أسامة أنور عكاشة.. صاحب الليالي والحكايات المصرية
أقرب لمستكشف همه التنقيب عن المعدن النفيس داخل وجدان الشخصية المصرية.. ظل يبحث عنه على امتداد النيل من الشمال للجنوب داخل الدروب والشوارع والحواري والمقاهي، يحلل و يرصد شكل الهوية المصرية في كل عمل من أعماله ليتوقف أمام فترات التيه والتغييب التى فرضت على المصري، يواجه القبح ويحاربه بالجمال، ليصبح أسامة أنور عكاشة أحد آباء الهوية المصرية المعاصرة وأيقونة الدراما العربية، وعندما يذكر اسمه تقفز إلي الأذهان صورة شخصياته التي رسمها بروحه في أعماله الخالدة.
ويبقي ملك الدراما وأيقونتها، الذي رحل عن عالمنا في 28 مايو 2010 صاحب الليالي والحكايات المصرية، حيا في وجدان وضمير المصريين.
لم تكن رحلة أسامة أنور عكاشة مع الدراما إلا استراتيجية وضعها لنفسه منذ أن أمسك القلم، سلاحه الأوحد الذى حارب به القوى الظلامية، ليعلى القيم والمبادئ المتوارثة لدى المصريين على مختلف العصور، ويؤكد في كل أعماله أن الشخصية المصرية تخرج أفضل ما فيها خلال الأزمات.
ووسط بحثه وتنقيبه، عاش حياة مليئة بالأفراح والأتراح، ولم تتركه طيور الظلام يغرد منفردا بل راحت تضع له العراقيل والصعوبات التى تخطاها جميعا، ليحفر اسمه بحروف من نور في سجلات الخالدين.
عرفت القامة الكبيرة أسامة أنور عكاشة، من خلال أعماله التي تحاكى حياة الكثير منا، ولكن عندما اقتربت منه وجدت أنه مستكشف لمعدن المصري، فحكى لي عن معاناة البدايات عندما عمل مدرسا فى إحدى المدارس بأسيوط، وكيف تعرض لضغوط العائلة للسفر لإحدى الدول العربية للعمل مدرسًا لبضعة شهور، وسرعان ما عاد لمصر، ولم يطق قانون الغربة.
عاد من غربته فارسا منتصرا لأفكاره وقيمه، وراح يضع كل همومه وهموم جيله على أوراق ينسج داخلها شخصيات من لحم و دم،عندما تجلس معه تشعر أنك أمام معلم كبير تنهل من علمه وأفكاره وآرائه.. فهو من عنقود الحكائين المهرة، إذا تكلم أنصت الجميع.
عندما تخطى عكاشة عقبات البدايات حلق كالنسر بإبداعه في سماء مصر المحروسة، يرى بعيون ثاقبة المجتمع وتغيراته، يفتش عن الهوية المصرية، وما تعرضت له من تشويه في فترات ضبابية عاشتها مصر.
بحث عكاشة في كل ما يخص المواطن من علاقات عاطفية ونفسية وإنسانية واجتماعية، فأصبحت أعماله أيقونات الدراما المصرية، وشاهدة علي الشخصية المصرية وتغيراتها عبر سنوات طويلة.
عشق عكاشة الإسكندرية وأضحت مصدر إلهامه وهيامه، وغرق في بحر حبها، ينزل وحي الإبداع فينسج من الكلمات خيوط من نور تضئ العقل وتغذي الروح.
وإذا كان سر خلود أعمال الكاتب الإنجليزى وليم شكسبير البعد الاجتماعي الذى يصلح لكل زمان و مكان، فهو نفسه سر خلود أسامة أنور عكاشة فكل ما خطه قلمه يصلح لكل زمان ومكان، ليبقي عكاشة صاحب الليالي والحكايات المصرية حاضرا مهما طالت سنين الغياب.