أمثال شعبية| «أصوم.. أصوم.. وأفطر على بصلة» (30 – 1)
تُعدّ الثقافة الشعبية من المداخل الأساسية لدراسة الشعوب، حيث تعكس الجوانب النفسية والعاطفية في حياة المجتمعات، وتعتبر الأمثال الشعبية أحد أبرز عناصر هذه الثقافة، إذ تمثل حجر الزاوية لفهم الشعوب.
والمثل هو حكمة تتجسد في كلمات مسجوعة أو غير مسجوعة، تنطوي على رمز يحمل نقدًا أو علاجًا لأحد جوانب الحياة المتنوعة، والحكمة في جوهرها قديمة، هي نتاج الروح وثمار تجربتها، تتشكل من نعم الحياة وابتلاءاتها، نادرًا ما تخلو أمة أو قبيلة من قول الحكمة في أمثال تتداولها، وقد تتجاوز هذه الأمثال حدودها إلى أمم أخرى، إذ إن النفوس البشرية، رغم اختلاف درجات تطورها، تشترك في العديد من جوانب الحياة، وقد تتسم هذه الحكمة بالرقي، لتصبح جزءًا من ثقافة الأمة ومعرفتها العميقة، ويعكس ذلك مستوى تطور الأمة ونضوجها.
خلال أيام شهر رمضان المبارك لعام 1446 هجريًا، نعرض معًا مجموعة من الأمثال الشعبية المصرية التي تناولت موضوعات حياتية يومية متنوعة.
واليوم نناقش الأمثال التي تدور حول رمضان:
- "أصوم.. أصوم.. وأفطر على بصلة"
ابتكر المصريون هذا المثل للتعبير عن الإحباط عندما تكون النتيجة غير متناسبة مع الجهد المبذول، حيث يفطر الشخص على "بصلة" بدلًا من وجبة دسمة كما كان يتوقع بعد يوم طويل من الصيام.
يشير هذا المثل إلى أن ما يحدث بعد الوقت المناسب يصبح بلا طعم، كما كان الحال إذا حدث في الوقت الصحيح.
- "ثلث للمرق، وثلث للحرق وثلث للخرق"
هذا المثل يعبر عن تقسيم شهر رمضان إلى ثلاثة أجزاء: الأول للطعام، الثاني لتحضير الكعك، والثالث لشراء ملابس العيد.
يُستخدم هذا المثل للتعبير عن الشخص الذي يخلط الأمور بلا علاقة بينها، هربًا من مناقشة الموضوع الرئيس.
يُقال هذا المثل للإشارة إلى أن فرحة العيد تأتي بعد التعب الشديد من صيام رمضان، ويعبر عن الفرح الذي يشعر به البعض بعد انتهاء التعب.
ومن أبرز الأمم التي اهتمت بالحكمة كانت الأمة اليونانية، التي سادت ثقافتها عبر العصور وخلدت في حكمائها.
الحكمة هي وحي الروح وهدوءها، تجردها من هوى النفس وشهواتها، بل هي عدالة النفس وتقواها. وقد تجسدت الحكمة في الأمة العربية قبل الإسلام، فكانت تعبيرًا عن روح الصحارى ونتاج خيال البدو تحت النجوم في الليل أو في حرارة الشمس نهارًا. وكان هؤلاء البدو يعبّرون عن حكمتهم في شعر موزون ونثر بليغ، سواء كان مسجوعًا أو غير مسجوع.
ثم جاء الإسلام ليقدم الحكمة الكبرى من خلال آيات القرآن التي كان ينزل بها جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم، ليلقنها للناس قوانين دينهم ودنياهم، مما رفع الأمة العربية إلى أعلى درجات العز والرفاهية والعدل.
وقد كثُر شعراء الحكمة في الإسلام وكتّابها، وتداول الناس أمثالها، فخلّد شعرائها وكتّابها عبر الأجيال، لتصبح جزءًا من أسمى آداب الأدب العربي، وعُرف شعراء مثل المتنبي وأبو العلاء المعري وغيرهم بحكمتهم، بينما كان بشار بن برد ومروان بن أبي حفصة وغيرهم شعراء في المقام الأول.
انتقلت الحكمة إلى شمال أفريقيا عبر العرب وغيرهم من الأمم التي استقرّت في تلك المناطق، فاستوعبها أهلها وأخذوا يعبرون عنها في أمثالهم، ليخلقوا مزيجًا عجيبًا من الرطانة واللغة المحلية.
وكان لمصر نصيب كبير من هذه الأمثال، التي تنوعت وتميزت في أسلوبها، وأصبحت جزءًا لا يتجزأ من الثقافة الشعبية المصرية، بحيث اختلطت الحكمة بالطرائف أحيانًا، فاحتفظت هذه الأمثال بجاذبيتها وخصوصيتها في العالم العربي.