في الذكري الـ 42 لتحرير سيناء .. مصر تبني سلامها واستقرار بصمود وإرادة شعبية قوية
يحتفل الشعب المصري في الخامس والعشرين من أبريل بعيد تحرير سيناء، لتأكيد النصر الذي حققه الجيش المصري في عام 1973 عندما نجح في طرد قوات الاحتلال الإسرائيلي من شبه جزيرة سيناء واستعاد سيادة البلاد عليها، كما أنه تم رفع العلم المصري فوق أرض سيناء كرمز لاستعادة السيادة والوحدة الوطنية.
وهذا الانتصار لم يكن إنجازًا عسكريًا فحسب، بل كان نتيجة للإرادة القوية والصمود الشعبي والدبلوماسي الذي أدى إلى استعادة الأراضي المصرية المحتلة بشكل كامل في عام 1982، والإنتهاء من الصراعات والتوترات بين مصر وإسرائيل، وأعادت مصر بناء السلام والاستقرار في المنطقة بشكل أكبر.
معارك استعادة سيناء
يظل يوم 25 أبريل شاهدًا على إرادة الشعب المصري وتضحياته في سبيل استعادة حقوقه وسيادته على أراضيه في شبة جزيرة سيناء، ويذَكر الجميع بأهمية العمل المشترك والتضامن في مواجهة التحديات وتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة.
بعد الهزيمة في حرب عام 1967، انطلقت مصر نحو مسار التحرير بسرعة، وبعد مرور أكثر من ست سنوات، اندلعت حرب أكتوبر، مشهدًا لمعارك عنيفة على الساحة العسكرية أدت إلى صدمة في صفوف المؤسسة العسكرية الإسرائيلية.
وبعدها بدأت المواجهات في سبتمبر 1968 واستمرت حتى السادس من أكتوبر 1973، حيث شنت مصر حرب العبور ضد إسرائيل، واستعادت سيادتها على قناة السويس وجزء من شبه جزيرة سيناء، مما أدي إلى عودة الملاحة في القناة في يونيو 1975، وإحداث تأثيرات مباشرة على الصعيدين العالمي والمحلي، حيث شهدت انقلابًا في المعايير العسكرية وتغيرًا في الاستراتيجيات العسكرية عالميًا، وأعادت الثقة للمقاتل المصري والعربي بقدراته وقيادته وعدالة قضيته.
كما جسدت حرب أكتوبر أروع صور الوحدة العربية، وشكلت تعاونًا قويًا بين دول المنطقة مع مصر، مما أعطى العرب وزنًا دوليًا وثقلًا سياسيًا، وتجاوزت حدود الصراع العسكري، حيث ساهمت في سقوط الأسطورة الإسرائيلية وفتحت الباب أمام الرئيس السادات لتوقيع اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل في سبتمبر 1978، بعد مبادرة تاريخية منه في نوفمبر 1977 وزيارته للقدس.
وبعد مروراليوم السادس عشر من بدء حرب أكتوبر، بدأت المرحلة الثانية لتحرير الأراضي من خلال المفاوضات السياسية بين مصر وإسرائيل، حين تم إصدار القرار رقم 338، الذي دعا إلى وقف جميع الأعمال العسكرية اعتبارًا من 22 أكتوبر 1973، بعد تدخل الولايات المتحدة والدول الأعضاء في مجلس الأمن، ووافقت مصر على القرار ونفذته، لكن خرقته إسرائيل مما استدعى إصدار قرار آخر يوم 23 أكتوبر يدعو إلى وقف إطلاق النار، وخضعت إسرائيل على هذا القرار.
وانتهت المعارك السابقة في 28 أكتوبر 1973 بعد وصول قوات الطوارئ الدولية إلى جبهة القتال في سيناء، كما أنه في مباحثات الكيلو 101 في أكتوبر ونوفمبر 1973، تم التوصل إلى اتفاق يهدف إلى تمهيد الطريق للمحادثات السياسية وتحقيق تسوية دائمة في الشرق الأوسط، وتضمن الاتفاق التزامًا بوقف إطلاق النار ووصول المساعدات اليومية إلى مدينة السويس ومراقبة الطريق من قبل قوات الطوارئ الدولية، وبدء عملية تبادل الأسرى والجرحى، واعتبر هذا الاتفاق خطوة هامة نحو تحقيق سلام دائم وعادل في المنطقة.
وفي يناير 1974، تم التوقيع على الاتفاق الأول لوقف الاشتباك بين مصر وإسرائيل، حيث تم تحديد الخط الذي ستنسحب إليه القوات الإسرائيلية على مسافة 30 كيلومترًا شرق قناة السويس، بالإضافة إلى خطوط منطقة الفصل التي سترابط فيها قوات الطوارئ الدولية.
وفي سبتمبر 1975، وقع الاتفاق الثاني، الذي شهد تقدمًا إضافيًا حيث تم استرداد مصر لحوالي 4500 كيلومتر مربع من أراضي سيناء، وكان من بين أهم بنود هذا الاتفاق التأكيد على أن النزاع في الشرق الأوسط لن يُحسم بالقوة العسكرية، بل من خلال الوسائل السلمية.
وفي نوفمبر 1977، قام الرئيس الراحل أنور السادات بزيارة تاريخية إلى القدس، وأعلن أمام مجلس الشعب استعداده للقاء القيادة الإسرائيلية، وبالفعل قام بزيارة إسرائيل وألقى كلمة أمام الكنيست الإسرائيلي، حيث طرح مبادرته التي أكدت عدم رغبته في التوقيع على أي اتفاق منفرد بين مصر وإسرائيل.
وأشار السادات إلى ضرورة حل قضية فلسطين بشكل عادل كجزء من أي تسوية سلام مستقبلية في المنطقة، مشددًا على أن السلام الدائم والعادل لن يتحقق دون إيجاد حل للقضية الفلسطينية بطريقة مقبولة للجميع.
مبادرة السادات في القدس
تمثلت المبادرة في خمسة أسس رئيسية لتحقيق السلام:
ـ إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية التي احتلتها في عام 1967.
ـ تحقيق الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني، بما في ذلك حقه في تقرير المصير وإقامة دولته.
ـ ضمان العيش في سلام داخل حدود كل دولة مع اتخاذ الإجراءات اللازمة لتحقيق الأمن المناسب للحدود الدولية، وذلك بالإضافة إلى توفير الضمانات الدولية المناسبة.
ـ الالتزام بإدارة العلاقات بين دول المنطقة وفقًا لأهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، مع التأكيد على عدم اللجوء إلى القوة وحل الخلافات بوسائل سلمية.
ـ إنهاء حالة الحرب في المنطقة وتأسيس سلام دائم يضمن الاستقرار والتعايش السلمي بين جميع الدول المعنية.
مؤتمر ثلاثي في كامب ديفيد
وفي 5 سبتمبر 1978، وافقت مصر وإسرائيل على دعوة الولايات المتحدة لعقد مؤتمر ثلاثي في كامب ديفيد، وبعد يوم واحد من المحادثات، توصلت الدولتان إلى اتفاق يوم 17 سبتمبر، وتم توقيع وثيقة كامب ديفيد في البيت الأبيض في 18 سبتمبر 1978.
يتضمن الاتفاق وثيقتين رئيسيتين:
الوثيقة الأولى: إطار السلام في الشرق الأوسط
أكدت على أن مواد ميثاق الأمم المتحدة والقوانين الدولية توفر الآن مستويات مقبولة للتعايش بين الدول، وضرورة التفاوض بين إسرائيل والدول المجاورة لتحقيق السلام والأمن، وفقًا لروح المادة 2 من ميثاق الأمم المتحدة، ويتمثل ذلك في تنفيذ قراري مجلس الأمن رقم 242 و 338.
الوثيقة الثانية: إطار الاتفاق لمعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل
وقعت مصر وإسرائيل في 26 مارس 1979 معاهدة السلام، مع تأكيد الالتزام بتحقيق سلام دائم وشامل في الشرق الأوسط، وفقًا لقراري مجلس الأمن 242 و 238، وفي 26 مارس 1979، وقعت مصر وإسرائيل معاهدة السلام، مع توافقهما على ضرورة إقامة سلام عادل وشامل في الشرق الأوسط، ونصت المعاهدة على إنهاء الحرب بين الجانبين وتطبيق السلام، مما أدى إلى انسحاب كامل للقوات المسلحة والمدنيين الإسرائيليين من سيناء إلى خارج الحدود الدولية بين مصر وفلسطين، واستعادة مصر للسيادة الكاملة على شبه جزيرة سيناء.
عودة سيناء
وبعد توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، انسحبت قوات إسرائيل وحتي أخر جندي من سيناء، وعادت السيادة المصرية على ترابها بالكامل.
وتم تحديد جدول زمني للانسحاب المرحلي لإسرائيل من سيناء كما يلي:
- في 26 مايو 1979: تم رفع العلم المصري على مدينة العريش وانسحاب إسرائيل من خط العريش / رأس محمد وبدء تنفيذ اتفاقية السلام.
- في 26 يوليو 1979: تمت المرحلة الثانية للانسحاب الإسرائيلي من سيناء، وشملت مساحة 6 آلاف كيلومتر مربع من أبوزنيبة حتى أبو خربة.
- في 19 نوفمبر 1979: تم تسليم وثيقة تولي محافظة جنوب سيناء سلطاتها من القوات المسلحة المصرية بعد أداء واجبها وتحرير الأرض وتحقيق السلام.
- في 19 نوفمبر 1979: تم الانسحاب الإسرائيلي من منطقة سانت كاترين ووادي الطور، واعتُبِرَ ذلك اليوم هو العيد القومي لمحافظة جنوب سيناء.
ـ في يوم 25 إبريل 1982: تم رفع العلم المصري على حدود مصر الشرقية في مدينة رفح بشمال سيناء وشرم الشيخ بجنوب سيناء، وذلك استكمالًا لانسحاب إسرائيل من سيناء بعد احتلال دام 15 عامًا، وأعلنت مصر هذا اليوم عيداً قومياً مصرياً في ذكرى تحرير كل شبر من سيناء، باستثناء الجزء الأخير الممثل في مشكلة طابا التي أثيرت في الأيام الأخيرة من انسحاب إسرائيل من سيناء.
عودة طابا
نشب صراع بين مصر وإسرائيل حول طابا، أثناء الانسحاب النهائي لإسرائيل من سيناء في عام 1982، حيث أعلنت مصر بوضوح أنها لن تتنازل أو تفرط في أرض طابا، وأن أي خلاف بين الحدود يجب أن يُحل وفقًا للمادة السابعة من معاهدة السلام المصرية ـ الإسرائيلية، وتنص هذه المادة على تحليل الخلافات بشأن تطبيق أو تفسير المعاهدة عن طريق المفاوضات، وإذا لم يتم التوصل إلى حل، فإنه يتم حل الخلاف بالتحكيم.
وفي 13 يناير 1986، أعلنت إسرائيل موافقتها على التحكيم، وبدأت المباحثات بين الطرفين، وانتهت هذه المباحثات بالتوصل إلى "مشاركة تحكيم" وقعت في 11 سبتمبر 1986، والتي حددت شروط التحكيم ودور المحكمة في تحديد مواقع النقاط وعلامات الحدود المشكلة.
وفي 30 سبتمبر 1988، أعلنت هيئة التحكيم الدولية في جلسة عقدت في برلمان جنيف حكمها في قضية طابا، وقررت بالإجماع أن طابا أرض مصرية، وفي 19 مارس 1989، تم رفع علم مصر على طابا المصرية، وهذا اليوم كان نداءً للسلام من فوق أرض طابا.