"واجبنا تجاه المنافع المشتركة والأماكن والمرافق العامة".. موضوع خطبة الجمعة
تنشر بوابة "دار الهلال" نص خطبة صلاة الجمعة اليوم، التي جاءت تحت عنوان "واجبنا تجاه المنافع المشتركة والأماكن والمرافق العامة" حيث تؤكد الخطبة أن الحفاظ على تلك الأماكن واجب شرعي، مستدلة بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية.
إلى نص الخطبة:
"واجبنا تجاه المنافع المشتركة والأماكن والمرافق العامة "
الحمد لله رب العالمين القائل في كتابه الكريم على لسان سيدنا شعيب (عليه السلام) {إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ}، ويقول سبحانه: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}، وأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونبينا مُحَمَّدًا عبده ورسوله، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلم وبارك عليهِ، وعَلَى آلِهِ وصحبه، ومَنْ تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فإن واجبنا تجاه المنافع المشتركة والأماكن والمرافق العامة عظيم، ومسئوليتنا نحوها كبيرة؛ ذلك أن حق الانتفاع بها ليس ملكا لأحد بعينه، فهي إما ملك لمجموعة من الأفراد كالمنافع المشتركة في المبنى الواحد الذي يضم مجموعة من الوحدات السكنية وعددًا من الأسر، أو كالمسقى الزراعي الذي هو ملك عام ينتفع به عدد من الزراع، وإما هي ملك للمجتمع كله كالحدائق العامة والمماشي العامة والطرق العامة والمرافق العامة ونحو ذلك، فيجب علينا أن نحافظ عليها جميعًا؛ لأنها لنا جميعًا.
ولا شك أن الحفاظ على المنافع المشتركة، والأماكن والمرافق العامة واجب شرعي ووطني وإنساني، فينبغي أن نستخدمها على وجه لا ضرر فيه ولا ضرار، حيث يقول الحق سبحانه: {وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ}، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): (لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَار)، وبذلك يتحقق التعاون بين أبناء المجتمع على الخير والنفع العام، حيث يقول تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالعُدْوَانِ}.
ولا يقف هذا الواجب عند حدود الحفاظ على المنافع العامة فحسب، بل يمتد إلى العمل على تنميتها والإسهام في تطويرها، حيث يقول نبينا صلى الله عليه وسلم): (سَبْع يَجْرِي لِلْعَبْدِ أَجْرُهُنَّ وَهُوَ فِي قَبْرِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ: مَنْ عَلَّمَ عِلْمًا، أَوْ كَرَى نَهْرًا، أَوْ حَفَرَ بِئرًا، أَوْ غَرَسَ نَحْلًا، أَوْ بَنَى مَسْجِدًا، أَوْ وَرَّتْ مُصْحَفًا، أَوْ تَرَكَ وَلَدًا يَسْتَغْفِرُ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ)، فمعنى قوله (صلى الله عليه وسلم) (كَرَى نَهْرًا) أي، وسعه ويقاس على ذلك كل مجرى مائي، فواجبنا أن نظهره وأن نوسعه لا أن نعتدي عليه ولا أن نضيقه، وكذلك الحال في أمر الطريق العام الذي ينبغي أن نحافظ عليه، لا أن نعتدي عليه أو نضيقه على المارة أو نلقي عليه المخلفات ونحوها.
كما أن من واجبنا نحو المنافع المشتركة والأماكن والمرافق العامة أن يحث بعضنا بعضًا على الحفاظ عليها وتنميتها، امتثالا لقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّ الدَّالَّ عَلَى الخَيْرِ كَفَاعِلِهِ)، وأن نحذَّر من الاعتداء عليها أو تعطيلها أو إفسادها بأي صورة من صور الإفساد، حيث يقول الحق سبحانه: {إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ المُفْسِدِينَ}، ويقول تعالى: {وَاللهُ لَا يُحِبُّ الفَسَادَ}.
ونؤكد أن جميع المنافع المشتركة والأماكن العامة كالمؤسسات والمدارس والمستشفيات والطرق ووسائل المواصلات وغيرها أمانة في أعناق المجتمع بأسره سنحاسب عليها جميعًا، فلا يجوز العبث بها، أو إتلافها بأي صورة من صور الإتلاف أو الإفساد أو سوء الاستخدام، حيث يقول الحق سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}، ويقول سبحانه: {فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ}.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد (صلی الله عليه وسلم) وعلى آله وصحبه أجمعين.
لا شك أن الحفاظ على المنافع المشتركة، والأماكن والمرافق العامة، وإصلاحها وتنميتها من سبل الخير، وطرق الفلاح؛ فقد جعل نبينا صلى الله عليه وسلم كف الأذى من شعب الإيمان، وإحدى أنواع الصدقات، ومن أسباب دخول الجنة، حيث يقول (صلى الله عليه وسلم): (الْإِيمَانُ يَضْعُ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعُ وَسِتُونَ شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ: لَا إِلَهَ إِنَّا اللَّهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ)، ويقول (صلى الله عليه وسلم): (المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ - النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ)، ويقول صلى الله عليه وسلم): (لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا يَتَقَلَّبُ فِي الجَنَّةِ فِي شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطَّرِيقِ، كَانَتْ تُؤْذِي المُسْلِمِينَ)، ويقول (صلى الله عليه وسلم): (تَكُفُ شَرَّكَ عَنِ النَّاسِ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ مِنْكَ عَلَى نَفْسِكَ)، وليس هذا فحسب، بل علينا أن نتحلى في الأماكن العامة بكل القيم الإنسانية الراقية.
ونؤكد أن الإسلام أعلى من شأن النفع العام، وقدمه على النفع الخاص؛ تخليصا للنفس البشرية من شرور الأنانية المقيتة، وإذكاء لروح التكافل والتعاون وأسس العيش المشترك بين أبناء المجتمع، ووضع من الضوابط والسياجات الحصينة ما يحمي مصالح المجتمع العامة ويضمن الحفاظ على استقراره وسلامته وأمنه وأمانه العام والمجتمعي، ولا يتأتى ذلك إلا بروح المسئولية الجماعية تجاه الوطن ومصالحه، وتقديم الأعم نفعًا على ما هو قاصر النفع أو محدود النفع.
اللهم اجعلنا من المصلحين
واحفظ مصرنا وارفع رايتها في العالمين.