نواصل في هذا المقال استعراض رسالة ماجستير تلميذتي الباحثة رؤيات حلمي مطاوع بهجات المدرس المساعد بكلية الإعلام وتكنولوجيا الاتصال بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا في رسالتها للماجستير التي أعدتها تحت إشرافي عن أهم مشروعات الإسكان القوميَّة التي طُرحت على الساحة في الفترة الأخيرة.
تطوير العشوائيات والمناطق غير الآمنة:
لا شك أنَّ مشکلة العشوائيات من المعضلات الضخمة في مصر ومن أکثر القضايا إلحاحاً، نظراً لما لها من انعکاسات سلبيَّة اجتماعيَّة واقتصاديَّة وأمنيَّة، تهدد أمن واستقرار المجتمع.
لقد أصبحت مشکلة العشوائيات من أخطر المشکلات التي تواجه المجتمع المصري في الآونة الأخيرة، نظراً لانعکاساتها السلبيَّة، فضلاً عن تشويه الشکل الحضاري لمصر وانعدام القيمة الجماليَّة في حياتنا، وقد اتضح ذلک جليًّا بعد أحداث ثورة 25 يناير 2011 وما شهدته البلاد من فوضى وسرق ونهب وحرق لممتلکات الدولة.
ويجب الإشارة إلى أنَّه بعد ثورة 25 يناير حدث أکبر نمو وتوسع للعشوائيات، مِمَّا دفع الحکومات المتتالية بعد 30 يونيو 2013 إلى توجيه الاهتمام لهذه المناطق والعمل على تنميتها، وتدعيم صندوق تطوير العشوائيات بالموارد الماليَّة ليتمکَّنَ من إعداد البيانات والمعلومات عن طبيعة هذه الأماکن وسکانها واقتراح سياسيات التنمية لها وتدبير مساکن لإيواء سکان المناطق غير آمنة، کما تمَّ تفعيل اتفاقيَّة تطوير عشوائيات القاهرة والجيزة التي تمَّ توقيعها بين "وزارة التخطيط والاتحاد الأوروبي في أغسطس 2012 "، والتي لم يکتب لها التفعيل الجاد کما أنشأت وزارة لتطوير العشوائيات "وزارة التطوير الحضاري" عام 2014.
وتُعرِّف المجالس القوميَّة المتخصصة المناطق العشوائيَّة بأنَّها "تجمعات سکانيَّة نشأت في غيبة التخطيط العام وخروجاً عن القانون، وبالتالي تکون مناطق محرومة من کافة أنواع المرافق والخدمات الأساسيَّة مثل: المياه، والکهرباء، والوحدات الصحيَّة، والمدارس والمواصلات ولذلک فهي تفرز العديد من المشاکل التي تؤرق المجتمع وتؤثر سلبياً على أمنه وأمانه، وينتشر بين سکانها الفقر والبطالة والانحراف والجريمة والإدمان وغيرها من المشاکل.
ويُشير کتاب "وصف مصر بالمعلومات" الصادر من مرکز معلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء إلى أنَّ عدد المناطق العشوائيَّة في محافظات مصر تبلغ 1210 منتشرة في 24 محافظة وأنَّ المناطق غير الآمنة ذات درجة الخطورة الثانية تأتى في المرتبة الأولى حيث بلغ عددها 251 منطقة تمثـل 71.5٪ من إجمالي عدد المناطق العشوائيَّة غير الآمنة، وبمساحة 2.2 ألف فدان بنسبة 48.4٪ من إجمالي المساحة، تليها المناطق ذات درجة الخطورة الثالثة بعدد 59 منطقة بنسبة 16.8٪ ومساحة 1.1 ألف فدان بنسبة 25٪، 41 منطقة من درجتي الخطورة الأولى والرابعة بنسبة 11.7٪ من إجمالي المناطق العشوائيَّة غير الآمنة عام 2016.
ويُلاحَظ أنَّ هناك تباين في التقديرات في أعداد المناطق العشوائيَّة ما بين مصدر وآخر ويرجع هذا التفاوت إلى عدم وجود طريقة سليمة للحصر واختلاف التصنيف لتلک المناطق، وبالنسبة للمناطق العشوائيَّة بمحافظة القاهرة فهي تُعَدُّ من أکثر المحافظات التي تنتشر بها العشوائيات إذ يُوجَد بها أکثر من 81 منطقة عشوائيَّة يقطنها نحو 8 ملايين فرد، منها 68 منطقة قابلة للتحسين وإعادة التأهيل و13 منطقة تحتاج إلى الإزالة.
ويحيط بالقاهرة حزام من المناطق العشوائيَّة فعلى سبيل المثال:
يُوجَد بالمنطقة الشماليَّة مناطق عشش وأکشاک الساحل، وحکر محمود شلبي، وعشش ترعة الإسماعيليَّة، وعزبة أبو حشيش، وحکر أبو دومة، ومساکن إيواء عين شمس، ويُوجَد بالمنطقة الشرقيَّة عزبة العرب، عزبة الهجانة، عزبة النخل الشرقيَّة، الدويقة، منشأة ناصر، وبالمنطقة الغربيَّة شرق وغرب وجنوب البساتين، دار السلام، زينهم، تل العقارب.
وتُشِير العديد من الدراسات إلى أنَّه رغم أنَّ المناطق العشوائيَّة بمحافظة القاهرة تتفق سماتها مع المناطق العشوائيَّة في المحافظات الحضريَّة الأخرى، إلا أنَّه لکثرة عددها والکثافة السکانيَّة العالية بها أفرزت مظاهر سلبيَّة ومشاکل مجتمعيَّة أکثر تضخماً وتعاني من عدد من نقاط الضعف يمکن أن تهدد عمليات التطوير وتحقيق التنمية المستدامة بها وأهمها ما يلى:
تضمُّ محافظة القاهرة العدد الأکبر من المناطق غير الآمنة فى مصر حيث بلغ عدد المناطق غير الآمنة بها نحو 56 منطقة بما يُمثِّل 15,4% من إجمالي المناطق غير الآمنة فى مصر وهو ما يتطلَّب وضع خُططٍ طويلة الأجل لنقل سکانها إلى مناطق سکنيَّة جديدة.
كما يوجد نقص شديد في الخدمات الأساسيَّة بمعظم المناطق العشوائيَّة (مياه- کهرباء- صرف صحي- طرق ومواصلات) بل وهناک بعض المناطق محرومة تمامًا من الخدمات الأساسيَّة مثل منطقة تل العقارب التى لا يُوجَد بها شبکات مياه عامة. کما أنَّ هناک بعض المناطق مرافقها العامة متهالکة أو غير کافية نظراً للتکدس السکانى وإقامتها بطرق غير شرعيَّة وتضمُّ معظم المناطق العشوائيَّة المتواجدة على أطراف مدينة القاهرة مجموعات متنوعة من الثقافات والعادات والتقاليد، نظراً لقدومهم من محافظات متعددة ومختلفة.
سياسات وجهود الدولة لمواجهة مشکلة العشوائيات وتنميتها بعد 30 يونيو2013
نتيجة أحداث ثورة 25 يناير وما تَبِعَهَا من فوضى وخلل في إدارة الدولة، حدث ضعفٌ واضح وإهمال من الوحدات المحليَّة في محافظة القاهرة في منع التعديات على أراضي الدولة والأراضي الزراعيَّة، وحدث أکبر نمو وتوسع للعشوائيات، لذا أولت القيادة السياسيَّة في مصر عقب ثورة يونيو 2013 اهتماماً خاصاً بالمناطق العشوائيَّة والعمل على مواجهتها، وفى عام 2014 أنشأت الحکومة وزارة لتطوير العشوائيات "وزارة التطوير الحضاري" بميزانيَّة مستقلة وفريق عمل متخصص لها، وتصل ميزانيتها إلى 600 مليون جنيه من الدولة، بالإضافة إلى مساهمة اتحاد البنوک الذي يقدم مِنحًا تُقدَّر بـ 2% من أرباحه، ومع إقرار مشروع قانون الضريبة العقاريَّة يتمُّ تخصيص 25% منه لتطوير العشوائيات، بالإضافة إلى 5% من أرباح رجال الأعمال الذين تتجاوز أرباحهم المليون جنيه، وهى ليست إجباريَّة بل طواعيَّة، حتى تصل الموارد الماليَّة للوزارة إلى 1200 مليون جنيه سنوياً.
إلا أنَّ هذه الوزارة لم تستمر طويلاً فبعد عدة شهور من إنشائها تمَّ إلغاؤها وضمُّ مسئولياتها إلى وزارة الإسکان. وعلى أيَّة حال فقد تبنَّت وزارة الإسکان وصندوق تطوير العشوائيات السياسات السابق الإشارة إليها والتي تهدف إلى سرعة التعامل مع المناطق الخطرة والمهددة لحياة السکان وقامت الحکومات المتتالية بتخصيص الموارد الماليَّة لبناء مساکن بديلة، وتمَّ تخصيص 200 مليون جنيه من صندوق "تحيا مصر" لدعم صندوق تطوير العشوائيات من أجل مشروع بناء وتطوير 20 ألف وحدة سکنيَّة بالمناطق العشوائيَّة الأکثر فقراً، بدأ المشروع بالمرحلة الأولى والثانية فى يناير 2015 وتمَّ الانتهاء منهما فى زمن قياسى، وقد افتتحت المرحلة الأولى والثانية من مشروع "حى الأسمرات" فى مدينة "تحيا مصر" بالمقطم التى تضمُّ ما يقرب الـ11 الف وحدة سکنيَّة بتکلفة إجماليَّة بلغت مليارًا ونصفَ المليار جنيه، لتفريغ عشوائيات "منشيَّة ناصر" و"الدويقة" لحماية سکان تلک المناطق الخطرة وانتشال نحو 8 ملايين مواطن يعيشون حياة غير آدميَّة وفى أماکن غير صالحة للسکن لوقوعها فى مناطق تحت الجبال أو فوق هضبة أو بجوار السکک الحديديَّة.
ويجب الإشارة إلى أنَّ مشروع البناء بمنطقة الأسمرات بالمقطم يتکون من ثلاث مراحل وقد تمَّ إنشاء المرحلة الأولى على مساحة 65 فدانا تشمل 6258 وحدة سکنيَّة بتکلفة 850 مليون جنيه، وتشمل المرحلة الثانية 4722 وحدة سکنيَّة، تَحمَّلَ صندوق تحيا مصر تکاليف إنشائها کاملة بقيمة تبلغ حوالى 700 مليون جنيه، ويضمُّ المشروع مدارس للتعليم الأساسى ووحدات علاجيَّة وملاعب رياضيَّة، ونقطة للشرطة وأخرى للإسعاف، ومکتباً للبريد، فضلاً عن أسواق حضاريَّة لتوفير احتياجات المواطنين بشکلٍ کامل .
وتمَّ ربط المنطقة السکنيَّة الجديدة بحي المقطم بمجموعة من المحاور الرئيسيَّة من خلال شبکة طرق لسهولة الانتقال منها وإليها.
وبالنسبة للمرحلة الثالثة فقد تمَّ الموافقة على المخطط العام للموقع، حيث تُقام على مساحة 62 فدان، بإجمالى عدد وحدات 7440 وحدة (أرضى+ 9 ادوار متکررة) بتکلفة متوقعة 950 مليون جنيه قابلة للزيادة إلى جانب مدرسة ثانويَّة للتعليم الصناعي، وعدد من الملاعب المفتوحة، والحدائق، وسوق تجارى، وساحات انتظار للسيارات ومن الجدير بالذکر قيام الهيئة الهندسيَّة بالقوات المسلحة بتطوير بعض المناطق العشوائيَّة غير المخططة بمحافظة القاهرة وبتمويل مشترک بين اتحاد بنوک مصر وصندوق تطوير العشوائيات، وقد شمل التطوير رصف وإنارة الطرق، وتوصيل مياه الشرب النقيَّة وإنشاء شبکات إطفاء الحريق في المناطق التي يصعُب دخول سيارات الإطفاء إليها.
وفى هذا الإطار يجب الإشارة إلى أنَّ الحکومة أعلنت عن مشروع الإسکان الإجتماعى ضمن استکمال مخططات الدولة لتحقيق التنمية الشاملة بهدف الارتقاء بمحدودي الدخل وإقامة تجمعات عمرانيَّة جديدة توفر المسکن الصحى المناسب والبيئة الکريمة التي تتناسب مع الظروف الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة لکافة فئات المجتمع وينفذ على مدار خمسة أعوام فـى کافة أنحاء الجمهوريَّة، سواء داخل نطاق المحافظات أو فى نطاق مدن المجتمعات العمرانيَّة الجديدة، ووفقاً لبيانات وزارة الإسکان يتوقع أن تکون مصر خالية من العشوائيات فى عام 2026.