حكايات «كليلة ودمنة».. قصة «الغراب والثعبان» (3-30)
«كليلة ودمنة» من أشهر الكتب بالعالم التي تقدم عالما كبيرا من الحكايات والكتاب يضم مجموعة من القصص المتنوعة، التي ترجمها عبد الله بن المقفع من الفارسية إلى اللغة العربية في العصر العباسي وتحديدا في القرن الثاني الهجري، وكتبه بأسلوبه الأدبي، وقد أجمع عدد كبير من الباحثين على أن الكتاب يعود للتراث الهندي، وتمت ترجمته في البداية إلى اللغة الفارسية ثم إلى اللغة العربية، وسبب نشأته جاءت من رغبة ملك هندي يدعى دبشليم بتعلم خلاصة الحكم بأسلوب مسلي فطلب من حكيمه بيدبا أن يؤلف له هذا الكتاب.
وكان للنسخة العربية من «كليلة ودمنة» دورًا رئيسيًا ومهما في انتشاره ونقله إلى لغات العالم، ويصنفه النقاد العرب القدامى في الطبقة الأولى من کتب العرب، ويرون أنه أحد الكتب الأربعة المميزة إلى جانب كتب أخرى، وهو يحتوي على خمسة فصول تضم خمسة عشر بابًا رئيسيًا يتناول قصص تراثية للإنسان على لسان الحيوانات.
وتقدم بوابة «دار الهلال» لقرائها طوال شهر رمضان المبارك 1445 هجريا، من كتاب «كليلة ودمنة» كل يوم قصة، وسنستكمل سلسلة الحكايات بقصة اليوم والتي بعنوان «الغراب والثعبان».
جاء في القصة: زعموا أن غرابا كان هناك غراب يعيش في عش فوق شجرة على جبل عالي، وكان قريب من عشه جحر ثعبان أسود كبير، فكان الثعبان يأكل صغار الغراب، فشعر الغراب بالحزن وقرر أن ينتقم من الثعبان الشرير وينقر عينية حتى لا يرى الصغار، ذهب الغراب إلى صديقه ابن أوي، وقال الغراب لصديقه بحزن، أريد استشاراتك في أمر هام يا صديقي سوف افعله، قال ابن آوى بحذر: ما هو يا صديقي اخبرني؟
قال الغراب بحزن: لقد تعبت يا صديقي وقررت أن أذهب إلى الثعبان وانقر عينيه وهو نائم، فلا يرى صغاري ويأكلهم ما رأيك يا صديقي.
رد ابن آوى قائلا: يا صديقي ماذا ستفعل، وماذا ان قتلك الثعبان قبل أن تخرم عينيه وتثقبها، وتكون مثل العلجوم الذي أراد قتل السرطان فقتله السرطان.
قال الغراب: وكيف حدث ذلك ؟
قال ابن أوى: كان هناك بحيرة فيها الكثير من السمك، عاش فيها طائر العلجوم، وعندما كبر لم يستطع الصيد، فأصابه الجوع والجهد والمرض، فجلس حزينا يفكر في أمره، ومر سرطان فرأى حزنة ساله قائلا: ماذا حدث أيها الطائر لماذا أنت حزينا كئيبا هكذا ؟
رد العلجوم بحزن قائلا: وكيف لا أحزن وأنا هنا أعيش بالبحيرة واصطاد السمك، وأتى اليوم صيادين مروا من هنا، وقالوا إن البحيرة مليئة بالسمك وسوف يصطادون كل الأسماك بعد الانتهاء من البحيرة الاخرى، فانطلق السرطان بسرعة إلى السمك، فاخبرهم بذلك الأمر والكلام، فاقبلن على طائر العلجوم، وطلبوا منه المساعدة.
قال العلجوم لهم: أعرف مكان ماء قريب من هنا فيه سمك ومياة عظيمة وقصب، قالوا له أن يحملهن إلى هناك، كان كل يوم يحمل سمكتين يأكلهما إلى اليوم الثاني، جاء السرطان فقال له: إذهب بي يا صديقي إلى الماء لأعيش هناك، حمله العلجوم وطار به حتى اقترب من التل الذي يأكل فيه السمك، نظر السرطان فرأى عظام السمك في مجموعة هناك كثيرة، فعرف أن العلجوم يريد به شرا، فقال لنفسه: لابد من قتل العلجوم قبل أن يقتله، وأهوى بكلبتيه على عنق العلجوم حتى مات، وتخلص السرطان منه وعاد إلى جماعة السمك وأخبرهن بالأمر وقال لقد أخبرتك القصة حتى لا تهلك نفسك إن عرف الثعبان حيلتك سوف يقتلك، قال الغراب: وماذا أفعل؟
قال ابن أوى: طر بسرعة واظفر بشيء من حلي النساء، فتخطفه فلا تزال طائر بحيث تراك العيون، حتى تذهب إلى جحر الثعبان فترمي بالحلى عنده، فإذا رأى الناس ذلك أخذوا حليهم قتلوا الثعبان، فانطلق الغراب وفعل ما قال له صديقه، وقتل الناس الثعبان وارتاح الغراب من أذية الثعبان وشكر ابن أوى على حيلته، ونصيحته الذكية للتخلص من الثعبان للأبد دون أن يؤذي نفسه.