قوة الأوطان.. موضوع خطبة الجمعة اليوم
تنشر بوابة -دار الهلال- نص خطبة صلاة الجمعة اليوم، والتي جاءت تحت عنوان "قوة الأوطان" حيث تؤكد الخطبة أن مصالح الأوطان من صميم مقاصد الأديان، مستدلة بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية.
إلى نص الخطبة:
الحمد لله رب العالمين القائل في كتابه الكريم: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}، وأَشهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وأشهدُ أنَّ سيدَنا ونبيَّنا مُحَمَّدًا عبده ورسوله، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارك عليه، وعلَى آلِهِ وصحبهِ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحسان إلى يوم الدين، وبعد: فإن مصالح الأوطان من صميم مقاصد الأديان، وتعزيز أسس قوتها مطلب شرعي ووطني لا غنى عنه للأفراد والأمم، والوطن أحد الكليات الست التي ينبغي الحفاظ عليها وبقدر إيمان الإنسان بحق الوطن وقوة انتمائه إليه وعطائه ،له واستعداده للتضحية في سبيله، تكون قوة الوطن، وبقدر اختلال هذا الانتماء أو ضعف ذلك العطاء، والنكوص عن التضحية بالنفس أو بالمال يكون ضعف الأوطان أو سقوطها وضياع مصالح العباد والبلاد ، فقوة الوطن قوة لجميع أبنائه، وضعفه ضعف لجميع أبنائه.
على أن تعزيز قوة الأوطان ليس أمرا سهلا أو هينا، إنما هو عملية شاقة شديدة التعقيد، يحتاج إلى إرادة صلبة وعمل دءوب، ورؤية ثاقبة في مختلف المجالات والاتجاهات التي تعزز قوة الأوطان وتحافظ على أمنها واستقرارها، مع القدرة على قراءة الواقع وفهم تحدياته.
إن الأوطان لا تقوى بغير العلم والعمل الجاد والجهد والعرق، وقد جاء الشرع الحنيف بالدعوة إلى العلم والعمل وإتقانهما، حيث يقول الحق سبحانه في شأن العلم على لسان نبينا (صلى الله عليه وسلم): {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا، ويقول نبينا صلى الله عليه وسلم): (مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ الله بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْجَنَّةِ)،
ويقول الحق سبحانه في شأن العلم: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِزْقِهِ وإِليه النشور، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلًا أَنْ يُتْقِنَهُ)، ويقول الشاعر:
بِالْعِلْمِ وَالمَالِ يَبْنِي النَّاسُ مُلْكَهُمُ * لَمْ يُبْنَ مُلْكُ عَلَى جَهْلٍ وَإِقْلَالٍ
وإلى جانب العلم والعمل لا بد من تعزيز روح الولاء والانتماء للوطن، وإيثار مصالحه العامة على المصالح الخاصة والشخصية، بعيدًا عن كل صور الفردية والأنانية والسلبية، والتحلي بروح العمل الجماعي، وتقوية روابط وتماسك أبناء المجتمع، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): (مثلُ المؤمنين في توادهم، وتَرَاحُمِهِم، وتعاطفهم مثلُ الجَسَدِ، إذا اشتكَى مِنْهُ عضو تدَاعَى لَهُ سَائِرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى) وقد قالوا: ما استحق أن يولد من عاش لنفسه. كما أن الحفاظ على نعمة الأمن من أهم ركائز قوة الأوطان واستقرارها واستمرار تقدمها وازدهارها، فالأمن من أجل النعم التي امتن الله عز وجل بها على عباده، حيث يقول الحق سبحانه ممتنا على قريش: {لِإِيلافِ قُرَيْشٍ * إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشَّتَاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ}، ويقول سبحانه ممتنا على مكة وأهلها: {أَوَلَمْ تُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِن لَّدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}، ويقول سبحانه وتعالى: {ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَمِنِينَ}، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبه، مُعَافَى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيْزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَدَا فِيرِهَا)، فإِذا
وُجد الأمن هنأت الأقوات وازدهرت الدول، وإذا فُقد الأمن تبعه فَقْدُ كل شيء.
كما أنه لا قوة لوطن بلا قيم ولا أخلاق، فالأوطان التي لا تكون الأخلاق والقيم من ركائز قوتها؛ تحمل عوامل ضعفها وسقوطها في أصل بنائها وأسس قيامها، ويكون مصيرها إلى الزوال والاندثار.
إن ديننا الحنيف هو دين القيم والأخلاق، وبعثة رسولنا صلى الله عليه وسلم كان الهدف الأسمى منها هو إتمام مكارم الأخلاق، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ).
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد (صلی الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين. لا شك أن تعزيز قوة الأوطان مسئوليتنا جميعًا أمام الله عز وجل، وأمام أنفسنا فالأوطان بأبنائها جميعًا وهي لهم جميعًا، وليست لطائفة منهم دون طائفة، ولا يمكن أن تقوى وتنهض ببعضهم دون بعض، فكلنا في سفينة واحدة، وعلينا مجتمعين متضامنين أن نعمل للنجاة بها، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): (مَثَلُ القَائِمِ في حدودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَومٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سفينة، فصار بعضُهم أعلاها، وبعضُهم أسفلها، وكانَ الذين في أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الماءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيينا خرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ تَرَكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وإِنْ أَخَدُوا عَلَى أَيْدِيهِم نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا).
اللهم احفظ مصرنا وارفع رايتها في العالمين