من مسئوليات الأسرة «الإعداد الديني».. فكيف يكون؟
ينشأ الإنسان في بيئة حاضنة له يتلقى فيها معارفه وتوجهاته، وقد بين الله تعالى للأبوين أن دورهما في ذلك مهم وخطير، وأن عليهما أن يَتَحَلَّيا بتحمل المسئولية والصبر على ذلك؛ فقد قال الله تعالى: ﴿يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا ﴾ [التحريم: ٦] ، يقول سيدنا عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب له في تفسير هذه الآية: "عَلِّمُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمُ الْخَيْرَ".
كما قال تعالى - مبينا أهمية تعليم العبادات- : ﴿وَأَمْرَ أَهْلَكَ بِالصَّلَوَة وَأَصْطَيْر عَلَيْهَا} [طه: ١٣٢]، أي: يجب على الرجل تعلم ما يجب من الفرائض وتعليمه لهؤلاء، وأدخل بعضهم الأولاد في الأنفس؛ لأن الولد بعض من أبيه.
ولذا نرى الأنبياء والصالحين في القرآن الكريم يُرشدون أبنائهم إلى ضرورة التأهيل العقدي، والبنيان الروحي من خلال الإرشاد والتوجيه فـي غـيـر عـنـف وشدة يقول الله تعالى: ﴿وَوَصَّى بِهَا إبْرَاهِمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَنبَنِي إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [البقرة : ۱۳۲]، ويقول عز وجل: ﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَنُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَبْنَى لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان: ١٣].
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك بنفسه؛ فقد قال لسيدنا ابن عباس وهـو غـلام يَا "غُلَامُ" قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ، تَعَرَّفْ إِلَى اللَّهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ، وَإِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، قَدْ مَضَى الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ، فَلَوْ جَهَدَ النَّاسُ أَنْ يَنْفَعُوكَ بِمَا لَمْ يَقْضِهِ اللَّهُ لَكَ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ، وَلَوْ جَهَدَ النَّاسَ أَنْ يَضُرُّوكَ بِمَا لَمْ يَكْتُبُهُ اللَّهُ عَلَيْكَ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَعْمَلَ بِالصَّبِرِ مَعَ الْيَقِينِ فَافْعَلْ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَاصْبِرْ، فَإِنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَىٰ مَا تَكْرَهُهُ خَيْرًا كَثِيرًا، وَاعْلَمْ أَنَّ مَعَ الصَّبْرِ النَّصْرَ ، وَاعْلَمْ أَنَّ مَعَ الْكَرْبِ الْفَرَجِ، وَاعْلَمْ أَنَّ مَعَ الْعُسْرِ الْيُسْرَ".
فهذه هي التربية الروحية للأطفال؛ إذ يبين له أساس العقيدة الصحيحة، ثـم يسمو بروحه حيث لا خوف إلا من الله، ولا عمل إلا لله.
وليس هذا في أمر الدين فقط، بل يسمو بروحه في سائر شئون الحياة، فأعلاها وأدنها سواء، ولو كان ذلك في حالة الطعام والشراب؛ فكثيرا ما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك؛ فقد قال عمر بن أبي سلمة: "كُنْتُ فِي حِجْرِ رَسُولِ اللهِ الله، وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ، فَقَالَ لِي: يَا غُلَامُ، سَمَّ اللهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ".
فنبه النبي صلى الله عليه وسلم الأبناء على الأعلى وهو أمر العقيدة، وعلى الأدنى وهو جانب العادات من الطعام والشراب.
وقد جاء الكتاب المقدس بما يقرر هذا المبدأ؛ فقد قال: "إِنْ كَانَ أَحَدٌ لَا يَعْتَنِي بِخَاصَّتِهِ، وَلَا سِيَّمَا أَهْلُ بَيْتِهِ، فَقَدْ أَنْكَرَ الْإِيمَانَ". (تي ـ ٨:٥).
كما قيل أيضًا: "ولتكن هذه الكلمات التي أنا أوصيك بهـا اليـوم عـلـى قلبـك، وقصها على أولادك، وتكلم بها حين تجلس في بيتك، وحين تمشي في الطريق، وحين تنام"، رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهـل تيموثاوس، الإصحاح الخامس، آية: ٨.
وفيه: «وَجِّهُوا قُلُوبَكُمْ إِلَىٰ جَمِيعِ الْكَلِمَاتِ الَّتِي أَنَا أَشْهَدُ عَلَيْكُمْ بِهَا الْيَوْمَ؛ لِكَيْ تُوصُوا بِهَا أَوْلادَكُمْ، لِيَحْرِصُوا أَنْ يَعْمَلُوا بِجَمِيعِ كَلِمَاتِ هَذِهِ التَّوْرَاةِ» (تث ٣٢: ٤٦).