رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


الجمهورية الجديدة.. الجوانب الفكرية والثقافية

1-5-2024 | 15:48


حلمي النمنم,

تبدأ الدولة كما حدد الفيلسوف الألماني هيجل بالأرض والشعب.. أي الوطن.. المكان.. الجغرافيا والإنسان، لكن تبين أن هذا وحده ليس كافيا، بل لابد من وجود إرادة سياسية، تتمثل في نظام سياسي ومؤسسات قوية وقادرة على تنظيم حياة المجتمع والناس، وكي يتحقق ذلك لابد من إطار فكرى يحميها، وهكذا لابد للدولة من جوانب فكرية وثقافية، تعبر عنها وتحقق تماسكها، وقد لا تكون تلك الجوانب واضحة وملموسة للكثيرين، لأنها ناعمة وقد لا تكون مرئية بوضوح، لكن لابد من وجودها.

ونحن اليوم نعيش تجربة الجمهورية الجديدة سعى الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى تدشينها منذ الخضاب الأول وهو يتولى الرئاسة في يونيه سنة 2014، ومع أداء اليمين الرئاسية الجديدة، الشهر الماضي، في مقر مجلس النواب بالعاصمة الإدارية، وهكذا نحن أمام تدشين رسمي لتلك الجمهورية ومعالمها واضحة أمامنا.. تتمثل في الإصرار من اللحظة الأولى على حماية حدود البلاد وصيانتها، مع الالتزام التام بوحدة الأراضى، أي ليس مقبولا ما أراده فصيل من الإرهابيين من اقتطاع جزء من البلاد لإقامة ولاية داعش عليها، وقد حاولوا ذلك بالفعل في شمال سيناء وكما أراد البعض الآخر اقتطاع نفس الجزء من سيناء، لتهجير الأشقاء الفلسطينيين عليها وتصفية قطاع غزة، إنهاء القضية الفلسطينية، وهكذا كتب علينا أن نواجه الإرهابيين ونواجه أيضا دعاة الشر من دعاة الفوضى في الشرق الأوسط الجديد. الارهابيون واجهناهم بالسلاح، والآخرون بالعمل السياسى، ولعل الأداء السياسى المتميز والبديع الذى قامت به الدولة المصرية منذ يوم السابع من أكتوبر، خير دليل على حماية الحدود، إذ وجد البعض أن حرب غزة فرصة لعرض مشروع التهجير القسرى للفلسطينيين إلى سيناء.

حماية الحدود وصيانتها ليس كافيا، بل من الضروري معه وجود خطة تنمية مستدامة، تحقق الحياة الكريمة والجيدة لأكثر من مائة مليون مواطن مصري. ذلك أن الوطن هو وطن الجميع، وينبغى أن يكون كذلك فعليا، بتوفير الحياة الآمنة والعادلة للجميع. وأزمتنا هو أننا عشنا قرونا وقرونا حول الوادى والدلتا، نجح أجدادنا العظام في ترويض النهر لشق الترع والجسور، وتحملت الأجيال أمراض النيل من بلهارسيا وغيره، وأمكن لنا مواجهة ذلك، لكننا في ذلك أهملنا بقية المعمور المصرى، صحراء شاسعة وممتدة، كنا نعيش على  6%من مساحة مصر، وتركنا الباقى خاليا، إلا من بعض المواطنين البسطاء في الواحات، ولكن كان قرار الجمهورية الجديدة بالخروج إلى الصحراء، في تحد حقيقى، وهكذا تم إقامة عدة أنفاق إلى سيناء، ستة أنفاق مع مشروعات تنموية ضخمة، تسمح باستقبال ملايين المواطنين لبناء مجتمعات وحياة جديدة، والذهاب كذلك إلى الصحراء الغربية وتأسيس مدنا جديدة، رأينا جميعا مدينة العلمين الجديدة ومشروع الضبعة، لكن هناك عمل آخر واسع، يتمثل في إنشاء دلتا جديدة تضيف إلى المساحة المزروعة مليون ونصف مليون فدان، مع مشروع مكثف لتوطين الصناعات بهذه المناطق.

ولا يعنى الاتجاه نحو الصحراء إهمال الوادى وتجاهل الدلتا، فقد وجدنا مشروعا ضخما وهو "حياة كريمة: يهدف إلى الاهتمام بالقرى والمدن الإقليمية، ذلك أن الفترات الماضية شهدت اهتماما بالعاصمة وحدها، وتحولت المدن الأخرى والريف إلى أماكن طاردة لأهلها، نحو العاصمة، التي اكتظت بهم، وسرنا في اتجاه عكسي، بدلا من أن تمتد المدينة نحو كل المدن والقرى، إذا بالريف يزحف على العاصمة، وقد ازداد ذلك واتسع منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، مشروع حياة كريمة قرر العودة إلى الطريق الصحيح، بإعادة الروح إلى القرية المصرية وإلى المدن القديمة، بإزالة العشوائية منها، وحولها بالخدمات الحديثة؛ مع شبكة طرق ذكية وحديثة؛ تسهل على المواطنين الحركة والانتقال؛ امتد هذا المشروع إلى نحو 58 مليون مواطن ومواطنة في أنحاء مصر. لم يعد الصعيد مهمشا كما اعتدنا ولا عادت القرية متجاهلة ومنسية؛ باختصار لدينا مشروع لتحديث مصر؛ وليس تحديث العاصمة والإسكندرية فقط كما حدث منذ عهد محمد على؛ مطلع القرن قبل الماضى.

يتوازى مع ذلك الإصرار الذى يؤكد عليه الرئيس السيسى باستمرار وهو استكمال بناء الدولة المدنية الحديثة؛ وهنا ينفتح الباب على الجهد والجانب الثقافي والفكرى بمعناه المباشر؛ الدولة المدنية؛ هي دولة العدل بمعناه الواسع والحرية بأشمل معانيها؛ قد يتصور البعض أن العدل هو مجرد المساواة بين الغنى والفقير.. القوى والضعيف؛ لكن العدالة أوسع من ذلك بكثير وأشمل؛ وقد يتصور البعض أن الحرية تتلخص في السماح بقيام أحزاب معارضة وتحريك المظاهرات في الشوارع وترديد الهتافات؛ دون أن ينتبه إلى أن ذلك قد يكون باب الفوضى واختطاف الوطن من أصحاب الصوت الزاعق؛ الحرية هي عدم التمييز بين الرجل والمرأة.. عدم التمييز بين المواطنين على أساس العقيدة والديانة؛ ومن حسن الحظ أن الدستور ينص على عدم التمييز؛ وقد اتخذت الدولة خطوات واسعة في هذا المجال؛ بدءا من تمكين الشباب وتمكين النساء؛ ثم إصدار قانون حرية بناء دور العبادة سنة 2016؛ الذى أنهى عقود من الاحتدام الطائفى، الذى أوشك أن يتحول إلى انفجار في بعض اللحظات التاريخية الفارقة.

العام الماضى أجريت الانتخابات الرئاسية بين أربعة متنافسين، وقد اتيحت المنافسة بحرية أمام الجميع؛ وبعد إعلان النتيجة استقبل الرئيس كل المنافسين؛ وتجدد اللقاء على مائدة الأسرة المصرية في الأسبوع الأخير من رمضان الكريم.

ولكى تتحقق الدولة المدنية بجوانبها الفكرية؛ الحرية والعدل وعدم التمييز.. توسعت الدولة في المنشآت الثقافية؛ تحقيقا لقاعدة العدالة الثقافية؛ مؤسسات الثقافة تمتد من حلايب وشلاثين حتى مطروح والوادى الجديد؛ فضلا عن شمال وجنوب سيناء؛ اكثر من 600 قصر وبيت ثقافى يغطون البلاد بنشاط يومى؛ ربما لا تصل أخباره إلى العاصمة؛ لكن أبناء كل منطقة يلمسونه ويشاركون به؛ فضلا عن التوسع في بناء المكتبات العامة.

وفى العاصمة الإدارية هناك مدينة كاملة للفنون والثقافة؛ تضم عدة مسارح وقاعات احتفالات ومكتبات عامة سوف يكون بها أحدث الإصدارات بمختلف اللغات.

وهناك اتجاه يتزايد للتوسع في إنشاء فروع أكاديمية الفنون بمختلف المحافظات.

هذه الأنشطة نتج عنها التوسع في القراءة؛ وازدياد معدلاتها بين المواطنين؛ وتبددت النظرة الاستشراقية القديمة التي تقول إن المصريين والعرب لا يقرؤن؛ وأنهم الأقل قراءة حول العالم؛ قياسا بغيرهم من المواطنين في أوروبا والولايات المتحدة؛ ثبت الآن أن كل تلك كانت ادعاءات فارغة؛ ارتفعت معدلات القراءة ومعدلات إصدار الكتب بمصر في مختلف جوانب العلم والمعرفة والأدب.

والنشاط الثقافي الفكرى ليس فكرا على أنشطة وزارة الثقافة؛ ذلك أن لدينا حوالى مائة جامعة؛ وكل جامعة هي في النهاية مؤسسة ثقافية وفكرية إلى جوار أنها مؤسسة تعليمية وأكاديمية؛ خاصة الكليات النظرية أو التي تتناول العلوم الإنسانية؛ من أدب وفلسفة وقانون وعلوم سياسية؛ فضلا عن أنشطتها الفنية؛ لذا كانت الصلات قوية بين المؤسسات الثقافية والجامعة منذ أيام لطفي السيد ود. طه حسين وأحمد أمين وسليم حسن.

الجوانب الفكرية والثقافية في الجمهورية الجديدة عديدة ومتسلمة؛ وهى قابلة لمزيد من الاتساع والتعمق.