رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


قصتان

26-2-2017 | 10:14


كرم صابر - كاتب مصري

الدنيا تمطر

   لماذا نحلم بالمطر، وهو ينزل على النافذة المفتوحة فيبللها، ويدخل النسيم البارد لأسرتنا، وترتعش شفاهنا لنتأكد من تساقطه فى الشارع؟ لماذا نحلم بسماع صوته، وهو يدق الأرض، والهواء، ليأخذ كل التراب، ويلقيه فى الأرض، وتغتسل السماء؟

    لماذا تصحو زوجتي من النوم كل يوم، وتجري إلى البلكونة، وتفتحها وهي محلولة الشعر، ولا تهتم لندائي: رايحة فين يا مريم؟ هتاخدي برد، فلا تلتفت إليّ، وتنطلق، وتحاول فتح الشيش، وتنهرني: "اسكت... اسكت... الدنيا بتمطر".

    ماذا يحوي المطر، ليجعلها تصحو كل يوم حالمة بنزوله؟

    تنزعج ابنتي الكبرى ذات العشرين عاما، وتناديها: "ماما.. يا ماما تعالي، وتخاطبها متعاطفة مع حلمها، هتمطر، بس تعالى"، لكنها تخرج، تناجي السماء، وتعاتبها، لأن المطر لم ينزل، وتعود حزينة إلى المطبخ؛ لتعد لنا الشاي والحليب والبيض، تجهز الفطور والملابس فى صمت.

    ما الذي يوجد بالمطر، كي يحزنها عدم نزوله؟

    كنت أخرج إلى البلكونة بعدها، أنظر لشبابيك الجيران، لأشاهد أم هويد التى تتجسس علينا، أو أعاين مرور أحد أقاربنا بالشارع، لأطمئن على أن أحدا لم يرها، فأحمد الله، وأعود إلى الحمام، أغتسل فى صمت.

    كانت زوجتي تفقد عقلها يوما بعد يوم، فبعد أن كبر أبناؤها الثلاثة وأصبحت لهم حياتهم المختلفة، وانشغلت أنا كل الوقت بعملي، خلا البيت عليها، وأصبحت لا تجد ما تفعله، سوى انتظارنا نحن والمطر.

***

وداع

أطلق الرصاصة الأخيرة ولا تجعلني أدخل هذه الحجرات، امنعنى بالقوة حتى لا أدمر المتبقى منى.. اقتلنى لو احتاج الأمر كى أظل حتى النهاية الصديق الحنون.

   لا تخش جرحى فأنا أحتاج لسيفك الغدّار ليطهرني.

  صدقنى سوف أموت سعيدا لأن بقايا إحساسى سترفرف من جديد وتنبت الزهور التى حلمنا بها معا.. لا يهم أن تستنشقها وحدك.. لا يهم أن تحرمنى منها.. فأنا أشتاق للون الورد كآخر مشهد بيننا.

  لا تأخذك رحمة حين استنجد بك أو تدمع عينى.. لا يهمك سردى لحواديت الماضى والطرق الكثيرة التى مشيناها معا.

  لا تلم نفسك حين تنسحب روحى بطيئة من جسدى وهى تودع حجرات البيت الواسع وثمار البطاطا والتوت.

   أطلق رصاصتك الأخيرة على العصافير واليمام الذى سيأتى يوم رحيلى ويغنى على جثتى، ارم سمومك عليه ليغادرني دون وداع.

   لا تخف بندقيتك عن أعين الجيران وأنا ملقى بدمى، هددهم جميعا بالقتل إن تفوه فمهم بكلمة ودودة.

   ليس من حقى ذكرى طيبة.. ولا نسمة هواء عليلة، ولا لمسة حنية من أحد، فأنت الذى أعطيت كل شيء.. احرمنى الحياة وأطلق رصاصتك الأخيرة وغادرنى.

   من أكون حتى أتنفس من غير إرادتك؟ أرجوك سامحني فأنا الوحيد الذى أعرف فضلك، فأنت المنزه فى علاك، أعطيتني الكثير ولم أذكر أبدا جميلك.

   أستحق القتل وتستحق النعيم، امش بعيدا عنى ولا تتذكر نكرانى، فأنا البطل المزيف وأنت الإله المكتمل، أرجوك أطلق رصاصتك الأخيرة وحررنى.