والأذنين فاحر لي الحمار، لكن الثعلب أراد أن يحرق قلب الأسد فستعجل بأكل قلب الحمار وأذنيه، وحينما رأى الأسد الحمار بدون قلبه وأذنيه قال للثعلب: أين قلبه وأذناه، فقال الثعلب: لو كان له قلب وأذنين لما عاد مرة أخرى بعدما جرى له.