رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


أمثال شعبية.. مسمار جحا

4-3-2025 | 10:16


أمثال شعبية

بيمن خليل

تُعدّ الثقافة الشعبية من المداخل الأساسية لدراسة الشعوب، حيث تعكس الجوانب النفسية والعاطفية في حياة المجتمعات، وتعتبر الأمثال الشعبية أحد أبرز عناصر هذه الثقافة، إذ تمثل حجر الزاوية لفهم الشعوب.

والمثل هو حكمة تتجسد في كلمات مسجوعة أو غير مسجوعة، تنطوي على رمز يحمل نقدًا أو علاجًا لأحد جوانب الحياة المتنوعة. والحكمة في جوهرها قديمة، هي نتاج الروح وثمار تجربتها، تتشكل من نعم الحياة وابتلاءاتها، نادرًا ما تخلو أمة أو قبيلة من قول الحكمة في أمثال تتداولها، وقد تتجاوز هذه الأمثال حدودها إلى أمم أخرى، إذ إن النفوس البشرية، رغم اختلاف درجات تطورها، تشترك في العديد من جوانب الحياة، وقد تتسم هذه الحكمة بالرقي، لتصبح جزءًا من ثقافة الأمة ومعرفتها العميقة، ويعكس ذلك مستوى تطور الأمة ونضوجها.

خلال أيام شهر رمضان المبارك، نعرض معًا مجموعة من الأمثال الشعبية المصرية التي تناولت موضوعات حياتية يومية متنوعة.

واليوم نناقش الأمثال التي تدور حول مسمار جحا

 

كان جحا معروفًا ببراعته في الخداع وسذاجته في آن واحد. في يوم من الأيام، اضطر لبيع منزله، ولكنه اشترط على المشتري أن يترك له مسمارًا في أحد الجدران داخل المنزل، وافق المشتري دون أن يدرك الغرض الحقيقي من هذا الشرط، وبعد أيام، فوجئ صاحب المنزل بجحا يدخل عليه، وعندما سأله عن سبب الزيارة، أجابه جحا قائلاً: "جئت لأطمئن على مسماري".

لكن جحا بدأ يتخذ من مسماره ذريعة لزيارة المنزل بشكل متكرر دون إذن أو موعد مسبق. أصبح صاحب المنزل يشعر بالضيق، لكنه كان يتحرج من مواجهة جحا. وفي أحد الأيام، جاء جحا مبكرًا ليضع فراشه على الأرض استعدادًا للنوم، فاضت صبر صاحب المنزل وسأله عن نواياه. أجاب جحا ببساطة: "سأنام في ظل مسماري".

تكرر هذا الموقف مرارًا، حتى نفد صبر صاحب المنزل، فقرر ترك البيت والهروب منه

.

ولعل من أبرز الأمم التي اهتمت بالحكمة هي الأمة اليونانية، التي كانت ثقافتها غالبة على جميع الثقافات الأخرى، حيث خلّدت حكماؤها عبر العصور.

الحكمة هي وحي الروح وسكينتها، تجردها من شهوات النفس وأهوائها، بل هي عدالة النفس وتقواها.

وقد برزت الحكمة في الأمة العربية قبل الإسلام، وكانت تعبيرًا عن خيال البدوي الذي يسكن الصحراء، وكان هذا الخيال يتجسد في شعر موزون ونثر بليغ، سواء كان مسجوعًا أو مرسلًا

.

ثم جاء الإسلام ليحمل الحكمة الكبرى عبر آيات بينات، أنزلها جبريل على النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ليعلم الناس قوانين دينهم ودنياهم، مما رفع الأمة العربية إلى أعلى مراتب العز والرفاهية والعدل.

ومع مرور الزمن، أصبح شعراء الحكمة وكتّابها في الإسلام من أبرز الشخصيات الأدبية، وخلّدوا أمثالهم في الأدب العربي. فقد أصبح المتنبي وأبو العلاء المعري وغيرهما من كبار حكماء الشعر العربي، بينما كانت شخصيات مثل بشار بن برد ومروان بن أبي حفصة وغيرهما يعتبرون شعراء عاديين.

انتقلت الحكمة إلى شمال أفريقيا من العرب وغيرهم من الأمم التي استقرت في المنطقة، فاستوعبها أهلها وأخذوا يعبرون عنها في أمثال غنية تعكس تنوعًا لغويًا وثقافيًا مميزًا.

وكان لمصر نصيب كبير من هذه الأمثال، التي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من الثقافة الشعبية المصرية، حيث يتميز بعضها بالحكمة وبعضها بالفكاهة. وأصبحت هذه الأمثال جزءًا من الأدب المصري، الذي تجذب به الشرق العربي بأسره، حيث يتقبل هذا الأدب المحلي بشغف وحب، ما يثير الإعجاب هو أن العديد من هذه الأمثال يتشابه بين مختلف الأمم الشرقية، رغم اختلاف اللهجات المحلية.