رئيس مجلس الادارة
عمــر أحمــد ســامي
رئيس التحرير
طــــه فرغــــلي
القادم أخطر فى غزة الغاز والحدود والتهجير سيناريوهات تهدد الأمن القومى العربى
د . رفعت سيد أحمد
بقلم: د . رفعت سيد أحمد
تتوالى المشاهد الدامية فيما خلفته الحرب الدامية على غزة والتى بدأها جيش الاحتلال الإسرائيلى يوم 8 أكتوبر الماضى.. مشاهد من الدمار لم تسبق للبشرية أن شهدت مثيلا له منذ الحرب العالمية الثانية.. ولعل ماهو أخطر من تلك المشاهد هو المخططات الشيطانية الدولية لشكل وواقع (قطاع غزة فى اليوم التالى لإيقاف المذابح)، حيث يعد جيش الاحتلال سيناريوهات وتعد الإدارة الأمريكية مثلها ويقف الجميع، بما فى ذلك أهل غزة، يتفرجون ويشاهدون بلا تخطيط إستراتيجى بعيد المدى من أجل إفشال تلك المخططات.. والتى ستهدد ليس فحسب قطاع غزة، بل ستهدد فلسطين كقضية، فضلا عن الأمن القومى العربى كله.. ترى ماذا يعد الإسرائيلى والأمريكى (حيث هما فى هذه الحرب العدوانية) سواء؟ وما الذى ينتظر فلسطين والمنطقة؟ سنحاول هنا إلقاء بعض الضوء عن المخططات القادمة وآثارها الخطرة على الأمن القومى العربى وعلى مستقبل فلسطين وغزة.
أولا: قبل أيام رصدت «سى إن إن» بواسطة الأقمار الاصطناعية أن إسرائيل قد أنجزت الطرق العرضية باتجاه البحر والتى تقسم غزة شمالا وجنوبا فى منطقة وادى غزة وبعرض نحو 7 كيلومترات، و أكد المراقبون هذا الرصد وأن الخطوة التالية هى استخدام كميات كبيرة من الألغام والمواد الناسفة شديدة الانفجار (من صنع أمريكي) لنسف ما تبقى من بيوت وبنى تحتية فى مناطق عدة فى شمال غزة وحصريا فى منطقة بيت حانون التى يحدها شمالا معسكر ومعبر «إيريز». وشمل أيضا مدينة غزة وحصريًا فى ضواحيها الشرقية التى باتت جزءا من المنطقة العازلة التى تبنيها إسرائيل فى أراضى غزة، أما فى حى الزيتون، فيجرى فى ظل مفاوضات الهدنة غير المنتهية، إنجاز غاية فى الخطورة لتطبيق المشروع التجريبى القائم على السيطرة على توزيع المؤن، والذى تقف فى خلفيته البعيدة فكرة وأن من يسيطر على إطعام الناس يسيطر عليهم، ويترافق هذا المشروع مع طرد المنظمات الإنسانية الدولية من هذه المنطقة، وفى مقدمتها (الأونروا) على أن تلحق بها مناطق أخرى، وتقوم إسرائيل بالتعاون مع وكلاء فلسطينيين وفقا للخطة بتدريب مجموعات حراسة لهؤلاء، بينما فعليا تصبح ميليشيات قمع فلسطينية للفلسطينيين ويحضرون ليكونوا بنية لمنظومة فساد وارتباط مصلحي بالاحتلال. كما أن الطريق العريض من هذا المنطقة لغاية البحر يقسم المدينة ويحولها إلى مربعات سكنية معزولة، وهو كما يبدو يتلاقى والمشروع الأمريكى ببناء ميناء عائم «للمساعدات الإنسانية». وهو الميناء الذى سيكون مصدر خطر كبيرا على الأمنين الفلسطينى والعربى.. كيف؟.
ثانيا : المشروع الأمريكى بصدد الميناء العائم يأتى فى سياق حجة كاذبة اسمها إدخال «المساعدات الإنسانية»، والنية المعلنة فى إدخال مليونى وجبة طعام يوميا إلى غزة، ووفقا للمخطط ستقوم إسرائيل بحماية الميناء أى المسؤولية الأمنية بالشراكة مع الجيش الأمريكي، والحديث يجرى عن فحص المساعدات فى ميناء أسدود ولن يدخل الجيش الأمريكى إلى غزة. بل سيقتصر دوره فى البحر وفى التنقيب وأيضا على (الغاز) الفلسطينى هناك!
من اللافت أن الطريق العريض الذى يقوم الجيش الإسرائيلى بشقه من جنوب شرق غزة المدينة إلى البحر هو أيضًا يندرج فى هندسة طرق «المساعدات الإنسانية» لشمال القطاع، ويتماشى جغرافيًا مع ما طرحه وزير الخارجية الإسرائيلى يسرائيل كاتس أمام القادة الأوربيين بصدد جزيرة اصطناعية مقابل غزة يتم تهجير الفلسطينيين إليها من شمال القطاع.
ووفقاً لصحيفة عرب برس الصادرة فى «بيروت» كشف شليدند روجين أستاذ العلوم السياسية فى جامعة بون الألمانية أن الترويج الأمريكى والغربى عن التهيئة لإنشاء رصيف ومرفق مؤقت على ميناء مدينة غزة البحرى وتسيير السفن لنقل الغذاء إلى سكان غزة، هو خديعة كبرى وتضليل خطير جدا يستهدف الشعب الفلسطينى وتصفية قضيته العادلة.
وأوضح «روجين» أن الهدف الحقيقى لتسيير السفن إلى ميناء غزة بمبرر إغاثة أبناء غزة، هو تنفيذ خطة تهجير واسعة النطاق للفلسطينيين من قطاع غزة، وذلك من خلال توجيه عشرات السفن إلى ميناء غزة بحجة نقل الغذاء وإنقاذ الناس من المجاعة، ولكن الهدف الحقيقى هو نقل الفلسطينيين من غزة وتهجيرهم إلى دولتين بإفريقيا لتوطينهم هناك.
حيث ستقوم السفن التى ستنقل مواد بسيطة من الغذاء إلى غزة، بتشجيع وتحريض الفلسطينيين على الصعود إلى السفن للتخلص من حياة المعاناة المريبة والتى لها مثيل فى غزة، وتقوم هذه السفن بنقلهم وتوطينهم بدول أخرى (أو بجزيرة اصطناعية كما اقترحت إسرائيل)، مما يسهل على «إسرائيل» وأمريكا والغرب من إفراغ غزة من سكانها وتصفية القضية تماما..
ثالثا: ومن مخاطر هذا الميناء المزمع إنشاؤه أمريكيا أنه سيعطى فرصة كبيرة لإسرائيل كى تجتاح رفح (الآن ومستقبلا) وتهجر جزءا كبيرا من الفلسطينيين إلى شمال سيناء بمجرّد فتح الممر_البحري، وستكون إسرائيل قد أمنت آليّة بديلة عن معبر رفح لإدخال المساعدات الدوليّة إلى القطاع المُحاصر. وهذا ما يتيح لها بدء الهجوم على مدينة رفح وإقفال المعبر، من دون قطع الغذاء بشكل كامل عن جنوب ووسط القطاع..
وسيؤدّى استبدال معبر رفح بالميناء البحرى المؤقّت إلى قطع آخر وسيلة اتصال لا تمرّ بإسرائيل بين قطاع غزّة والعالم. وبحسب الآليّة التى يطرحها نتنياهو، سيكون بإمكان الإسرائيليين تفتيش السفن والمساعدات فى موانئ قبرص قبل شحنها إلى الميناء المؤقّت الذى سيسيطر عليه الإسرائيليون أيضًا.
وسيؤدى إلى (أسرلة) احتلال القطاع.. وتوقّعت صحيفة «هاآرتس الإسرائيلية» أنّه بغياب شريك فلسطينى مستعد لتولّى هذه المسؤوليّة، سيقوم الجيش الإسرائيلى بالإشراف على تفتيش المساعدات الواردة وتوزيعها من الميناء. وهذا ما سيشكّل إحدى أدوات تطبيع سيطرة الاحتلال على غزّة على المدى البعيد فى مرحلة «ما بعد حماس»، تمامًا كما يطالب نتنياهو منذ البداية، وإلى الإمساك بالإدارة المدنيّة فحين تمسك إسرائيل مباشرة وميدانيًا بمصدر الغذاء الوحيد، ستملك بيدها ورقة تحديد هويّة الإدارة المدنيّة فى القطاع فى المستقبل. كما ستحدد إسرائيل بنفسها الأطراف المحليّة التى ستصل إليها المساعدات والسلع المستوردة، فى كل منطقة داخل القطاع، والأخطر من كل ذلك أنها ستكون فرصة تاريخية بيد واشنطن وتل أبيب لسرقة (الغاز الفلسطينى)، الموجود بكميات هائلة تحت مياه البحر المتوسط قبالة غزة، ويعد هذا احتلالا جديدا للثروات العربيةـ وتهديدا للأمن القومى العربى، وخاصة بعد تنفيذ وشق قناة (بن جوريون) الممتدة من ميناء إيلات إلى ميناء غزة المزمع إنشاؤه فى تطوير كبير فى سياسات الاحتلال الإسرائيلى بغطاء أمريكى، وفى ضرب للممرات العربية التاريخية بين البحرين الأحمر والمتوسط!.
إذن نحن أمام تطورات دراماتيكية فى قصة الصراع بعد أن تسكت المدافع.. على الأمة العربية وقيادات الشعب والمقاومة فى فلسطين الانتباه لها.. لأنها إذا ما تم تجاهلها فستمثل خطرا مصيريا على فلسطين والمنطقة العربية كلها!.