رحلة العائلة المقدسة في مصر.. تاريخ وأديرة وكنائس أثرية من شمال مصر إلى جنوبها
مصر هي مهد الأديان، وبلاد الحضارات وهي التي احتضنت رحلة العائلة المقدسة لثلاث سنوات، والتي تضمنت 25 نقطة مرت بهم بمسار رحلتها في مصر، وبسببها كثرت في مصر على امتدادها من الشمال إلى الأديرة الكنائس الأثرية، والمغائر الدينية والأديرة خاصة، والآبار والأشجار المقدسة في الأماكن التي زارتها العائلة المقدسة تمتد على طول البلاد الواقعة على مسار الرحلة ويضاف لذلك الأيقونات الأثرية، والمخطوطات والقطع الفنية، والأديرة والكنائس الأثرية القديمة
وفي السطور التالية .. نسرد أبرز النقاط والآثار نتاج مسار رحلة العائلة المقدسة في مصر حتى خروجهم إلى فلسطين مرة أخرى
نشرت جامعة كولون بألمانيا بردية أثرية ترجع إلى القرن الرابع الميلادي تتحدث عن فترة وجود السيد المسيح والعائلة المقدسة في مصر؛ مؤكدة أنها استمرت ثلاث سنوات وأحد عشر شهرًا، وكُتبت البردية باللهجة القبطية، وتؤكد أحد المصادر المهمة أن البردية تؤكد أن البركة قد حلت بمصر وأن شهر بشنس هو أكثر شهور السنة بركة؛ ولذا تحتفل الكنيسة القبطية في اليوم الرابع والعشرين منه والذي يوافق 1 يونيو من كل عام بذكري دخول العائلة المقدسة إلى مصر.
بداية الرحلة .. ومحمية الزرانيق
سارت العائلة المقدسة، ببداية رحلتها من بيت لحم إلى غزة حتى محمية الزرانيق (الفلوسيات) غرب العريش بـ 37 كم، ودخلت مصر عن طريق صحراء سيناء من الناحية الشمالية من جهه الفرما (بلوزيوم) الواقعة بين مدينتي العريش وبورسعيد.
وتقع محمية الزرانيق الطبيعية في الجزء الشرقي من بحيرة البردويل على مسافة حوالي 25 كم غرب مدينة العريش بمحافظة شمال سيناء وتغطي حوالي 250كم مربع، ويحدها شمالا ساحل البحر المتوسط وجنوبا طريق العريش القنطرة ومن الشرق مناطق التنمية السياحية الممتدة من العريش غربا، وغربا بحيرة البردويل.
وتعد المحمية، وسبخة البردويل بشمال سيناء هي أحد المفاتيح الرئيسية لهجرة الطيور في العالم حيث تمثّل المنطقة محطة مهمة جدا للتزود بالغذاء والراحة للطيور المهاجرة من أوروبا وآسيا في طريقها إلى أفريقيا سعيا وراء مصادر الغذاء وهربا من صقيع الشتاء
تل بسطا والآلهة باستت
ودخلت العائلة المقدسة مدينة تل بسطا (بسطة) بالقرب من مدينة الزقازيق بمحافظة الشرقية وتبعد عن مدينة القاهرة بحوالى 100 كم من الشمال الشرقي، وكانت معروفة في الحضارة المصرية القديمة كمركزعبادة للإلهة القط باستت، و المستودع الرئيسي في مصر لمومياوات القطط، والتي تسمى أحيانًا بوباستيس على اسم المدينة، والتي حددها الإغريق مع أرتميس.
و كانت القطة هي حيوان الباست المقدس والغريب، والذي يتم تمثيله برأس قطة وغالبًا ما يصاحب الإله بتاح في النقوش الأثرية، وبناءً على ذلك، كانت المقابر في بوباستيس هي المستودع الرئيسي لمومياوات القط في مصر.
كانت أبرز معالم المدينة بوباستيس هي أوراكل باست، والمعبد الرائع لتلك الإلهة والموكب السنوي على شرفها،اكتسبت أوراكل شعبية وأهمية بعد تدفق المستوطنين اليونانيين إلى الدلتا، حيث جذب التعرف على باست مع أرتميس إلى ضريحها كل من المصريين الأصليين والأجانب، وكان يقام مهرجان بوباستيس الأكثر بهجة على الإطلاق في التقويم المصري كما وصفه هيرودوت.
نبع ماء مسطرد
غادرت العائلة المقدسة مدينه تل بسطا واتجهت نحو الجنوب حتى وصلت بلدة مسطرد - المحمة وتبعد عن القاهرة بحوالي 10 كم تقريبًا، والمحمة هنا معناها مكان الاستحمام وسميت بذلك حيث يذكر أن السيدة العذراء مريم أحمت هناك السيد المسيح وغسلت ملابسه وفى عودة العائلة المقدسة مرت أيضًا على مسطرد، وانبع المسيح، نبع ماء لا يزال موجودًا إلى اليوم.
شجرة العذراء مريم
ومن مسطرد انتقلت شمالاً إلى بلبيس (فيلبس) مركز بلبيس بمحافظة الشرقية وتبعد عن مدينة القاهرة حوالي 55 كم تقريبًا، واستظلت العائلة المقدسة عند شجرة عرفت باسم شجرة العذراء مريم ومرت العائلة المقدسة على بلبيس ايضًا في رجوعها ، وهناك أسست كنيسة السيدة العذراء
حجر الجرانيت
ومن بلبيس رحلت العائلة شمالاً بغرب إلى بلدة منية سمنود - منية جناح مــن منيـة سمنود عبـرت العــائلة المقـدسـة نهـر النيــل إلى مـدينة سمنـود (جمنوتى= ذبة نثر) داخـل الدلتا ويوجد بها ماجور كبير من حجر الجرانيت ومن مدينة سمنود رحلت العـائلة المقدسة شمالا بغــرب إلى منطقة البرلس حتى وصلت مدينة (سخا - خـاست - بيخـا إيسوس) وهي حاليًا في محافظة كفــر الشيخ.
ويذكر أن هذا الحجر أخفي الجرانيت زمنًا طويلاً خوفًا من سرقته في بعض العصور واكتشف هذا الحجر ثانية من حوالى 13 عاما فقط.
أديرة وادي النطرون
و تحركت العائلة المقدسة جنوبًا إلى وادى النطرون (الأسقيط) هو مكون سياحي متكامل مهم، حيث يضم أهم وأكبر 4 أديرة على المستوى المحلي والعالمي، والمدينة تمثل إحدى النقاط المهمة والتاريخية بمسار الرحلة في مصر، فالوادي به أديرة الأنبا بيشوي، والسريان، والبراموس، والأنبا مقار إضافة إلى بحيرة نبع الحمراء، والتي تمثل التراث غير المادي.
دير الأنبار مقار يوجد على حافة منخفض وادي النطرون، ويُنسب إلى الأنبا مقار، وهو تلميذ للأنبا أنطونيوس مؤسس الرهبانية المسيحية، وتبلغ مساحة الدير الإجمالية حوالي 11.34 كم2، ويضم الدير سبع كنائس؛ وملحق بالدير مكتبة تضم مخطوطات وكتب نادرة، ويعتبر هذا الدير من أهم أديرة وادي النطرون، حيث تُرجِمت فيه الكتب المقدسة من اليونانية إلى القبطية ومن القبطية إلى الحبشية.
أما دير السريان فهو أصغر أديرة وادي النطرون حاليًا لكنه أكثرها شهرة بين رجال الدين والأدب في معظم بلاد العالم، وترجع تسميته إلى جماعة من الرهبان السريان، استوطنوه عام 984م، وترجع بداية الدير إلى القرن الرابع الميلادي،ويضم مجموعة من الأبنية الأثرية، تضم حصن وثلاث كنائس كبرى الأولى والثانية بالمغارة باسم السيدة العذراء والثالثة باسم الملاك ميخائيل، ومجموعة من القلالي لسكن الرهبان وشجرة مار آفرام السرياني.
ويقع دير الأنبا بيشوي إلى جوار دير السريان، و يبعد حوالي 10 كم عن دير أبو مقار، وينسب إلى القديس "الأنبا بيشوي" كان تلميذا للقديس مكاريوس أحد زعماء النسك في الوادي، ويرجع إنشاء الدير إلى أواخر القرن الرابع الميلادي، وأعيد بناؤه حوالي عام 840م، ويضم مجموعة من الأبنية تضم خمسة كنائس منها كنيسة الأنبا بيشوي وكنسية البابا بنيامين الثاني، وكنيسة الشهيد أبسخيرون والمعمودية، وكنيسة مارجرجس.
تصوير البشارة والميلاد ودخول أورشليم
ويقع دير البراموس في الطرف الشمالي الغربي من وادي النطرون على مساحة 14 كم إلى الغرب من الطريق الصحراوي /القاهرة - الإسكندرية، ويرجع تاريخه إلى القرن الرابع الميلادي، وسمي باسم دير السيدة العذراء "برموس" نسبة إلى الكنيسة الأثرية التي يرجع تاريخ بنائها إلى زمن القديس مكاريوس، حيث تكونت أول مجموعة رهبانية في منطقة وادي النطرون.
ويضم الدير عدة معالم منها الكنيسة الأثرية وسميت على اسم السيدة العذراء، أقدم الكنائس بوادي النطرون وتتبع التخطيط البازيليكي الذي يتكون من ثلاث أقسام هم الصحن والخورس والهياكل التي تتضمن عناصر معمارية وفنية متنوعة كالإنبل وحوض اللقان
ويزين حوائط الصحن مجموعة من الرسومات الجدارية أهمها تصوير البشارة والميلاد ودخول أورشليم وأهم أحداث حياة السيد المسيح، وتضم مائدة وحصن ومكتبة ثمينة تحتوي على مجموعة كبيرة من المخطوطات والكتب بلغات قديمة مختلفة، ويشتمل الدير على رفات القديسين مكسيموس ودماديوس، ورفات اثنين من مشاهير الرهبان الأوائل هما الأنبا موسى الأسود والقس إيسوذوروس.
من وادى النطرون إلى المطرية وعين شمس
ومن وادى النطرون ارتحلت العائلة المقدسة جنوبًا ناحية مدينة القاهرة وعبرت نهر النيل إلى الناحية الشرقية متجهه ناحية المطرية وعين شمس، ومنطقة المطرية تقع بالقرب من عين شمس (هليوبوليس - اون) وتبعد عن مدينة القاهرة بحوالي 10 كم وفى هذا الزمان كانت عين شمس يسكنها عدد كبير من اليهود وكان لهم معبد يسمى بمعبد أونياس.
شجرة مريم
وفى المطرية، استظلت العائلة المقدسة تحت شجرة تعرف إلى اليوم بشجرة مريم، ويوجد عين للماء ونبت في تلك البقعة نبات عطري ذو رائحة جميلة هو المعروف بنبات البلسم او البلسان يضيفونه إلى أنواع العطور والأطياب التي يصنع منها الميرون المقدس.
ومن المطرية وعين شمس سارت العائلة المقدسة متجهه نحو مصر القديمة وبقيت العائلة المقدسة لفترة بالزيتون وهى في طريقها إلى مصر القديمة.
كنيسة السيدة العذراء إلى مصر القديمة
ومرت العائلة في طريقها من الزيتون إلى مصر القديمة على المنطقة التي يوجد بها حاليًا كنيسة السيدة العذراء الأثرية بحارة زويلة وكذلك على العزباوية بشارع كلوت بك، ثم وصلت العائلة المقدسة إلى مصر القديمة والتي تعد من أهم النقاط والمحطات في الرحلة بمصر ويوجد بها العديد من الكنائس والاديرة، حيث منطقة الفسطاط وكنيسه القديس سرجيوس (أبو سرجه) بها الكهف (المغارة) التي لجأت إليه العائلة المقدسة وتعد من أهم معالم الرحلة، وارتحلت العائلة من منطقة مصر القديمة إلى ناحية الجنوب حيث وصلت إلى منطقة المعادي إحدى ضواحي منف - عاصمة مصر القديمة.
سبب تسمية المعادي
وانتقلت العائلة في مركب شراعي في النيل نحو الصعيد من البقعة المقام عليها الآن كنيسة السيدة العذراء المعروفة بالعدوية لأن منها عبرت (عدت) العائلة المقدسة إلى النيل إلى الصعيد و جاء اسم المعادي منها ولايزال السلم الحجري الذى نزلت عليه العائلة المقدسة إلى ضفة النيل موجودًا وله مزار يفتح من فناء الكنيسة.
ووصلت العائلة المقدسة إلى قرية دير الجرنوس (أرجانوس) على مسافة 10 كم غرب أشنين النصارى بمركز مغاغة، وبجوار الحائط الغربي لكنيسة السيدة العذراء توجد بئر عميق، ومرت العائلةعلى بقعة تسمى إباى ايسوس شرقى البهسنا قرية صندفا (بنى مزار) حاليا، وقرية البهنسا الحالية تقع على مسافة 17 كم غرب بنى مزار.
دير السيدة العذراء ..جبل الطير شجرة العابد
ورحلت العائلة المقدسة من البهنسا نحو الجنوب حتى بلدة سمالوط ومنها عبرت العائلة النيل ناحية الشرق حيث يقع الآن دير السيدة العذراء بجبل الطير (أكورس) شرق سمالوط ويقع هذا الدير جنوب معدية بنى خالد بحوالي 2 كم حيث استقرت العائلة بالمغارة الموجودة بالكنيسة الأثرية.
ويعرف بجبل الطير لأن الوفًا من طير البوقيرس تجتمع فيه، ويسمى أيضًا بجبل الكف، وفى الطريق مرت العائلة على شجرة لبخ عالية (شجرة غار) على مسافة 2 كم جنوب جبل الطير بجوار الطريق المجاور للنيل، والجبل الواصل من جبل الطير إلى نزلة عبيد إلى كوبرى المنيا الجديد وتجد أن جميع فروعها هابطة باتجاه الارض ثم صاعدة ثانيه بالأوراق الخضراء ويطلق عليها شجرة العابد.
و من منطقة جبل الطير وعبرت النيل من الناحية الشرقية إلى الناحية الغربية واتجهت نحو الأشمونيين (أشمون الثانية)، ثم ارتحلت العائلة المقدسة واتجهت جنوبًا حوالى 20 كم ناحية ديروط الشريف فيليس،وغادرت من ديروط الشريف إلى قرية قسقام (قوست قوصيا) وترتحل العائلة المقدسة من قرية قسقام ولتتجه نحو بلدة مير ميره تقع على بعد 7 كم غرب القوصية .
دير المحرق «بيت لحم الثاني»
ومن مير سافرت العائلة المقدسة إلى جبل قسقام حيث يوجد الآن دير المحرق وتلك النقطة من أهم المحطات التي استقرت فيها العائلة المقدسة حتى سمى المكان «بيت لحم الثاني»، ويقع هذا الدير في سفح الجبل الغربي المعروف بجبل قسقام نسبة إلى المدينة التي خربت ويبعد نحو 12 كم غرب بلدة القوصية بمحافظة أسيوط على بعد 327 كم جنوبي القاهرة.
ومكثت العائلة المقدسة بعض الأشهر فى المغارة التي أصبحت فيما بعد هيكلاً لكنيسة السيدة العذراء الأثرية في الجهة الغربية من الدير ومذبح هذه الكنيسة حجر كبير.
جبل درنكة .. والعودة إلى فلسطين
وفى طريق العودة سلكت العائلة المقدسة طريقًا آخر انحرف بهم إلى الجنوب قليلا حتى جبل أسيوط المعروف بجبل درنكة وبنى دير باسم السيدة العذراء يقع على مسافة 8 كم جنوب غرب أسيوط.
ويذكر أن العائلة المقدسة وصلوا إلى مصر القديمة ثم المطرية ثم المحمة ومنها إلى سيناء ثم فلسطين في قرية الناصرة بالجليل، و بهذا كانت نهاية رحلة العائلة المقدسة في مصر التي استمرت أكثر من ثلاث سنوات ذهابًا وإيابًا قطعوا فيها مسافة نحو أكثر من 2000 كم، ووسيلة مواصلاتهم الوحيدة ركوبة ضعيفة هي الحمار، إضافة إلى السفن البدائية في نهر النيل وقطعوا معظم الطريق سيرًاعلى الأقدام متحملين عناء برد الشتاء وحر الصيف، والعطش والجوع، وتعقب آثارهم من حاكم ظالم في كل مكان فكانت رحلة شاقة تحملها السيد المسيح طفلا مع أمه السيدة مريم العذراء والقديس يوسف.