مصر والصين.. علاقات استراتيجية شاملة وتنسيق مشترك منذ عقود
علاقات استراتيجية شاملة تربط كلا من مصر والصين، تعمقت أوجه التعاون خلاله لمجالات متنوعة، وخلال السنوات العشر الأخيرة شهدت العلاقات الثنائية قفزة كبيرة بعد تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي مقاليد الحكم.
العلاقات المصرية الصينية
تطور العلاقات المصرية الصينية منذ اعتراف مصر بجمهورية الصين الشعبية عام 1956، بإصدار أصدرت حكومتا البلدين بيانا مشتركا بإقامة العلاقات الدبلوماسية على مستوى السفراء بشكل رسمي، واستمرت العلاقات الرسمية والشعبية بين البلدين منذ ذلك الحين، ففي عام 1999 تم توقيع اتفاق التعاون الاستراتيجي بين البلدين وقد بات التفاهم والتنسيق السياسي بينهما شاملا.
وفي عام 2002 تم إنشاء مجلس الأعمال المصري- الصيني المشترك، وفي 23 ديسمبر 2014، شهد الرئيس السيسي خلال زيارته العاصمة الصينية بكين، مع نظيره الصيني شي جين بينج مراسم التوقيع على وثيقة الارتقاء بالعلاقة الثنائية إلى شراكة إستراتيجية شاملة.
وتتعدد أوجه ومجالات التعاون بين البلدين، فعلى المستوى الاقتصادي تعد الصين هي أكبر شريك تجاري لمصر، ففي عام 2023 وصل حجم التبادل التجاري بين مصر والصين إلى 13.9 مليار دولار مقابل 16.6 مليار دولار خلال عام 2022.
و سجلت حجم الصادرات المصرية إلى الصين 909 مليون دولار خلال عام 2023، ومن أهم الصادرات المصرية للصين تأتي وقود وزيوت معدنية ومنتجات تقطيرها وكذلك المصنوعات من أحجار وأسمنت والفواكه والآلات الكهربائية والنحاس ومصنوعاته.
بينما بلغ حجم الواردات المصرية من الصين 12.9 مليار دولار خلال عام 2023، الآلات والأجهزة الكهربائية والحديد والصلب، وألياف نسيج صناعية ومنتجات كيماوية عضوية ولدائن ومصنوعاتها بقيمة 773 مليون دولار.
وتقدر قيمة الاستثمارات الصينية في مصر 956.7 مليون دولار خلال العام المالي 2022/ 2023 مقابل 563.4 مليون دولار خلال العام المالي 2021/ 2022، بينما بلغت قيمة الاستثمارات المصرية في الصين 208.4 مليون دولار خلال العام المالي 2022/ 2023 مقابل 126.5 مليون دولار خلال العام المالي 2021/ 2022 .
وهناك نحو 63 اتفاقية مشتركة تنظم العلاقات الاقتصادية بين البلدين، كما يعتبر التعاون السياحي أحد أهم مجالات التعاون في العلاقات الاقتصادية بين البلدين، وتساهم الشركات الصينية بقوة في تنفيذ المشروعات القومية بمصر، إذ يعد مشروع منطقة الأعمال المركزية بالعاصمة الإدارية الجديدة في مصر أكبر مشروع تقوم ببنائه الشركات الصينية في مصر.
التنسيق المصري الصيني
وتحرص مصر والصين على التنسيق والتشاور المستمر في مجالات التعاون المختلفة، والقضايا ذات الاهتمام المشترك، ففي جائحة كورونا تعاونت البلدان في المجال الطبي، من خلال تصنيع اللقاح المضاد لكورونا في مصر، وكذلك تبادل المعلومات ونقل الخبرات، وقدمت مصر العديد من المساعدات الطبية للصين في ظل الجائحة.
وزار الرئيس السيسي منذ 2014 الصين نحو 6 مرات، كانت الأولى في 2014 حيث توقيع اتفاق الشراكة الاستراتيجية الشاملة، كما زار الرئيس السيسي بكين مرة أخرى في 2015 للمشاركة في احتفال الصين بعيد النصر الوطني وبالذكرى السبعين لانتهاء الحرب العالمية الثانية والتقى بالرئيس الصيني "شي جين بينج.
وفي يناير 2016 زار رئيس جمهورية الصين الشعبية لمصر، وعقد مع الرئيس السيسي جلسة مباحثات تناولت سُبل الارتقاء بالتعاون الثنائي في مختلف المجالات، حيث أكد السيسى على دعم مصر لمبادرة رئيس الصين لإحياء طريق الحرير.
وفي سبتمبر 2016 زار الرئيس السيسي للصين للمشاركة كضيف خاص في قمة مجموعة العشرين، وذلك تلبية لدعوة من الرئيس الصيني شى جين بينج وشارك السيسي في مختلف جلسات عمل القمة.
وبعدها زار الرئيس السيسي الصين فى سبتمبر 2017 للمشاركة فى قمة بريكس 2017، وشارك الرئيس في حوار استراتيجى حول تنمية الأسواق الناشئة والدول النامية، والتقى برئيس الصين، وتناولت المباحثات الملف الاقتصادي وسبل دعم العلاقات الثنائية بجانب بحث عدد من القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك وعلى رأسها التعاون في مجال مكافحة الإرهاب، شهدا الرئيسان في ختام مباحثاتهما مراسم التوقيع على 3 اتفاقيات للتعاون بين البلدين .
ثم في سبتمبر 2018 زار الرئيس السيسى للصين للمشاركة في قمة منتدى التعاون الصيني الإفريقي، واستقبله شى جين بينغ رئيس الصين، وبحث الجانبان سبل تعزيز العلاقات الثنائية فى كافة المجالات، وعدد من القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وفي أبريل 2019 زار الرئيس السيسي الصين للمشاركة فى قمة منتدى الحزام والطريق للتعاون الدولى، وبحث خلال الزيارة مع نظيره الصيني بحث الجانبان سبل دعم وتفعيل مبادرة الحزام والطريق، وعدد من الملفات ذات الصلة بالتعاون الثنائي فى مختلف المجالات خاصة الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والأمنية، والموضوعات الإقليمية ذات الاهتمام المشترك.
وفي فبراير 2022، زار الرئيس السيسي الصين للمشاركة فى حفل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية الرابعة والعشرين في العاصمة الصينية بكين، وخلال القمة الرئاسية مع نظيره الصيني، تباحث الجانبان تعزيز التعاون القائم بين البلدين في عدد من المجالات من بينها أنشطة البحث العلمي ونقل التكنولوجيا المرتبطة بالصناعات الدوائية، وتصنيع لقاحات كورونا، والتقنيات الصناعية، كما بحثا تعزيز التعاون في مجالات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والسيارات الكهربائية.
علاقات ممتدة وشاملة
وفي هذا السياق، يقول السفير علي الحفني، مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن العلاقات المصرية الصينية تمر بمرحلة مفصلية، وهي مرحلة غير مسبوقة في تاريخ العلاقات في العصر الحديث بين مصر والصين إنشاء العلاقات الثنائية وهناك طفرة في كافة المجالات، موضحا أنه يكاد لا يكون هناك مجال لم يمتد إليه أيدي التعاون المصري الصيني، الاقتصادي والفني والسياسي وهناك اتفاقيات مستمرة ومذكرات تفاهم في المجالات المتعددة ومشروعات مشتركة في مصر.
وأوضح في تصريح لبوابة "دار الهلال"، أن الصين تتعاون مع مصر في العديد من المشروعات ذات الأولوية لبلادنا، من خلال توفير الخبرات في هذه المجالات، للمشروعات التي تمثل أولوية على أجندة التنمية الوطنية وتستعين بالصين بحكم أنها ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم، وقد تكون هي القوة الأولى في الفترة المقبلة، فهي تمتلك التجارب والخبرات الكثير، التي يمكن تقديمها لمصر وهو ما تحرص عليه، وأن تنمو العلاقات بين البلدين بكافة أشكالها ومجالات التعاون فيها.
وأضاف الحفني أن هناك شركات خاصة صينية تدخل السوق المصرية ليس فقط في المشروعات العملاقة ولكن من خلال الشركات المتوسطة والصغيرة، وهناك شركات خاصة بدأت تتجه للاستثمار وتعزز من استثماراتها في مصر، مؤكدا أن السوق المصرية منفتحة تماما، والعلاقات التجارية بين البلدين في تطور، وخاصة بعد 2018 بعدما فتحت السوق الصينية باب الاستيراد من الخارج، أمام الدول النامية.
وأكد أن مصر هي أول دولة تشارك في هذا مؤتمر التعاون الصيني الأفريقي 2018، وحضره الرئيس السيسي، ومنذ ذلك الحين وتزداد الصادرات المصرية وتتجه صوب السوق الصينية، وهو ما يوجد شيئا فشيئا توازنا في الميزان التجاري بين الدولتين وألا يكون مائلا تجاه الصين بشكل صارخ، موضحا أن المجال السياحي شهد طفرة في الآونة الأخيرة، وهناك عدد كبير من الرحلات الأسبوعية بين مصر والصين، وهناك عدة شركات صينية تعمل على هذا الخط، و هناك طيران يتجه إلى نقاط مختلفة داخل الصين تصل إلى 6 نقاط.
ولفت الحفني إلى أن عدد السياح الصين في ازدياد وهناك اهتماما صينيا بتلبية مطلب الجانب المصري في الشركات العامة والخاصة الصينية في مجال صناعة السياحة وخاصة في مجال الفندقة السياحية، مشيرا إلى أن هناك مشروعات تعتبر علامة من علامات من العلامات الفارقة في العلاقات بين الدولتين، ومنها التعاون في مجال البنية التحتية، مثل المشروعات التي نفذتها الصين إلى جانب مصر في العاصمة الإدارية والعلمين الجديدة وفي ربوع مصر المختلفة.
وأشار إلى المنطقة الاقتصادية الخاصة شمال غرب خليج السويس شهدت طفرة في السنوات الأخيرة وزاد عدد الشركات الصينية المنفذة لمشروعات هناك والتي تكون مخصصة للتصدير، وكذلك لسد حاجة السوق المحلي، موضحا أنه من بين الشركات الكبيرة التي نفذت في تلك المنطقة الاقتصادية مصنع الألياف الصناعية الذي أصبح ثالث أكبر مصنع صيني على مستوى العالم، بعد المصنع في الصين ومصنع الولايات المتحدة الأمريكية، أصبحت مصر تضم ثالث أكبر مصنع للألياف الصناعية الصينية في العالم.
وشدد على أن زيارة الرئيس السيسي الحالية للصين، تشهد اهتماما بين البلدين لإعطاء دفعة وروح وانطلاقة جديدة للعلاقات للحفاظ على هذا النمو في كافة أوجه العلاقات، وخاصة ما يمثل أولوية بالنسبة للأجندة الوطنية في مصر، مثل توطين الصناعة ونقل التكنولوجيا والتعاون في المجال التعليمي، وهناك عدد كبير من المنح الدراسية التي تمنها الصين سنويا لمصر وآلاف الدارسين من المصريين درسوا في الصين وحصلوا على المنح الدراسية وكانت تجربة مفيدة لهم عند عودتهم إلى مصر.
ولفت إلى أن أوجه التعاون متعددة وتمتد لمجالات مثل استخدامات الفضاء والأقمار الصناعية تجميعها وتصنيع بعض أجزائها في مصر في أول تجربة رائدة في أفريقيا من نوعها، وفي مصر خطوط السكة الحديد التي تمثل نقلة كبيرة وتعد من أكبر خطوط السكك الحديد في أفريقيا، مؤكدا أن هناك زخم حقيقي في العلاقات يؤشر إلى أن هذه الفترة زاهية وأنها ستستمر بهذا الشكل، وخاصة بعد انضمام مصر إلى تجمع البريكس في مطلع العام الحالي، وهناك اتجاه لتعزيز علاقات التعاون في إطار البريكس خلال الفترة المقبلة.
ولفت إلى مصر والصين تحتفلان بالذكرى العاشرة لرفع مستوى العلاقات من علاقات شراكة استراتيجية إلى علاقات شراكة استراتيجية شاملة، موضحا أنه تم رفع مستوى العلاقات الرسمية أكثر من مرة منذ بداية هذا القرن وهناك آلية للتشاور السياسي والاستراتيجي بين وزارتي الخارجية للبلدين، وهناك العديد من الآليات التي تجمع البلدين منها منتدى التعاون العربي الصيني، الذي أنشأ عام 2004، خلال زيارة الرئيس الصيني هو جينتاو لمقر الجامعة العربية وخلالها أطلق المنتدى في مقر الجامعة.
وأكد أن علاقات التعاون الاقتصادي والتجاري بين الجانبين العربي والصيني شهدت طفرة كبيرة غير مسبوقة، وفي عام 2022 أقيمت لأول مرة قمة عربية صينية في المملكة العربية السعودية، وهو ما أعطى دفعة للعلاقات العربية مع الصين في عمومها والعلاقات مع الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي والدول بشكل فردي، مضيفا أن هناك رغبة أكيدة لدى الجانبين في الاستمرار في دفع العلاقات بينهما إلى الأمام، لأنها تحقق مصالح الطرفين.
وأشار إلى أن منتدى التعاون العربي الصيني يحتفل هذا العام بذكرى 20 عاما على تدشينه، ويعقد هذا العام بمشاركة الرئيس السيسي مع رؤساء كل من الإمارات وتونس والبحرين، لحضور الاجتماع الوزاري، ومن المتوقع أن يتم الاتفاق على برنامج تنفيذي بين الجانبين، وقد يشهد هذا البرنامج إطلاق العنان للمزيد من التعاون والعلاقات وامتداد التعاون إلى مجالات جديدة ومتعددة خلال الفترة المقبلة.