تطور الزراعة في القرون الوسطى.. كيف تعاملت الحضارة الإسلامية في الأندلس مع الأرض الزراعية؟
تقدمت الزراعة في الحضارة الإسلامية تقدما كبيرًا في العصور السالفة، ذلك بسبب النظام المتوافق والمتناغم مع البيئة الذي أدى إلى إنتاجية عالية، ولأجل الوصول إلى ذلك درسوا علم الزراعة بالتفصيل عرفوا كيفية إثراء التربة بالحراثة العادية والعميقة، والعزق والحفر والتسوية، وقاموا بتصنيف التربة والماء وفق النوع.
درس مسلمي الأندلس قبل ألف عام، كل ما يخص علم الزراعة مثل كيمياء التربة وعوامل التعرية، وذلك إنطلاقا من رغبتهم في تحقيق الحد الأعلى من الإنتاج مع الخفاظ على العانصر الحيوية، وذلك ضمن عدة طرق تضمن في الأخير سلامة المحصول.
درس ابن بصال، وهو مسؤول الحداثق عند أمير طليطلة، الأرض الزراعية، فقام بعدها بجمع ما تعلمه ونشره في كتاب شامل نشر عام 1085م، وصنف فيه عشرة أنواع من التربة، وحدد لكل منها قدرات مختلفة لتبقى تربة معطاءة طوال العام.
وتحدث ابن بصال، عن الأرض البور وكيفية التعامل بها، إذ وصى بضرورة حراثتها أربع مرات في الفترة مابين يناير ومايو، وبالنسبة إلى الأرض البور، اما بالنسبة محاصيل القطن التي كانت تزرع في الأتربة المتوسطية الساحلية الثقيلة، فإنه نصح بحراثتها عشر مرات.
وصح ابن بصال في زراعة الأرز بزراعته في حقول تواجه الشمس، ثم وصف كيفية إعداد التربة وطريقة إضافة السماد إليها، أما بذره في الأرض فيجب أن يكون بين شهري فبراير ومارس، أما ابن العوام فقد حدد كمية البذور اللازمة لزراعته في مساحة معينة وكيفية إنجاز ذلك.
جمع عالم النبات الإشبيلي، ابن العوام، العديد من الدراسات التي أجراها علماء الزراعة في الحضارة المصرية والفارسية والإغريقية، في كتابه "الفلاحة"، والذي ترجم إلى العديد من اللغات، في نهاية القرن ال18 وال19 الميلادي، تضمن الكتاب أربعة وثلاثين فصلا عن الزراعة وتربية الحيوانات إضافة إلى تعليمات محددة للمزارعين.
وصف الكتاب 585 نبتة، وشرح طرقا في زراعة أكثر من خمسين نوعا من أشجار الفاكهة، واهتم الكتّاب بعرض العديد من النصائح بشأن التطعيم وعن خصائص التربة والسماد الطبيعي والأمراض التي تصيب النباتات، فضلا عن العلاقة القوية بين الأشجار والنحل.
وشمل الكتاب أيضا، زراعة أشجار الزيتون ومعالجة الأمراض التي قد تصيبه، حتى تطعيمه وجني ثماره، تضمن أيضا قسما عن تقنيات الحراثة وعددها وأوقات البذر وكيفيته والسقاية بعد البذر وفي أثناء النمو وعن صيانة النباتات وجنيها.
وأمتاز كتاب الفلك والأنواء، والذ نشر عام 961م، بالعديد من المعلومات المهمة عن مهمات الزراعة، ومنها شهر مارس والذي يزرع فيه قصب السكر، وفي نفس الوقت تبدأ فيه زراعة أشجار التين، وعلى الجانب الآخر، يبدأ سمك البوري رحلته في الأنهار صعودا وهو زمن زراعة القثائيات والقطن والزعفران والباذنجان.
وفي شهر مارس، يبدأ الجراد بالظهور وتصدر الأوامر بالقضاء عليه وهو زمن زراعة الليمون والزيزفون والمردقوش والعطرة، وزمن تزاوج الطيور وتفقيسها ،وبالنسبة إلى زراعة الأرز، فقد ركز خبراء زراعته على محاربة الطفيليات وشددوا على ضرورة إقلاع الأعشاب الضارة من الأرض.
ومن الجوانب المهمة في الزراعة في العصور الوسطى، كانت التوازن التام بين البيئة الطبيعية والإنتاج الوفير، وقد اتقن المسلمون ذلك ،ومن المعروف أن ذلك لم يتغير إلى الآن بالرغم من مرور ما يقارب ألف عام، إذ كان المسلمون في العصور الوسطى يسمدون حقولهم بالسماد الطبيعي، فيقول ابن العوام إن أفضل سماد هو ذرق الحمام، وما زال المساد العضوي هو السماد الصديق للبيئة إلى الآن.