البطريرك.. بابا الوطنية والمواقف الخالدة
في ظل فترة صعبة مليئة بالتحديات، وفي لحظة حاسمة من تاريخ مصر المعاصر، تسلم البابا تواضروس الثاني كرسي الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ليصبح البابا الـ118 في سلسلة البطاركة الطويلة لهذه الكنيسة العريقة، بشخصيته القيادية الحكيمة التي عانقت الوطن بمحبة ورسخت في جذوره السلام.
لقد كان اختياره بتدبير إلهي ليقود الكنيسة بحكمته وثقافته وروحانيته، موجهًا دفة السفينة المصرية نحو بر الأمان برؤية الراعي الحكيم وقيادة القائد الحازم، واضعًا بصمته الواضحة في رسم طريق السلام الذي شهدته بلادنا في تلك الأوقات العصيبة المليئة بالتحولات الجذرية والأحداث الاستثنائية منذ ثورة 30 يونيو 2013.
الميلاد والرهبنة ولد البابا تواضروس الثاني في الرابع من نوفمبر عام 1952م باسم وجيه صبحي باقي سليمان، وهو اسمه قبل الرهبنة، ولم يكن من قبيل الصدفة أن يشهد يوم 4 نوفمبر أهم حدثين في حياة قداسته، أولهما ميلاده في العام 1952م بمحافظة البحيرة، وثانيهما تنصيبه بطريركًا للأقباط الأرثوذكس في عام 2012م. حقق البابا تواضروس حلمه في مجال التعليم، حيث حصل على بكالوريوس الصيدلة من جامعة الإسكندرية عام 1975م، بتقدير جيد جدًا مع مرتبة الشرف، فمنذ صغره كان يحلم بأن يصبح صيدليًا؛ لأنه كما عبر في إحدى تصريحاته: "الصيدلي هو الشخص الذي يريح الناس".
ظل اشتياقه للرهبنة يزيد في قلبه يومًا بعد يوم منذ صغره، فقدم استقالته من وظيفته التي كان يشغلها، وقُبلت بعد أن قضى في العمل الحكومي كما ورد في خطاب الاستقالة: "عشر سنوات وعشرة أشهر وعشرة أيام"، وترهّب يوم الأحد 31 يوليو 1988م، باسم الراهب "ثيؤدور".
قرر البابا شنودة الثالث ترسيمه أسقفًا عامًا على إيبارشية البحيرة باسم "الأنبا تواضروس"، في 15 يونيو 1997م، بعد خدمة طويلة في الرهبنة والدراسة، حيث اختير للسفر كراهب إلى الخارج ثلاث مرات:
منها مرتان عام 1990م و1993م إلى قبرص لحضور لقاءات مسكونية في مجلس كنائس الشرق الأوسط حول "الكنيسة والتنمية"، والمرة الثالثة عام 1995م عندما سافر إلى ليبيا لمساعدة الآباء المشاركين في الخدمة بطرابلس وبنغازي. مواقفه الوطنية ومقولاته الخالدة بعد صوم الشعب المسيحي صومًا كبيرًا من الدرجة الأولى لمدة ثلاثة أيام هي الأربعاء والخميس والجمعة، الموافق 31 أكتوبر و1، 2 نوفمبر 2012م، وفي يوم الأحد 4 نوفمبر 2012م، تم اختيار قداسته بطريركًا عن طريق قداس القرعة الهيكلية، ليصبح بابا الإسكندرية وبطريركًا للكرازة المرقسية، من ضمن الثلاثة أسماء المرشحين، وسُيِّم بطريركًا باسم "الأنبا تواضروس الثاني".
عُرف البابا تواضروس بوطنيته الشديدة وحبه لأبناء الشعب المصري جميعًا، ومن أبرز مواقفه أنه كان شريكًا في المشهد العام في 3 يوليو 2013م لعزل جماعة الإخوان المسلمين من حكم مصر، وعندما بدأت الجماعات المتطرفة بحرق الكنائس قبيل فض اعتصامي رابعة والنهضة، خرج وأطلق مقولته الخالدة الشهيرة "وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن".
في نوفمبر 2017م، إثر وقوع الحادث الإرهابي الأليم بمسجد الروضة في العريش، أصدر قداسة البابا تواضروس الثاني قرارًا بدق أجراس جميع كنائس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، تعبيرًا عن تضامنها مع الإخوة في الوطن، ومشاركتها لهم أحزانهم. وللبابا تواضروس العديد من المقولات الرائعة التي عبر من خلالها عن حبه الشديد لتراب هذا الوطن، ونذكر منها: "إذا كان العالم كله محفوظًا في يد الله، فمصر محفوظة في قلب الله".