رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


أساطير عالمية| أسطورة جلجامش.. رحلة نحو جوهر الإنسان

24-4-2024 | 18:35


الملك جلجامش

إسلام علي

تعد الأساطير في الحضارة السومرية، من أقدم الأساطير في تاريخ البشرية، وتمتاز بتعدد الآلهة ودور كل منها في تنظيم مختلف جوانب الحياة والطبيعة، فقد كان لكل إله وظيفة محددة أو سيطرة على عنصر معين من عناصر الكون، بحيث يمثل كل إله نظاما أو قانونا يساهم في حفظ التوازن في العالم.

 أبدى السومريون اهتمامًا كبيرًا بالمدينة، وتجلى ذلك في مجموعة من الأساطير التي تتحدث عن آلهة المدن، إذ كان لكل مدينة إله خاص بها، حيث أن كل مدينة أو منطقة لديها قوانينها الخاصة التي يجب أن يتولى شؤونها إله معين.

تعد أسطورة "جلجامش" من الأساطير التي تعتمد على سرد حاكيتها في المدن العراقية القديمة، فكانت تقع أحداث هذه القصة في مدينة أوروك، التي تقع في جنوب العراق، فضلا عن وقوع باقي أحداثها خارج المدن.

تحكي هذه الأسطورة، الألواح الطينية التي كتبت بالخط المسماري، أسطورة الملك "جلجامش" الذي كان يجمع في طبيعته بين الإله والإنسان، فكان نصفه إلها، امتلك القوة الخارقة سواء في العلم أو الفهم، وتناول أمور لا يستطيع العوام من الشعب فهمها.

اتصف نصفه الآخر بالإنسان، الذي يعاني مثل غيره من الناس من المشاكل الخاصة بالموت والبحث عن الخلود، وهي المشاكل التي كانت منتشرة في ذلك الزمان. 

تبدأ الأسطورة بغضب الآلهة على جلجامش، رغم أنه امتلك صفة القوة، إلا أنه كان معروفا ببعض الظلم لشعبه، وبسبب ذلك، قررت الآلهة خلق شخص يدعى "أنكيدو".

كان "أنكيدو" مختلفا عن جلجامش من حيث طبيعته، إذ كان أقرب إلى الآلهة لغياب الطبيعة البشرية فيه، وفي البداية، نشبت صراعات كبيرة بينهما، لكن مع مرور الوقت، أصبحت العلاقة بين جلجامش وأنكيدوعلاقة صداقة قوية.

وبدأ الصديقان رحلة معا إلى غابة الأرز، حيث كانا يبحثان عن كنز روحي مفقود، وهو "الخلود".

يواجه كلاهما، صراعات مع حارس غابة الأرز الذي يدعي "خمبايا" والذي استطاعا قتله، وكنتيجة لذلك، أرسلت ألهه السماوات ثورا سماويا، نجح في قتل "أنكيدو". 

يترك "أنكيدو" فراغا كبيرا في حياة "جلجامش" الذي أصابه اليأس، وفي النهاية، ألتقى بشخصية تدعى " أوتنابيشتيم" وهي تشبه شخصية نوح، وذهب إليه "جلجامش" ليقينه أنه يمتلك سر الخلود، بسبب تواصله مع الألهه التي أعطه طريقة بناء السفينة للهروب من عقاب ألهه السماوات لقومه. 

قال " أوتنابيشتيم" ل "جلجامش" أن الخلود ليس من طبيعة البشر، ولكنه أعطاه نبته تعيد إليه الشباب مرة أخرى، ولكن سرعان ما تسرق هذه النبته حية، ليتأكد في النهاية أن الخلود ليس من نصيب البشر. 

تنتهي القصة بعودة جلجامش إلى أوروك وقبوله لفكرة أنه، كملك، يمكنه أن يترك إرثا يخلد من خلال أعماله وشهرته، بدلا من السعي إلى الخلود الجسدي.

بحث جلجامش عن المعنى..رحلة نحو جوهر الإنسان 

شعر الملك جلجامش بنقص روحي داخلي بالرغم من امتلاكه الثروة والسلطة والقوة، ألا أنه شعر بوجود شيء أكبر من ذلك يجب الحصول عليه، ألا وهو جوهر الإنسان، فبعد موت صديقه إنكيدو اكتشف أن الحياة ليست قائمة على الصداقات والتواصل، بل على السعي ناحية شيء أكبر.

يمكن اعتبار العلاقة بين جلجامش وإنكيدو محاولة لتحقيق توازن بين الجانب الفطري، الذي يمثله إنكيدو، والذي تجنب الظلم والفساد في حياته، وبين جلجامش، الذي يمثل الجانب البشري، كلاهما نجح في إيجاد التوازن وإكمال مسيرتهما معًا في سعيهما نحو الكمال الإنساني، لكن بعد موت إنكيدو، أصبح واضحًا أن هذا التوازن هشًا.

سعى جلجامش إلى مواصلة الكمال، فواجه تحديات بمفرده وعرف في نهاية القصة، أن الكمال الإنساني ليس في الخلود، بل في اكتساب الحكمة، التي تؤهله بناء أرث عظيم يدوم لأجيال.