نحتفي بميلاد الزعيم .. عادل إمام.. فنان بدرجة سياسي
84 عاما من الإبداع والعمل لإسعاد الجمهور، قدم خلالها الزعيم عادل إمام أعماله السينمائية والدرامية والمسرحية، والتي بقدر ما كانت كوميدية وبعثت البهجة لقلوب المشاهدين، تناولت قضايا سياسية واجتماعية مختلفة، ليلعب عادل إمام دورا مؤثرا على مر تاريخه جعله يصل لمكانة لم يصلها فنان من قبل.
الصراع العربي الإسرائيلي وتطبيع العلاقات، والإسلام السياسي والإرهاب وعلاقة المال بالسلطة والفساد، قضايا عديدة طرحتها أعمال عادل إمام، - الذي يحتفل بعيد ميلاده اليوم، - على مر تاريخه، فظهر في دور السياسي الانتهازي، والمحامي المضلل أو "الفهلوي"، ورجل الأعمال الفاسد، والإرهابي، والمواطن البسيط، وغيرها من الأدوار التي جعلت أعماله مميزة وحاضرة حتى اليوم في الأذهان، بل ومنع بعضها من العرض كما في حالة "إحنا بتوع الأتوبيس".
عادل إمام الفنان السياسي
"أنا فنان للشعب ولست فنانا للأنظمة العربية"، رسالة رد بها عادل إمام في عام 2005 عن منتقدي زيارته للعراق التي أجراها في 2001، والتي أدت لغضب البعض في الكويت آنذاك، وكانت الزيارة في 2001، خلال فترة الحصار وتطبيق برنامج "النفط مقابل الغذاء" الذي أقرّته الأمم المتحدة، لعرض مسرحيته الشهيرة "بودي جارد"، وحينها أعلن تضامنه مع الشعب العراقي.
وفي 2005 وبعد فيلمه الشهير السفارة في العمارة أعرب في مؤتمر صحفي عقد حينها في دبي "أنا مستعد للتصادم مع أية جهة تعترض على الفيلم"، ليؤكد حينها أن المنطقة تمر بمنعطف خطير في ظل وجود قطب واحد يسيطر على العالم في إشارة للولايات المتحدة الأمريكية ودعمها للاحتلال الإسرائيلي، وحينها أكد أن ما تشهده المنطقة من أحداث يستحق عمل عليه أفلام.
فكان فيلمه السفارة في العمارة، علامة فارقة في هذه المرحلة، ففيه جسد شخصية مهندس بترول يفاجئ بأن جيرانه في عمارة سكنه دبلوماسيون إسرائيل، وللمرة الأولى يتحدث فيلم عن تلك القضية الخاصة بوجود السفارة الإسرائيلية في عمارة سكنية والإشارة للصراع العربي الإسرائيلي.
دعم القضايا العربية
ومن العلامات المميزة في مواقف عادل إمام، حينما عرضت مسرحية "بودي جارد"، في 2006 خلال الحرب الإسرائيلية على لبنان، ليقف بعد انتهاء العرض أمام الجمهور، ويضيء الشموع حدادا على أرواح ضحايا الاعتداءات الاسرائيلية في لبنان، ويوجه رسالة قوية بالدموع للجمهور، قال حينها: "نحن شعوب مسالمة على مدار التاريخ نحب السلام وندعو إليه، لكن هناك من يكرهوننا بشدة، هناك أطفال تقتل يوميا من جيش كامل العدة والعتاد يمتلك طائرات ودبابات وصواريخ يقتل بها أطفال لبنان".
وحينها أكد إمام أنه زار لبنان عقب مذبحة قانا الاولى عام 1996 ورأى آثار المقابر الجماعية، قائلا: "إسرائيل تكرر المذبحة مجددا في المكان نفسه"، ووصف جيش الاحتلال بأنه جيش العار، وقال: "عار على اسرائيل ان تقتل الاطفال، نحن نضيء الشموع من أجل الاطفال اللبنانيين حزنا وغضبا، ونناشد العالم أن يقف موقفا عادلا من أجل وقف هذه المجازر التي تحصد أرواح الاطفال والنساء والشيوخ والمعوقين دون رحمة، في رسالة باكية جعلت الجمهور يقف مصفقا للزعيم.
أفلام ذات بعد سياسي
وعلى مر تاريخه الممتد لأكثر من 60 عاما بما يزيد عن 120 فيلما و16 مسلسلًا وأكثر من 10 مسرحيات ومسلسلات إذاعية، تميز في العديد من الأفلام السياسية بعضها اتسم بالجرأة في القضايا، أشهرها إحنا بتوع الأتوبيس، المأخوذ عن رواية حقيقية، تناول ملف التعذيب في السجون في فترة الستينيات، ليثير الفيلم ضجة كبيرة حينها وكان الأمر جديدًا على عادل إمام الذي كان يشق طريقه للنجومية حينها.
ومن أشهر أفلامه ذات البعد السياسي كان فيلم الإرهاب والكباب، والذي يحكي قصة تورط موظف حكومي بسبب البيروقراطية لمعركة مع الموظفين في مؤسسة حكومية بدرجة يوصف فيها بأنه إرهابي، ويدور الفيلم في إطار كوميدي لكن برسائل ذات مغذى سياسي.
أما في فيلمه الشهير طيور الظلام، يجسد فيه المحامي الفهلوي فتحى نوفل الذي يختلط مع طبقات مختلفة من المجتمع ويجد منهم من يستخدم الدين كعباءة لأهوائه الشخصية، ليتحول إلى شخصية انتهازية، ويحكي عن جماعات الإسلام السياسي ومحاولتها تحقيق مصالحها تحت ستار الدين .
فيما يظهر في دور الفلاح الطامع في النفوذ والذي يستغل علاقته بأحد الوزراء من قريته ليصعد في الحياة السياسية حتى يصل لدرجة نائب في البرلمان وينتقم من الوزير بعد خلاف بينهما، وذلك في فيلمه "الواد محروس بتاع الوزير".
أما في فيلم "الإرهابي" 1994، فقدم شخصية شاب يتحول لإرهابي متطرف ويرتكب أعمال العنف والإرهاب ضد عدد من السياح، وما أن ينتقل للحياة مع أسرة مصرية يتضح له زيف الأفكار الخاطئة التي زرعتها بداخله الجماعات المتطرفة، ويستعرض كيف تحاول تلك الجماعات التأثير على الشباب وتغييب عقولهم ليتحول إلى الطاعة العمياء.
فيما تناول قضية الوحدة الوطنية ومواجهة الفتنة الطائفية بين المسلمين والمسيحيين بفيلمه "حسن ومرقص"، عام 2008، مع الفنان الراحل عمر الشريف، فوقفا معا لصد أي محاولات إشعال الفتنة بينهما كأسرتين إحداهما مسيحية والأخرى مسلمة.
هذا بخلاف أعمال أخرى ومنها اللعب مع الكبار وعمارة يعقوبيان ومرجان أحمد مرجان والنوم في العسل، الذي فيه خرج مع المواطنيين يصرخون في ميدان التحرير.
معركة ضد الإرهاب
وكل تلك الأعمال، جعلت عادل إمام يلعب دورا في مواجهة التطرف والإرهاب ليس بأعماله فقط ولكن بمواقفه، ففي وقت اضطراب الأوضاع الأمنية عام 1988 في أسيوط، وحدوث هجوم لمتطرفين على فرقة هواة مسرحية حينها، ذهب إمام لعرض مسرحيته "الواد سيد الشغال" لمدة يومين مجاناً، وقال عن هذا التصرف حينها: "شعرت بحالة من الخوف على مصر والغضب من أجل صورتها ومستقبلها، وظلت هذه الغصة بداخلي أياماً، وأنا لا أعرف ماذا يمكن أن أفعل. وكان لا بد أن أفعل شيئاً ما، فقررت أن أذهب إلى أسيوط، وأواجه هذا الموقف مباشرة، واعتبرت ذلك دفاعاً عن نفسي وأسرتي ووطني، قبل الدفاع عن الفنانين".
عادل إمام سفيرا للنوايا الحسنة
واختير عادل إمام بفعل مواقفه الشجاعة ليصبح سفيراً للنوايا الحسنة بالأمم المتحدة، في يناير 2000، ففي تصريحات له نشرها موقع مفوضية شئون اللاجئين يقول: "في العديد من أفلامي، كافحت ضد التمييز ورفعت مستوى الوعي حول الفقر والمشاكل الاجتماعية، وهي مشاكل تحتاج إلى المعالجة ولكنْ غالباً ما لا تُناقش بسهولة. سألت نفسي كيف يمكنني إضافة المزيد إلى النقاش، ومع المفوضية، أُتيحت لي فرصة تقديم مساهمة إيجابية للبشرية، والوصول إلى الأشخاص اليائسين والمحتاجين ومساعدتهم".
وكان الهدف من تعيينه زيادة الوعي العام وتعبئة الموارد لدعم اللاجئين، وحينها زار عددا من الدول منها القيام بزيارة ميدانية إلى اليمن والالتقاء باللاجئين والموظفين التابعين للمفوضية هناك في أبريل 2000، كما سافر إلى الأردن وتونس والعراق وعمان وسوريا والجزائر والإمارات العربية المتحدة، لزيادة الوعي بقضايا اللاجئين.
وفي عام 2017، كان متحدثا رئيسيا في الاحتفال باليوم العالمي للاجئين، الذي عقدته المفوضية في سينما الزمالك في مصر، وحينها قال أمام الجمهور: "يجب ألا نقف مكتوفي الأيدي ونشاهد المآسي تتصاعد، بل يجب علينا جميعا أن نمد أيدينا إلى اللاجئين في كل مكان".