أمين "البحوث الإسلامية" يؤكد ضرورة إطلاق مشروع عالمي لتوثيق ونشر التراث المخطوط المتعلق بسيرة النبي
أكد الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية الدكتور نظير عياد، ضرورة التعاون والتكامل للعمل على إطلاق مشروع عالمي لتحقيق وتوثيق ونشر كل التراث المخطوط المتعلق بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وتاريخ الإسلام المبكر، وفقا لمعايير علمية صارمة؛ مما يسهم في التصدي للشبهات والشكوك المثارة حولها.
جاء ذلك في توصيات ومخرجات الملتقى الفقهي الخامس لمركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، التي ألقاها فضيلة الدكتور نظير عياد، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية والمشرف العام على مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، والذي جاء تحت عنوان "منهجية التعامل مع السيرة النبوية بين ضوابط التجديد وانحرافات التشكيك"، لمناقشة القضايا الجدلية والشائكة لبيان موقف الأزهر الشريف منها، بشكل يتوافق والرؤى التجديدية والوسطية التي يتبناها الأزهر.
وقال عياد إن التراث الإسلامي يمتاز من بين تراث كل الأديان والحضارات، بابتكار معايير منهجية لـ «التوثيق والتثبت من صحة الأخبار والمرويات الشفهية» ونقلها، ومن ثم نشأت علوم [التخريج ودراسة الأسانيد، والعلل]؛ لتكون قانونا نميز به بين «المقبول والمردود، وبين الصحيح والحسن والضعيف والموضوع»، وقد خضعت روايات السيرة النبوية في مرحلة متقدمة لهذا النقد الحديثي، وقد أسهم هذا النقد في تمحيص روايات السيرة وتنقيتها من كل شائبة يمكن أن تشوه صورة الإسلام الصحيحة.
وأوضح أن التراث الإسلامي العريق أ ضح عناية فائقة بضبط (الفهم الموضوعي النزيه) للمسائل والقضايا والظواهر والمشكلات، فنشأت علوم [أصول الفقه، واللغة، والمنطق]؛ لتكون قانونا نميز به بين المعقول واللامعقول، وبين ما يدل عليه النص: قطعا أو ظنا، صراحة أو لزوما، وقد عولجت روايات السيرة في مرحلة متقدمة وفق قوانين هذه العلوم.
وأشار إلى أن العلماء وضعوا حدودا فاصلة بين النص الإلهي، والبشري، وميزوا بين مقامي الرسول: (المقدس ، والإنساني) وحفظوا لكل مقام حقه وقدره، واعتبروا ذلك من أهم المناهج العلمية المنضبطة في دراسة السيرة النبوية، وذلك بخلاف الطرح الحداثي الذي اختزل مقام الرسول في جانبه البشري، الذي يعتريه ما يعتري كل البشر من (حظوظ النفس والهوى)، لذا نعتبره بذلك يمتهن مقام النبوة، ويجعل دعاء الرسول بيننا كدعاء بعضنا بعضا، وهو ما نهى عنه القرآن الكريم وحذرنا منه.
وأكد عياد، أهمية المنهجية العلمية الصحيحة، والتوظيف الإيجابي لمناهج البحث والتقصي الحديثة في التعامل مع نصوص السيرة النبوية، وحكايات التاريخ الإسلامي، والآثار النبوية، ونقد الروايات المتناقضة أو المشكوك في صحتها، وفق طرق النقد العلمية المعروفة، مع مراعاة السياق التاريخي والثقافي لكل رواية؛ شريطة أن تلتزم هذه المناهج بالثوابت الدينية والمسلمات المنهجية.
وقال إن طرق التشكيك في السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي تحمل خطورة كبيرة، حيث تسهم في زعزعة الإيمان، وتشويه القيم والمبادئ التي تقوم عليها الهوية الإسلامية. وهذه الطرق تعتمد على تحليلات متحيزة وغير موضوعية تهدف إلى تقويض الثقة بالمصادر الإسلامية الأساسية. ومع ذلك، يجب التفريق بين التشكيك والنقد العلمي المنهجي السليم، فالنقد العلمي يستند إلى الأدلة والمصادر الموثوقة ويسعى إلى فهم أعمق وتوضيح الحقائق، بينما يهدف التشكيك إلى الهدم والتشويه دون أساس موضوعي.
وأضاف أن الدفاع عن (السيرة ومدونات التاريخ الأول)، لا يعني الحكم بتصديق كل مروياتها، ولكن يعني الحكم بكونها وثائق لها أهميتها التاريخية في معرفة السرد والترتيب الكامل للأحداث الإسلامية المبكرة، مما يساعدنا في فهم التصورات الإسلامية الكبرى بشكل سليم.
وأوصي بضرورة تفعيل حركة ترجمة عكسية لكتب السيرة النبوية من العربية إلى الإنجليزية، بهدف تزويد المكتبة الثقافية الأجنبية بمصادر موثوقة وشاملة.. مؤكدا أن هذا الجهد يسهم في مواجهة ظاهرة الإسلاموفوبيا ومحاولة ازدراء مقام النبوة، من خلال تقديم صورة دقيقة وعلمية عن السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي، مما يعزز الفهم المتبادل ويقلل من التأثيرات السلبية لحركة الاستشراق.
كما أوصى بضرورة توسيع دائرة الحوار بين مختلف المذاهب الفكرية والإسلامية والحداثية والتنويرية، لتعزيز التفاهم وبحث القضايا في إطار من الاحترام المتبادل، وفق منهجية علمية معتمدة، بعيدا عن المساجلات والجدل، وإثارة الرأي العام بلا فائدة.
وأكد ضرورة تجديد درس السيرة النبوية، وذلك من خلال العمل على تضمين مواد دراسية مبسطة حول السيرة النبوية في المناهج التعليمية بمختلف المراحل الدراسية، مع التركيز على قيمها التربوية والأخلاقية والإنسانية.
ودعا صناع الأعمال الدرامية والإعلاميين والصحفيين والمؤثرين، للتعاون على إعادة تسويق ونشر أحداث السيرة النبوية بشكل جذاب، يتضمن (الرسومات، والتصميمات، والرواية، والدراما، والمسرح، والشعر، والنثر-والأفلام الوثائقية).
كنا دعا الباحثين في التاريخ والدراسات الإسلامية إلى ضرورة استعراض وتحليل المناهج الحديثة التي تطبقها المؤسسات الأكاديمية والدينية في دراسة السيرة النبوية، مقارنة بالمناهج التقليدية، مع التركيز على كيفية مواجهة التشكيك والانحرافات، والعمل على مراجعة نقدية للأدبيات التشكيكية في السيرة النبوية، مع تقديم تقييم دقيق للحجج المقدمة وكشف الأخطاء المنهجية والمنطقية فيها، كما نوصي بدراسة الأساليب والتقنيات الحديثة التي تستخدم في تحليل السيرة النبوية، مثل التحليل النصي والنقدي والتاريخي والسوسيولوجي، مع تقديم توصيات لتطبيقها بشكل أفضل.
وأوصى بضرورة إعداد (برامج ومناهج) تعليمية مشوقة للأطفال، تعرض تسلسل أحداث السيرة النبوية بشكل جذاب، وتركز على غرس القيم الأخلاقية والتربوية، والتعريف بالثوابت، وأصول الدين وأهم المعتقدات الإسلامية، وأحكام الشريعة، من خلال القصة النبوية الكريمة، حتى يتم تشكيل وعي نظيف وسليم للأطفال في المراحل المتقدمة، يعصمهم من الأفكار المغلوطة التي تثيرها حملات التشكيك.