رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


خبراء الإعلام يشخصون ويتفقون ويرسمون فى حوار الأسبوع: ماسبيرو.. إصلاح نعم خصخصة لا

19-1-2017 | 12:37


 

هناك على ضفاف النيل لا يزال، يقف شامخا بهيئته شبه المستديرة وطوابقه السبعة والعشرين كلها شاهدة على تاريخ هذا النيل وشعبه العريق، عاش معه أجمل لحظات انتصاره ونشوة فرحه، عندما خاض الحروب وانتصر، وبكى حزينا متوجعا فى لحظات الانكسار التى شوهت الإرادة الوطنية.

إنه ماسبيرو، هذا الكيان الإعلامى الذى يبلغ من العمر ٥٦ عاما، تأسس فى عام ١٩٦٠، ويعتبر أقدم تليفزيون حكومى فى منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، يعانى اليوم من ضمور فى بعض أطرافه التى تورمت بـ ٣٣ ألف موظف أصبحوا عالة على الجسد المنهك، بالإضافة إلى مشكلات صحية تتعلق بعدم قدرة ماسبيرو على اللحاق بتقنيات الإعلام الخاص الذى سحب البساط من تحت قدميه، بعدما كان يصول و يجول وحده بقناتيه الأولى والثانية كمصدر لبهجة المصريين، صار اليوم لا يملك الإمكانات للوقوف أمام هذا الطوفان الشاب، بينما تقف الدولة حائرة بين إعادة الاعتبار لهذا الكيان العريق وتفعيل رسالته الحضارية، وبين حرصها على نيل نصيبها من «كحكة» الإعلانات التى يستأثر بها الإعلام المنافس، فى الوقت الذى يتسلح فيه إعلام عربى خليجى بكافة الأسلحة المشروعة وغير المشروعة يريد القضاء على ماسبيرو واقتناص دور الريادة منه.

“المصور” استضافت فى هذه الندوة عددا من أكبر خبراء الإعلام: أسامة الشيخ، الخبير الإعلامي، رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون الأسبق، وحمدى الكنيسي، رئيس نقابة الإعلاميين ورئيس الإذاعة الأسبق، وحسين زين، رئيس قطاع القنوات المتخصصة، وعلى عبد الرحمن مستشار رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون، وخالد مهنى، رئيس قطاع الأخبار بماسبيرو. جميعهم فتح ملفات هذا الكيان العملاق المريض، وشخصوا مشكلاته واقترحوا العلاج، وعلى الرغم من أن الإمكانات قليلة، أحيانا، إلا أن الطموح سبق المخاوف فى استعادة دور وريادة الإعلام المصرى ممثلا فى ماسبيرو، والموجه إلى بناء الضمير الوطنى وتفعيل قيمة القوة الناعمة المصريّة و إلى نص الحوار.

المصور: كيف ترى أوضاع ماسبيرو الآن؟

أسامة الشيخ: فى البداية أود أن أتحدث عن ملامح المشهد الحالى للإعلام المصرى، سواء منه العام أو الخاص، وما حدث خلال الأعوام السابقة من ثورة تكنولوجية، كنا نحاول الجرى وراءها واللحاق بها، لكننا لم نكن مستعدين لها بالقدر الكافي، وها نحن نواكبها الآن من خلال الأقمار الصناعية، وثورة المعلومات، والحاسب الآلى، ونحن مع الحرية المطلقة لكل الأشخاص أن ينشئوا إعلامهم الشخصى عن طريق وسائل التواصل الاجتماعى، وغيرها، لكن التحول من الإعلام الحكومى إلى الإعلام الخاص حدث دون تقنين، خاصة أن الإعلام الخاص كان دائماً إعلاماً فردياً أو عائلياً، إلى أن ظهرت الحاجة إلى وجود إعلام بديل، وهنا قررت الدولة أن تقتحم هذا المجال، وتؤسس إعلاما بديلا أو موازيا، ومع وجود إنفاق ضخم جداً عن طريق القطاع الخاص، إلا أن القطاع الحكومى غير قادر على مواكبته، وذلك بسبب تراكم الأعباء على كاهله، ورأينا داخل الاستثمار الإعلامى أشخاصا تنفق كل عام مليار جنيه، فى حين أن العائد من الإعلانات لا يتعدى ٤٠٠ مليون جنيه، والمنافسة أصبحت ضارية، فأراد الإعلام العام أو إعلام الدولة أن يواكبه ويتخلى عن دوره فى أن يحمل رسالة الضمير الوطني، وبدأ إعلام الدولة يتجه ليحصل على جزء من كحكة الإعلانات، هذا الإعلام الحكومى هدفه نبيل، لكنه طارد لأنه غير جاذب.

ومن الحقائق المسلم بها أنه أصبحت هناك كيانات احتكارية فى الإعلان وحقوق العرض والبث، وأكبر مثال على ذلك كانت مباراة المنتخب المصرى مع منتخب غانا بالإضافة إلى ذلك فنحن نواجه بإعلام خارجى يشوه من صورتنا، ونحن مازلنا نكلم أنفسنا ولا ننظر إلا تحت أرجلنا، ولا نخاطب العالم، ولا نتصدى للمؤامرات التى تُحاك ضدنا، وهيئة الاستعلامات غائبة، والإعلام المصرى غير قادر على أن يصل إلى العالم، لأنه ليس لديه الإمكانات لإنشاء قناة إخبارية قوية، وللأسف الدولة “بتدلع” الإعلام الخاص منذ أول يوم لظهوره، وتنشئ له أقمارا صناعية واستديوهات، ولا تستثمر فى البنية الأساسية للإعلام، وأنا أتساءل لماذا لا يشارك القطاع الخاص فى التكلفة؟، ولماذا لا يبنى هو الاستديوهات على نفقته؟، وأين هو من إطلاق الأقمار الصناعية؟، وعلى أى أساس يعفى من الضرائب؟.

المصور: وهل الإعلام الخاص معفى من الضرائب؟

الشيخ: يكفى أن تعرف أن المنطقة الإعلامية الحرة بمدينة السادس من أكتوبر، والتى تمثل مدينة الإنتاج الإعلامى كبرى شركاتها، لا تدفع سوى ١٠ آلاف دولار سنويا، فى الوقت نفسه فإن الإعلام الحكومى لا يستند إلى إرادة شعبية تدعمه وتساعده، وما يحدث الآن له من دعم مؤسسات المجتمع المدنى التنويرية، شيء عظيم وإيجابي، وعلينا أن نقف بجانبه، لأننا فى أشد الحاجة إلى إعلامنا الوطنى الذى لا يزال إنتاجه ضعيفا، وبسبب ضعف هذه الإمكانات، فإن كثيرا من الأعمال من المفترض أن تنفذ فى مصر، لكن مع الأسف الشديد يجرى تنفيذها فى بيروت.

نقطة أخرى أود التطرق إليها وهى خاصة بالتجريف المالى والذى يعد بمثابة جريمة فى حق الميزانية الكبيرة الخاصة باتحاد الإذاعة والتليفزيون، حيث تحولت هذه الميزانية إلى بنود أجور لمن يعمل أو لا يعمل، ولمن يحضر ولمن لا يحضر، نحتاج أن تنظر الدولة إلى قطاع الإعلام الحكومى وتحدد هل هو إعلام تجارى يريد أن يحصل على نصيبه من كحكة الإعلانات، أم هو إعلام يملك رسالة إلى الجماهير، إن غموض موقف الدولة من قطاع الإعلام الوطنى يعود بالخسارة على الشعب، لأن كل العاملين بقطاع الإعلام الحكومى يحصلون على راتبهم من الضرائب التى يدفعها الفقراء والأغنياء، وفى النهاية، كلهم مصريون.

المصور: هل هناك مخاطر تهدد إعلام الدولة؟

الشيخ: أولا نحتاج إلى موارد مالية لتطوير البنية الأساسية، فعلى الرغم مما يقال إن التليفزيون يملك أجهزة ومعدات، إلا أننا مازلنا متأخرين عن دول العالم التى اتجهت إلى تقنية الـ «HD»، ونحن مازلنا نحاول تغيير نظام «الأنالوج» إلى «ديجيتال»، حيث لم يعد لدينا قدرة على أن نطلق قمرا صناعيا جديدا، و«النايل سات» يتعرض لحرب شعواء من القمر المسمى «سهيل سات»، والذى تملكه الشركة القطرية للأقمار الصناعية بموجب اتفاقية الشراكة التى وقعتها مع المؤسسة العربية للاتصالات الفضائية (عرب سات)، وبموجب ذلك تم نقل حقوق المجموعة الرياضية الخاصة بقناة الجزيرة بعد خروجهم من مصر، وأصبح من السهل أن يغير شخص واجهة «الريسيفر»ويذهب لمشاهدة “سهيل سات”، خاصة أنه على نفس زاوية “عربسات” .

المصور: أين مدينة الإنتاج الإعلامى من ذلك؟.

دعنى أؤكد أننا لدينا بنية أساسية تحتاج إلى أن نحافظ عليها، مدينة الإنتاج الإعلامى لا تمارس إنتاجا ولا إعلاما، هى فقط تقوم بتأجير “أوض” مفروشة، وقطاع الإنتاج داخل التليفزيون المصرى غير قادر بالإمكانات الموجودة على أن يخرج سهرة درامية واحدة، وكذلك شركة صوت القاهرة، لدينا أزمة مالية كبيرة فى البنية الأساسية، وأرى أن هناك إمكانية أن تتحول محطات الإرسال إلى “ديجيتال” بالتعاون مع شركة الاتصالات المصرية، ومع النايل سات، ومع شركة “ CNA”.

المصور: كم ستبلغ تكلفة هذا التحويل؟

هو حاليا يتم بالفعل فى عدد من «السنترالات” والتى تحولت من نظام الأسلاك النحاسية إلى نظام الألياف، ولكننا نحتاج على الأقل إلى ١٠٠ مليون دولار لتحويل الإرسال المصرى إلى ديجيتال، والنتائج ستكون عظيمة، فبدل من أن يكون لديّ ١٠ ترددات، سيكون لديّ ٦٠ ترددا.

هذا يحتاج إلى إنفاق مالى كبير، ولا أجد مانعا فى حصول الشخص المبدع والمتفرغ لاتحاد الإذاعة والتليفزيون على أجره، وليس من يحصلون على رواتبهم وهم يجلسون فى منازلهم، لا يصح أن يكون النظام الإدارى لاتحاد الإذاعة والتليفزيون به ٨٠٪ إداريين ومحاسبين وأمن، فى حين أن عدد المبدعين ضئيل جدا بالنسبة إلى الـ ٤٠ ألف موظف بالاتحاد، بالإضافة إلى أن هناك كارثة تتمثل حالياً فى عدم تعيين أى شباب داخل المبنى، مما يعنى أنه بعد ٤ سنوات من الآن ستجد معظم الأشخاص العاملين حاليا بالقطاع على درجة مديرى عام، ووكلاء وزراء، لأنه لا يوجد جيل جديد من الشباب، وأنا أقترح تعيين الأوائل العشرة من خريجى كلية الإعلام كل عام، وذلك حتى يجد الشباب الذى تعلم فى الجامعات وظيفة.

وهناك كارثة أخرى تسمى بند أجور العاملين بالدولة، وتلتهم وحدها نحو ٨٠ مليار جنيه من الموازنة العامة، يستحوذ اتحاد الإذاعة والتليفزيون وحده على نحو ٢٢٠ مليون جنيه شهريا كبند لأجور العاملين به.

المصور: إذن لدينا قطاع إنتاج لا ينتج، وشركة صوت القاهرة لا تنتج، ومدينة الإنتاج الإعلامى لا تنتج، ما هو الإجراء المقترح الذى تراه؟

الشيخ: تأسيس شركة يكون طرفاها قطاع الإنتاج وشركة صوت القاهرة، خاصة أن ميزانية الأخيرة تصل سنويا إلى ٢٠٠ مليون جنيه، وذات مرة وأثناء توليتى لرئاسة الاتحاد طلبوا منى تخصيص مبلغ ٣٥٠ مليون جنيه، وكان ردى عليهم بأنى خصصت لهم بالفعل جزءا من عائد الإعلانات يمكنهم الإنفاق منه، وأخبرتهم أننى سأختار الأفضل والأنسب ومثلهم مثل القطاع الخاص، وبالفعل استطعنا إنتاج أعمال جيدة بهذه السياسة، ويشبه ذلك وجود إدارات متشابهة وفى أكثر من قطاع، مثل إدارة المنوعات، والقنوات التعليمية التى

.