المنشاوي.. مزمار من الجنة
يُبكى القلب قبل العين .. دموع تفيض من خشية الرحمن، صوت تقشعر له الأبدان لما له من خشوع وتقوى، استطاع أن يبقى بداخل كل مصري بصوته الخاشع وتلاوته المرتلة والمجودة، ذكراه حية عطره في نفوس المسلمين، تستمع له تبكي معه دون شعور، صوتًا كأنه قادم من الجنة، أُطلق عليه أكثر من لقب ومنها: "القارئ الباكي" و"عبقري التلاوة"، إنه أحد أعلام التلاوة في العالم الإسلامي القارئ المصري "الشيخ الجليل محمد صديق المنشاوي".
رحل الشيخ الجليل المنشاوي في مثل هذا اليوم، وترك خلفه تراث ديني ضخم، فكان قارئًا في الإذاعة المصرية، ومن أبرز قراء القرآن الكريم الذين جمعوا فى تلاوتهم بين الالتزام بأصول التلاوة الشرعية وبين القدرة على الخلق والإبداع فى الأداء،فعند تلاوته للقرآن الكريم يترك في نفسك الخشوع والإيمان، كما أتقن مقامات القراءة فظهرت انفعالاته العميقه عند تلاوته للقرآن، فهو من جيل القراء العظماء مثل الشيخ عبد الباسط عبد الصمد وغيره من القراء العظماء، فقال عنه الشيخ محمد متولي الشعراوي: "إنه ورفاقه الأربعة مقرئون؛ الآخرون يركبون مركبًا ويبحرون في بحر القرآن الكريم، ولن يتوقف هذا المركب عن الإبحار حتى يرث الله - سبحانه وتعالى- الأرض ومن عليها».
وُلد الشيخ محمد صديق المنشاوي في 20 يناير عام 1920م، بإحدى القرى التابعة لمحافظة سوهاج، نشأ في أسرةٍ اهتمَت بالقرآن الكريم وتوارثت تلاوته، فكان والده الشيخ صديق المنشاوي وأجداده قراء للقرأن الكريم، فتأثر بهم فتعلم من والده فن قرائته، ثم التحق بالكُتَّاب، وأتم حفظ القرآن كاملًا وهو لم يتجاوز الثامنةَ من عمره، فكان سريعَ الحفظ، قوي الذاكرة، ذا صوت عذب.
انتقل المنشاوي إلى القاهرة مع عمه القارئ الشيخ أحمد السيد، للنيل من علوم القرآن والقراءات في الثانية عشرة من عمره، ليبدأ رحلته في قراءة القرآن الكريم في المساجد والمحافل، فتتلمذ على يد كبار الشيوخ مثل: محمد النمكي ومحمد أبو العلا ورشوان أبو مسلم.
عُرف بصوته الشجي ذات اللمحة الحزينة، فعند قرائته للقرآن تجده يبكي دون شعور منه ويدخل في حاله روحانية خالصة، حتى أطلق عليه "القارئ الباكي"، بدأت رحلته مع التلاوة بتجواله مع أبيه وعمه بين السهرات المختلفة، حتى ذاع صيته واشتهر اسمه بين العامة.
التحق الشيخ المنشاوي بعد شهرته بالإذاعة المصرية وأصبح قارئًا للقرآن الكريم، كما سجل القرآن كاملًا في ختمة مرتلة، وسجل ختمه أخرى مجودة بـالإذاعة المصرية، وله قراءات مشتركة برواية الدوري مع القارئين كامل البهتيمي وفؤاد العروسي.
سافر المنشاوي خارج البلاد لينشر صوته بين الجميع وجعلهم يستمتعون بصوته العذب وخشوعة، فأدخل السكينة على الجميع بقرأته الخاشعة، فقرأ القرآن الكريم في المساجد الرئيسية في العالم الإسلامي كالمسجد الحرام في مكة المكرمة والمسجد النبوي في المدينة المنورة والمسجد الأقصى في القدس، وله العديد من التسجيلات في كبرى الدول الإسلامية، التي زارها وحصل فيها على أوسمة عدة من دول مختلفة، كإندونيسيا وسوريا ولبنان وباكستان.
توفي الشيخ محمد صديق المنشاوي في 20 يونيو 1969م، أثر إصابته بمرض دوالي المريء، ورغم مرضه وألامه ظل يقرأ القرآن الكريم ولم يتوقف حتى رحل وترك خلفه إرثًا دينيًا ضخمًا من التسجيلات للقرآن الكريم التي مازالت تدخل على قلوبنا السكينة والطمأنينة حتى الأن.