جمعت المسيرة الإبداعية للروائي الهولندي ياب روبن التي انطلقت في العام 2004 بين الكتابة الشعرية والمسرحية والروائية إضافة للترجمة، وحازت العديد من أعماله المسرحية على جوائز مهمة، وتحوّلت جل رواياته إلى أفلام، وقد رشحت روايته المترجمة إلى العربية "نصف أخ.. نصف ديناصور" للقائمة الطويلة لجائزة البوكر الدولية 2021، وجائزة "ليبريس" الأدبية في 2019، وجائزة أفضل كتاب للشباب الهولندية في 2019، وترجمت إلى 15 لغة، بعد أن نشرت للمرة الأولى في 2018 تحت عنوان "معقل الصيف".
تدور "نصف أخ.. نصف ديناصور" الصادرة عن دار العربي حول قصة أحد أطفال ذوي القدرات الخاصة البالغ ستة عشر عامًا، ويُدعى لوسيان، ينفصل أبواه، فتتزوج والدته وتتركه، ثم يقرر الأب هو الأخر التخلي عنه، ويضطر الشقيق الأصغر بريان ابن الثالثة عشرة عامًا قبول التحدي في تحمل المسؤولية تجاه شقيقه الأكبر، من هنا ترصد الرواية المعاناة والصعوبات في لغة التواصل بين الشقيقين.
وحول الدوافع وراء كتابته لهذه الرواية يقول روبن: "كان والداي يعملان في إحدى مؤسسات رعاية ذوي القدرات الخاصة، وكنت أزور هذه المؤسسة معهما وأنا ابن الرابعة، وأقضي بها وقتًا طويلًا يصل لـ 4 ساعات في اليوم، فتعرفت على أوضاع النزلاء هناك، وتعاملت مع فئات عمرية مختلفة بدءًا من 6 سنوات وحتى 60 عامًا، إلى أن ألفت المكان".
يلفت روبن إلى أن كيفية طرق التواصل لما وراء اللغة هي أحد الأفكار التي طاردته ودعته أيضًا لكتابة هذه الرواية، ويوضح:"طرق التواصل بين البشر لا تتوقف عند استخدامهم اللغة فقط، فهناك من يتواصلون عن طريق المشاعر أو اللمس أو ملاحظة تصرفات الأخرين ومحاولة فهمها".
وتسلط الرواية الضوء على مشاعر الأخوة التي تنشأ بين لوسيان وشقيقه الأصغر بريان بهدف اكتشاف الحب بين الأشخاص عندما يكون أحد الأطراف من ذوي الإعاقة، حيث تسرد القصة حياة لوسيان داخل إحدى دور ذوي الإعاقة، التي تخضع لتجديد في فصل الصيف وتقرر تسليم لوسيان لأسرته، فيرفض الأب لعدم خبرته بكيفية التعامل مع الابن، وعندما تعرض المؤسسة نقودًا على الأب في مقابل استلامه فترة الصيف يوافق، لكنه يتجاهل التعامل معه ويتركه للابن الأصغر صاحب الثالثة عشرة عامًا.
وتتضمن أهم الأفكار التي ترصدها "نصف أخ.. نصف ديناصور" فكرة إلقاء اللوم على شخص فاقد الأهلية لا يستطيع التعبير عن ارتكابه الفعل من عدمه، وهي الفكرة التي سيطرت على عقل روبن وهو يكتب يقول: "خلال كتابتي للرواية فكرت في فازة قبيحة للغاية، كانت زوجتي قد احتفظت بها من جدتها وتضعها في بيتنا، لكنني أكره مجرد رؤيتها وأود التخلص منها بأي شكل من الأشكال، فقلت في نفسي لو أنني أوقعتها فكسرت ثم ألصقت هذا الفعل بطفلي صاحب العام ونصف هل سأكون قد تخلصت من هذا الشيء القبيح؟ ولن يستطيع أحد لوم طفل لديه سنة ونصف، من هنا راودتني فكرة لوسيان البالغ 16 عامًا الذي تبدو عليه قوة البنية، لكنه بعقلية طفل، لا يستطيع الدفاع عن نفسه أو إنكار أنه لم يفعل هذا الشيء، وهذه الفكرة كانت مرعبة بالنسبة لي، فكيف لأحد أن يرتكب جرمًا أومصيبة ويلقي بها على عاتق من لا ذنب له ممن لا يستطيع الدفاع عن نفسه".
ويجسد روبن هذه الفكرة من خلال أحد مشاهد الرواية عندما يدخل الأب مع أولاده إلى "سوبر ماركت" ويسرق قطعة ما، ويحتفظ بها في جيب جاكت ابنه، حتى إذا كُشف الأمر عند الخروج يختلق الأعذار كون ابنه ليس طبيعيًا، فلا يستطيع أحد إلقاء اللوم عليه، ومن ثم يوظف ابنه في تحقيق أغراضه، مع عدم قدرة الابن على الدفاع عن النفس".
ويرى روبن أن الإعاقة ليست جسدية أو ذهنية فحسب، حيث بدا الأب في الرواية معاقًا عاطفيًا، لأنه غير قادر على الاعتناء بالابن، على الرغم من أن الشقيقين لوسيان وبريان كانا قادران على تكوين علاقة جيدة للغاية، وتنمو بينهما رابطة الأخوة في التعامل وفي اللهو.