رئيس مجلس الادارة
عمــر أحمــد ســامي
رئيس التحرير
طــــه فرغــــلي
«صلة رحم».. وعناد الأقدار !
صورة أرشيفية
بقلم: محمد رمضان
«عناد الأقدار..» عناق الهواجس وسوءة المطامح والآمال تناولها بإعجاز مسلسل «صلة رحم» الذى يتحدى بطله “إياد نصار» أسوار المكتوب بحوار فصيح وبناء درامى بليغ للمؤلف محمد هشام عبيه، الذى حرص على ظهور جميع شخوص أبطال مسلسله بشكل متوازن مستعرضًا أحداثه بأسلوب سلس ينم عن كونه كاتبًا محترفًا يعدل بين أدوار أبطاله ويقدم لكل شخصية التاريخ الدرامى والبعد النفسى الخاص بها من خلال ما مرت به من ذكريات ومواقف، حيث أراد أن يجعل رغبة بطل مسلسله تمتطى جواد الزمن متحديًا موانع زوجته من الإنجاب بعد شعوره بعقدة الذنب فى كونه هو سبب إجهاضها. كما أن لمسات المخرج تامر نادى الفنية حرصت على أن يكون إيقاع أحداث المسلسل سريعًا وغير مملة.
مستعرضة عدم استسلام البطل لما لم يدركه من أحلام إحدى زينتى الحياة الدنيا “البنون» متناسيًا أنه لا ينبغى أن يسعى إليها بجهل البصائر فما المصائر إلا خطى كُتبت على الجباه قبل أن نكون نطفة فى الأرحام.!
راودت النجم إياد نصار ذكرياته مع حبيبته الدكتورة جيهان فدعته ذلة الهوى لتلك الحبيبة التى كانت فى حياته من قبل وتركته بسبب زواجها مستعيدًا معها مشاعر حبه لابنه عمر من زوجته الأجنبية التى هربت به فاضطر للذهاب للدكتورة ليلى الطبيبة النفسية لكى تؤهله نفسيًا من صدمة بعاد ابنه عنه فتزوجها لكى ينجب منها «آدم» عوضًا به عن فقدانه لابنه عمر.
لعب النجم إياد نصار دور البطل جريح الزمن بحرفية مطلقة، حيث تعلق بزوجته الدكتورة «ليلى” التى تعد ملاذه الأخير لكى يستعيد حلمه المنشود بإنجابه طفلاً يسترجع به رصيده من الحب مع ابنه الأول الذى لم يبق له منه سوى صورة يحتفظ بها على خلفية تليفونه المحمول!.
لم يعتمد إياد نصار على أدائه التمثيلى فحسب فى تقديمه لشخصية الدكتور حسام لكنه أراد أن يعكس كوامن النفس البشرية بما تضمره من دوافع نفسية.. جعلتنى ألمس طوال مشاهدتى لأحداث هذا المسلسل الذى يناقش مسألة تأجير الأرحام تلك القضية الشائكة مجتمعيًا والمرفوضة دينيًا مدى شعوره بالذنب من استدراج الدكتورة جيهان «حبه القديم» له التى أجادت تجسيدها الممثلة السورية ريام كفارنة لكى يزورها داخل منزلها على أضواء الشموع وكأنها زليخة يوسف تدعوه لكى تختلى به رغبة منها فى استعادة حبه الموءود إليها من جديد فتراوده مجازًا عن نفسه باحتسائه أكوابًا من الخمر معها فيقع فى براثن ذهاب عقله.. ثم تستدعيه زوجته “ليلى» الفنانة يسرا اللوزى لكى يصحو ضميره من الغفلة عندما أبلغته بأنها تنزف وأنها تخشى على حملها فيسارع إليها بخطى اللهفة والرهبة على ابنه الجنين ويصطحبها معه فى سيارته وهو مخمور لكى ينقلها إلى المستشفى، لكن شاءت الأقدار أن يصطدم بسيارة نصف نقل لتفقد زوجته وليدها المنتظر وبيت ولادتها «الرحم”..!
تتصارع داخل شخصية الدكتور حسام العديد من صدمات القهر والشعور المزمن بتأنيب الضمير لظنه بأن كل ما آلت إليه أموره البائسة ما هى إلا انتقام البارئ منه لكونه كاد أن ينغمس فى وحل المعصية مع زليخة قصة حبه «جيهان» المبعوثة للوجود من جديد!.
تمحورت صفات الدكتور حسام ما بين إحساسه بأنه السبب الرئيس فيما حدث لزوجته وبين ما أظهره من أنانيته لتحقيق حلمه بأى وسيلة لكى ينجب من زوجته من خلال زرع بويضاتها المخصبة منه فى رحم امرأة أخرى، رغم أن الجميع نصحه بالزواج من امرأة أخرى لكى ينجب، لكن حبه لزوجته منعه من أن يتزوج عليها ويجعلها تتجرع مرارة زواجه من أخرى.
أدار نصار الصراع النفسى داخل شخصية الدكتور حسام بحنكة المضطر فى أن يلجأ إلى طرق غير مشروعة لكى يعثر على امرأة يستأجر رحمها، مما جعله يتعامل مع العديد من النصابين إلى أن وجد ضالته فى سيدة كانت قد أجرت عملية إجهاض لدى زميله دكتور خالد فتحى طبيب أمراض النساء المشبوه الذى يجرى عمليات الإجهاض للفتيات المنحرفات والذى جسده باقتدار النجم الشاب محمد جمعه، حيث نجح فى أن يستحوذ على إعجاب الجميع بأدائه المتقن وثباته الانفعالى عندما تم القبض عليه متلبسًا داخل عيادته أثناء إجرائه لعملية إجهاض لفتاة ليل أرادت التوبة بعد أن تزوجت من رجل.. كانت قد باحت بجسدها وعرضها قبله لآخر فحملت منه..!
لكن يبدو أن الرياح لم تأتِ بما تشتهى به سفن الدكتور خالد “محمد جمعه» الذى شبه أفعاله إياد نصار بأنها أخطر من تجارة المخدرات، حيث اعترف الدكتور “خالد” بأنه أجرى أكثر من مائة عملية مماثلة دفاعًا عن ستر الفتيات وأنه كان يرفض إجراء هذه العملية الأخيرة تحديدًا لأنه يتشكك فى توبة “ريكو” صاحبتها فتاة الليل التى تعمل بأحد الكباريهات.. هذا المشهد أثبت للمشاهدين مدى تلقائية جمعه فى أدائه المتميز لدوره بالمسلسل، بل إنه استطاع أن يكسب تعاطف الجمهور معه لأن أداءه كان بمثابة درس يدرس فى المصداقية.
فى الوقت نفسه غلب على أداء النجمة يسرا اللوزى الحيرة فى رفضها لما فعله زوجها الدكتور حسام وما ارتكبه من جرائم تزوير لكى يهبه الله منها طفلًا وبين استمرارها فى زواجها منه إلا أنه نجح فى إقناعها بأنه تكبد كل هذه المخاطر من أجل أن ينجب منها.
حلم أكثر من كونه طفلًا ليؤكد لها مدى تمسكه بها لكن سرعان ما بعثر هذا الحلم على فراش الإجهاض بفقدان يسرا اللوزى لوليدها وريث حلم أبيه باستيقاظها من كابوس رأت فيه أن طفلها قد تحول داخل الحضانات إلى سراب بنزيف جائر أفقدها حلم الأمومة للأبد..!
كان لظهور النجمة الشابة أسماء أبواليزيد فى دور “حنان» التى استأجر منها البطل رحمها حضور متفرد فى كل مشاهدها بالمسلسل، حيث أظهر المؤلف مدى احتياجها للمال لكى تتخلص من قيد عصمتها فى يد زوج يعشق ظلها على الأرض لكنها كرهت العيش معه، لأنه تطاول عليها بالضرب والإهانات.!
كانت مفردات أداء أسماء أبواليزيد لدور «حنان” بمثابة حالة من توحدها مع هذه الشخصية التى تنحدر من واقع فقير جعلها ضحيته بالعمل فى أحد الكوافيرات وفريسة لزوجها “فرج” المتسلط الذى أداه بحدة الممثل الشاب محمد السويسى فأضفت على ظهوره بالمسلسل صفة الإجادة.
اقترب أداء أسماء الجذاب لشخصية «حنان «من الواقع، حيث استطاعت من خلال «لكنتها» فى نطق الكلمات أن تعكس مدى معاناتها من فاقة الجهل، لدرجة أنها سألت الدكتور حسام أثناء ملئها استمارة البيانات داخل أحد المراكز الطبية بعد انتحالها لشخصية الدكتورة “ليلى نبيل رستم» زوجته لكى تحمل بدلًا منها بالإنابة عن كيفية كتابة اسم «رستم» متسائلة “هو رستم بيتكتب بحرف السين واللا بالصاد..!»
استطاعت أسماء أبواليزيد أن تقدم لنا قسطًا من مخزونها الإبداعى بأسلوب يعكس مدى توظيفها الجيد لإمكانياتها كممثلة محترفة بملامح يغلب عليها أحيانًا السذاجة وأحيانًا أخرى تتصف بالحذر والحيطة مما انعكس ذلك فى مدى تأثرها فى آخر مشاهدها داخل غرفة العمليات بعد ولادتها «آدم» وتوديعها فى ذهول لأبيه الدكتور حسام الذى راح ضحية عراكه مع زوجها «فرج» الذى طعنه بمطواة فى جانبه الأيمن، إلا أنه تحامل على نفسه لكى يصل بها إلى المستشفى من أجل أن تلد له «آدم» الحلم الذى أفضى بحياته إلى الموت متناسيًا بأن الأقدار لا تغلب مهما أوتى من علم..!
هذا المسلسل فى رأيى أنه لم يدعُ لنشر تأجير الأرحام، بل إنه أراد أن يقول بشكل صريح إن إرادة الله فوق كل شيء، مؤكدًا صدق قوله تعالى «وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً” ومعبرًا عن مأثورة ابن عطاء السكندرى فى درره الجوهرية بأنه «فى المنع عطاء”..!
فلا ينبغى أن نركض خلف أحلام قد تهوى بنا إلى الهاوية والهلاك ومصير مجهول قد لا نجد وقتًا بعده للندم..!