مؤتمر السلام في سويسرا.. هل يكون خطوة على طريق حل الأزمة الروسية الأوكرانية أم يزيدها تعقيدا؟!
د. نبيل رشوان,
رغم عدم دعوة روسيا صاحبة الموقف الأكثر تأثيراً وطرف النزاع الروسي ـ الأوكراني الأهم للمؤتمر، الذي دعا إليه الرئيس الأوكراني بشكل رسمي، إلا أنها بلا شك ستكون أكثر الدول حضوراً في المؤتمر لأن أى قرارات يتوصل إليها المؤتمر لا بد أن توافق عليها روسيا، قبل أن يوافق عليها المجتمعون في سويسرا.
لكن دعونا في البداية نتحدث عن المؤتمر في حد ذاته، والذي يعتبر امتداداً لمؤتمر سابق عقد في المملكة العربية السعودية العام الماضي ولم تدع إليه روسيا أيضاً، من الواضح أن الغرب لا يريد مناقشة النزاع مع أطرافه الفاعلين ويريد أن يغني منفرداً ويعزف منفرداً ويستمع لنفسه فقط، وها هو يكرر نفس الشيء في مؤتمر جنيف بسويسرا، حيث لم تدع روسيا، لكن على ما يبدو تداركوا الخطأ وتحدثوا عن عقد مؤتمر بين روسيا والاتحاد الأوروبي في العاصمة السعودية الرياض في الخريف القادم، وهو اجتماع ربما لإطلاع روسيا على نتائج مؤتمر جنيف.
ورغم دعوة الرئيس الأوكراني لرؤساء وقادة 160 دولة وفق وسائل إعلام أوكرانية، فإن من أبدى استعداداً لحضور المؤتمر لا يزيد عن مائة دولة ومنظمة، ودعوة الرئيس زيلينسكي لرؤساء الصين والولايات المتحدة بإلحاح لحضور المؤتمر، إلا أن النتائج غير مبشرة على الأقل بالنسبة للرئيسين الصيني والأمريكي، حيث تحجم الصين عن اتخاذ موقف واضح من الأزمة ككل حتى الآن، نظراً لأنها مستفيدة اقتصادياً من العلاقات مع روسيا، فقد عادت عليها من العقوبات المفروضة على موسكو بالنفع، وفي نفس الوقت الغرب غير قادر على اتخاذ أي مواقف في الملفات العالقة مع الصين مثل تايوان أو الإيجور أو حتى التبت أقدم هذه الملفات، وذلك خوفاً من انعطاف الصين بشكل نحو موسكو.
رغم أن الغرب لديه أوراق تجارية يمكنه الضغط بها على بكين إلا أن الخسارة ستكون على الجانبين لذلك فهو حريص على عدم التلويح بها، وهو الذي خسر كثيراً بفرض العقوبات على روسيا لدعم أوكرانيا وحتى الآن مازال يتعامل مع روسيا لشراء بعض الخامات بل والمحروقات، نظراً لعدم وجود بدائل. لكن وحتى الآن هناك قادة دول رفضوا أو لن يحضروا المؤتمر وهم قادة يمثلون دول كبيرة مثل الولايات المتحدة والصين وجنوب أفريقيا والبرازيل.
الرئيس الأوكراني في تعليقه على قرار الرئيس الأمريكي بعدم حضور مؤتمر جنيف قال "أعتقد أن الرئيس بوتين سيكون أول المصفقين تحية للرئيس بايدن على عدم حضوره المؤتمر" ووصف قرار الرئيس الأمريكي بأنه "ليس أقوى القرارات الأمريكية"، كما أن عدم حضور حتى نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس للمؤتمر يلقي بظلاله على مدى اقتناع واشنطن بجدوى المؤتمر من الأساس، حيث لا يزال بايدن الذي رفض السماح لأوكرانيا بضرب أهداف داخل الأراضي الروسية باستخدام سلاح أمريكي غامض وإن استثنى المنطقة الحدودية المتاخمة لخاركيف، وفي رواية أخرى سمح باستخدام السلاح الأمريكي لكن سراً!!
ورغم موافقة أكثر من 12 دولة من الذين يمدون أوكرانيا بالسلاح على ذلك كانت أخرهم النرويج، من المعروف أن الرئيس بايدن سيلتقي أثناء انعقاد المؤتمر بالمتبرعين لحملته الانتخابية، في اعتقاد المراقبين هذا أهم للرئيس الأوكراني وبلاده لأن بقاء بايدن، المؤيد لأوكرانيا، في الحكم أهم من حضوره لمؤتمر تغيب عنه روسيا ولن يخرج بأي حلول يمكن أن تفرض على موسكو، والنتائج ستكون معنوية بالدرجة الأولى، وإن كانت دعوة الرئيس زيلينسكي للمؤتمر هي في الأساس للحصول على الشرعية، لأن فترة رئاسته انتهت وكان من المفترض إجراء انتخابات في شهر مارس الماضي وهو ما تحدث عنه الرئيس بوتين الأسبوع الماضي، باعتبار أن المؤتمر ليس له قيمة لأن الرئيس الداعي له ليس له شرعية، ورغم نص الدستور الأوكراني بجواز عدم إجراء الانتخابات في ظروف الحرب، ووجود الرئيس زيلينسكي على رأس السلطة في كييف شرعي، وفق تفسيرات السياسيين الأوكران، إلا أن موقفه ضعيف بلا شك وهي النقطة التي يحاول الرئيس بوتين الضغط عليها ربما أيضاً لتبريره العملية العسكرية الروسية حتى تحقيق أهدافه منها، وعدم التفاوض مع رئيس يفتقد للشرعية، كما أن التركيز على هذه المسألة من الممكن أن يؤدي إلى حدوث اضطرابات داخلية في أوكرانيا ويشوه صورة النظام في كييف أمام حلفائه الغربيين.
على أي حال هناك الكثير من الدول التي وافقت في البداية على حضور المؤتمر في البداية تراجعت، ربما بعد معرفتها بأن الرئيس الأمريكي لن يحضر، وتشير مصادر مقربة من منظمي المؤتمر إلى أن الرئيس الصيني اتخذ موقفه على أساس أن روسيا لم تدع للمؤتمر وهي الطرف الثاني للنزاع، وإن كان ممثل الخارجية الصينية لم يؤكد أو ينفي حضور وفد صيني رسمي للمؤتمر حتى الآن، إلا أن مصادر رسمية أكدت عدم حضور الصين.
وفي تصور الكثيرين أن دعوة الرئيس الأوكراني لأكبر عدد من رؤساء الدول هو في الأساس لتشكيل رأي عام دولي معاد لروسيا للضغط عليها وإظهار مدى تأييد دول العالم للموقف الأوكراني من النزاع، رغم أن أي قرارات أو حلول للمؤتمر ستكون غير ملزمة لأحد، كما أن عدم حضور روسيا يجعل من المؤتمر نوع من الفكاهة، حتى لو تواترت أنباء عن عقد اجتماع مع روسيا فيما بعد لإبلاغها بما توصل إليه المؤتمر، ووفقاً لمديرة معهد الدراسات الاقتصادية والاستراتيجية في روسيا يلينا بانينا إن الغرب يعد العدة لتوجيه إنذار لروسيا لحل الأزمة الأوكرانية.
وأشارت إلى أن هذا الإنذار على الأرجح سيكون في خريف العام الجاري (في إشارة إلى مؤتمر الرياض بين الاتحاد الأوروبي وروسيا)، وأضافت بانينا إلى أن أي "مؤتمر سلام" حول أوكرانيا يعقده الغرب وبشروطه سيكون الهدف منه بالدرجة الأولى إعلان هزيمة استراتيجية لروسيا، ومن وجهة نظرها هذا هو الهدف الرئيسي لمؤتمر سويسرا، وتوقعت يلينا بانينا أن "تدعو الولايات المتحدة في الخريف القادم لمؤتمر كهذا تدعو إليه روسيا لتوجيه إنذار نهائي لها" ومكان توجيه الإنذار لم يتم تحديده اعتباطاً بل هو الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية، أما لماذا الرياض؟ فهي وفق الخبيرة الروسية من دول جنوب العالم الهامة ولها موقف مستقل من مختلف قضايا العالم وعلاقاتها جيدة بكل من الصين وروسيا، بالإضافة للولايات المتحدة.
من المعروف أن موسكو لا ترى في عقد المؤتمرات أي فائدة ولا تنتظر منها أي نتائج لحل النزاع، وأن أي مفاوضات بخصوص أوكرانيا يجب أن تجرى ليس مع كييف ولكن مع واشنطن، وأنها يجب أن تشمل الاستقرار الاستراتيجي وتشكيل نظام أمن جديد في أوروبا يجب أن يأخذ في الاعتبار المصالح الروسية، وهذا ممكن فقط بعد خروج الولايات المتحدة وحلفاءها من النزاع الذي يخوضونه مع روسيا بالوكالة من خلال أوكرانيا.
الرئيس الأوكراني وحتى لا يضع الدول المشاركة في المؤتمر في موقف حرج أمام روسيا وأمام أنفسها ولجذب أكبر عدد من الدول لحضور المؤتمر خاصة دول وسط آسيا الحليفة التقليدية لروسيا، أعربت كييف عن أنها لن تتحدث في المؤتمر سوى عن مبادئ عامة تتعلق بوحدة أراض وسيادة الدول وفق القانون الدولي ولن تتحدث عن الانسحاب الروسي، ورغم ذلك لم تبد أي من دول وسط آسيا السوفيتية السابقة رغبة في حضور المؤتمر رغم أن دول مثل كازاخستان ترفض الاعتراف بالقرم أو أي أراض في أوكرانيا بأنها جزء من روسيا.
لكن في كل الأحوال أي مؤتمر سلام يجب أن تحضره كافة الأطراف وعلى رأسها موسكو بل وحتى الأمم المتحدة إن أمكن، والصين وإن لم تحضر المؤتمر فهي لديها بالإضافة لأسبابها الاقتصادية ومحاولتها الإمساك بالعصا من المنتصف، لها رؤيتها الخاصة لأي مؤتمر سلام خاص بالنزاع في أوكرانيا وهي أنه يجب أن تحضره موسكو وكييف وعقد جلسان مفاوضات مباشرة وعلى أن تكون بقية الأطراف مجرد وسطاء لتقريب وجهات النظر وإعطاء ضمانات لهذا الطرف أو ذاك، لكن الهدف من مؤتمر سويسرا كما هو واضح لي ومن الإلحاح الأوكراني في دعوة الدول الهدف منه هو مجرد أن كييف تريد أن تظهر للعالم عدد الدول التي تؤيدها والتي حضرت المؤتمر بدعوة منها، كما أن أوكرانيا ورئيسها سيعتبرون من حضروا بصرف النظر عن موقفهم السياسي هم من داعمي أوكرانيا رغم أن الأمر ليس كذلك، فالهند مثلاً ستحضر وهي من أكبر شركاء موسكو التجاريين.