رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


أمثال شعبية| (30 – 6)| القشة التي قصمت ظهر البعير

6-3-2025 | 11:27


تعبيرية

بيمن خليل

تُعدّ الثقافة الشعبية من المداخل الأساسية لدراسة الشعوب، حيث تعكس الجوانب النفسية والعاطفية في حياة المجتمعات، وتعتبر الأمثال الشعبية أحد أبرز عناصر هذه الثقافة، إذ تمثل حجر الزاوية لفهم الشعوب.

والمثل هو حكمة تتجسد في كلمات مسجوعة أو غير مسجوعة، تنطوي على رمز يحمل نقدًا أو علاجًا لأحد جوانب الحياة المتنوعة، والحكمة في جوهرها قديمة، هي نتاج الروح وثمار تجربتها، تتشكل من نعم الحياة وابتلاءاتها، نادرًا ما تخلو أمة أو قبيلة من قول الحكمة في أمثال تتداولها، وقد تتجاوز هذه الأمثال حدودها إلى أمم أخرى، إذ إن النفوس البشرية، رغم اختلاف درجات تطورها، تشترك في العديد من جوانب الحياة، وقد تتسم هذه الحكمة بالرقي، لتصبح جزءًا من ثقافة الأمة ومعرفتها العميقة، ويعكس ذلك مستوى تطور الأمة ونضوجها.

خلال أيام شهر رمضان المبارك، نعرض معًا مجموعة من الأمثال الشعبية المصرية التي تناولت موضوعات حياتية يومية متنوعة.

وحديثنا اليوم عن مثل: القشة التي قصمت ظهر البعير.

ويطلق هذا المثل على الشخص الذي يتعرض لضغوط كثيرة وأعباء ثقيلة حتى يتولد عندهم الانفجار.  

وكان الناس في العصر القديم يعتمدون في تجارتهم ونقل بضائعهم على البعير من النوق والجمال والحمير فكانت هي وسيلة النقل الوحيدة الموجودة في ذلك الوقت.

ويحكى أن أحد التجار كانت له تجارة كبيرة وواسعة وفي أحد المرات وأثناء سفره في إحدى رحلاته التجارية، قام بشراء العديد والعديد من التجارة فقد كانت أكبر صفقة تجارية له على مر حياته ولكنه لم يكن معه من البعير ما يتحمل هذه الكمية من المشتريات.

فأشار عليه أصدقائه التجار في الرحلة بأن يشتري بعير حتى يستطيع تحميل عليه هذه الزيادات أو يخفض من الحمولة لكنه كان قد نفد ماله، فتكبر أن يخبرهم بذلك فقال لهم أنه يعلم جيدًا كيف يقوم بتحميل هذه الحمولة الزائدة على البعير التي معه من النوق والجمال.

وبالفعل في صباح اليوم التالي جعل يرفع حمولته على البعير ويزيد فيها والناس من حوله ينظرون ويتعجبون لفعله وصنيعه وجعل يزيد فيها والبعير متماسك ومتزن حتى جاء بربطة صغيرة من القش ووضعها فوق حمولته من البضائع، فما كان من النوق إلا أن وقعت على الأرض ووقعت جميع حمولتها وذلك لعدم تحملها فوق طاقتها.

فصار الناس يتعجبون أن ربطة القش الضعيفة كانت هي السبب في وقوع البعير على الأرض وصاروا يرددون «القشة التي قصمت ظهر البعير» ولكنهم كانوا يعلمون جيدًا أن الذي قصم ظهر البعير هو عناد ذلك التاجر وتحميل البعير فوق طاقتها.

أما في مجال الحكمة، فقد كانت الأمة اليونانية من أبرز الأمم التي اشتهرت بها، حيث كانت ثقافتها غنية بالحكمة التي خلدتها عبر العصور، والحكمة هي وحي الروح، تجسد السكون الداخلي وتحررها من رغبات النفس وشهواتها، بل هي تعبير عن عدالة النفس وتقواها.

وفي الأمة العربية قبل الإسلام، كانت الحكمة تمثل إلهامًا نابعًا من الصحراء، يعكس الخيال البسيط والمتأمل تحت الكواكب في الليل وفي وهج الشمس خلال النهار. وكان هؤلاء البدو الرحل يعبرون عنها في شعر موزون واضح، وفي فقرات من النثر البليغ، الذي كان أحيانًا مسجوعًا وأحيانًا آخر مرسلًا.

ثم جاء الإسلام ليحمل الحكمة الكبرى، من خلال آيات بينات كان جبريل ينزل بها على النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ليعلم الناس قوانين دينهم ودنياهم. فارتفعت الأمة العربية وبلغت ذروة العز والرفاهية والعدل.

وتعددت شعراء الحكمة وكتّابها في الإسلام، وانتشرت أمثالها بين الناس، وأصبح هؤلاء الشعراء والكتاب خلودًا في الأدب العربي. حيث كان المتنبي وأبو العلاء المعري وغيرهم من شعراء الحكمة الذين تفوقوا على شعراء آخرين مثل بشار بن برد ومروان بن أبي حفصة. فالفريق الأول كان يعبّر عن الحكمة، بينما كان الفريق الثاني شعراء فحسب.

انتقلت الحكمة إلى شمال إفريقيا، حيث استقبلها العرب وغيرهم من الشعوب، وأخذوا يعبرون عنها في أمثال تحمل طابعًا مميزًا يعكس تنوع اللغات في هذه المنطقة.

وكانت مصر لها النصيب الأكبر في إثراء هذا التراث بالأمثال الشعبية التي تميزت بالبلاغة والعذوبة. وقد أصبحت الأمثال المصرية جزءًا محوريًا من الأدب الشعبي في الشرق، تتمتع بالحكمة تارة وبالفكاهة تارة أخرى. وتقبلها الشرق العربي بشغف وحب، ما يثير الإعجاب هو أن العديد من هذه الأمثال تتشابه بين مختلف البلدان الشرقية، رغم اختلاف اللهجات المحلية.