ترقد أعداد «الهلال» القديمة في زوايا المكتبات العربية، حاملة بين طياتها كنزًا ثمينًا من الصور النادرة التي توثق أهم اللحظات في تاريخنا العربي والعالمي، اليوم، وكأننا نفتح صندوقًا سحريًا، نجد أنفسنا أمام ألبوم صور حي يروي قصة قرن كامل من التحولات من صور نادرة لشخصيات تاريخية بارزة، إلى لقطات تصور الحياة اليومية في شوارع القاهرة.
سنستعرض ما نشرته مجلة الهلال، على غلافها، في عددها الصادر في 15 سبتمبر 1900، والذي يتضمن صورة نادرة للدكتور محمد دري باشا.
يعد محمد دري باشا (1841-1900)، المعروف أيضًا باسم محمد دري باشا الحكيم، من أبرز الجراحين المصريين في القرن التاسع عشر، شغل منصب أستاذ التشريح والجراحة في كلية الطب بقصر العيني، وحظي بتقدير كبير من قبل معاصريه، وصفه علي باشا إبراهيم، بأنه "سيد الجراحين في زمانه".
وقد ذكرت مجلة الهلال عن الدكتور محمد دري باشا في هذا العدد، أنه كان مدققا كثير الانتباه للفرص التي تُعرض له في معاطاة مهنته، فإذا جاءه مريض ذكر في دفتر خاص بالمرضى اسم ذلك المريض ومرضه والعلاج الذي عالجه به وتاريخ سير العلة بالتفصيل والإيضاح، فلما أحيل على المعاش في آخر حياته جمع ذلك كله في مجموعة وأهداها إلى القصر العين، وهي لا تزال محفوظة هناك وقد كتب عليها "مجموعة محمد دري باشا الحكيم".
كما اشتهر بين الأطباء بدقة التشخيص وصدق الإنذار حتى كاد يقرّب ذلك من الإلهام، فإذا شاهد مريضًا وأنذره أو بشّره كان كما قال، وكان متعلق الذهن بمرضاه فإذا عمل عملية مهمة وعاد إلى بيته لا يهدأ باله على مريضه حتى يفتقده مرارا إما برسول خاص وإما أن يذهب هو بنفسه، ولا فرق عنده في ذلك بين الغني والفقير، وربما كان أكثر عناية بالفقير مما بالغني، ويذكرون من فضله بنوع خاص مواساته الناس في أزمنة الأوبئة الوافدة ومعالجتهم بما سهل ورخص، ومن آرائه الخصوصية في الجراحة أن العلمليات الجراحية تكون سليمة إذا عملت في شهري بؤونة وأبيب ويليهما كيهك وطوبة.