رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


مفهوم الابتلاء ومعنى الحياة

14-3-2024 | 14:19


وفاء أنور,

ما الذي أصاب قلبك اليوم فجعله يرى الدنيا على حقيقتها وكأنها المرة الأولى التي يشاهدها فيها بوضوح، يراها كما هي دون رتوش أو زخارف يراها فارغة تافهة لا تستحق كل هذا التفكير وكل تلك المعاناة، إن الابتلاءات العظيمة التي تصيبك ستحررك من مرارة التعلق بأي شيء يسعى أن يحول بينك وبين خضوعك وطاعتك وقربك من الله. 

تبدو البلايا قاسية ومجهدة لمن يرون أثرها، فما بالك بهذا الذي أصابته فصبر واحتسب وهو يتلقى سهام القدر تباعًا، سهام تصيبه ولا تخطيء مرماه، وبرغم قسوتها اللامتناهية إلا أنها تضم بين  تفاصيلها رحمة واسعة وكرم من الله لمن ينجح في التحمل، لمن يشكر ويرضى بقضاء الله. 

أمر عجيب حقًا، كيف تهذبنا البلايا؟ وكيف تفتح في أرواحنا طرقًا جديدة تدفع بنا نحو الالتزام أكثر ونحو الزهد أكثر وأكثر؟ أي أوقات تلك التي مرت بنا من قبل ونحن مشغولون بمطاردة العديد من الأحلام، نهرول خلفها كطفل صغير يطارد فراشته المحببة في البساتين الواسعة، يلهث وراءها ساعيًا للحاق بها، كأن الحياة أتقنت فنون الدلال، فأصبحت همنا ومبلغ علمنا، حتى جاءت لحظة صدور الأمر الإلهي بالتنفيذ، أمر يأتي على هيئة دفعات متتالية لإفاقة إنسان عز على خالقه ومولاه.  

ظلمات النفس تتعاظم ورحمات الرب تتسابق، الكل يدور في فلك الأمنيات، الكل يسعى بلا توقف لتحقيق المزيد من النجاحات، وفي وسط هذه الأجواء تسقط فجأة من الذاكرة تفاصيل الحياة الآخرة، حين نهمل الإعداد الجيد لها كما وصانا الله ورسوله بها، لنتناسى أن تلك الحياة التي نحياها هى المؤقتة والزائلة، نتدافع بجنون ونسلم أنفسنا لوهم البقاء، نخشى الانزواء خشية الاختفاء، ننسى وننسى ويبقى أسعدنا حظًا هو من آثر وحدة جعلته في معية ربه، وحدة ستجنبه الشقاء.

ليس هذا حوارًا فلسفيًا، أو حديثًا دينيًا بقدر ماهو وقفة مع النفس، فليس هناك تعارض بين الكلمات.  علينا أن نسعى جاهدين لتحقيق التوازن، فالعبادة بالأساس هى السبيل والمراد، العمل وسيلة وغاية لإرضاء الله، الانشغال بالحياة الدنيا يشبه خطًا وهميًا علينا أن نتفقده بين الحين والآخر، علينا ألا نتجاهله حتى لا نفقد أثره فنضيع ويضيع معنا مفهومه ومعناه.