د. وفاء علي,
لاشك أن هناك منهجية للربط بين مقاصد الدولة وعصر الرقمنة فالعلاقة الراهنة فى العالم كله أجبرت الحكومات أن تضع منهجية تعتمد على الارتقاء بالتعليم التكنولوجى والحياة برمتها وظيفيا وإداريا كأحد مقومات وأولويات التنمية الشاملة والارتقاء بالجودة يشمل تحسين مستوى الثقافة الرقمية لمستوى الخريجين والموهوبين والمتفوقين وذوى الهمم وإعداد جيل للمنافسة الدولية فضلا عن احتياجات سوق العمل وإمداد هذا السوق بكوادر مدربة ومؤهلة على أعلى مستوى بما يساهم فى زيادة درجة الاتقان فى مختلف المجالات وتشجيع المجتمع على الابتكار والإبداع ومن هنا جاءت فكرة بنك المعرفة المصرى الذى يتيح للدارسين المعرفة التكنولوجية بشكل إيجابي ويضع المعرفة فى تجربة متميزة وهنا تبرز المناظرة بيننا وبين الدول فى تطويع التكنولوجيا والتحول الرقمى لتحقيق النمو والعوائد الاقتصادية ومن هنا نحن فى أشد الحاجة إلى حاضنة كبيرة فى مجال الذكاء الاصطناعي لتكون رواد ٢٠٣٠ فى مجال الثقافة الرقمية وتحقيق التوأمة مع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات مع الدول المتقدمة فيها لتحقيق التنمية المستدامة، إن الاهتمام بالثقافة الرقمية يحقق التوازن بين التوسع الكمى وتحسين الجودة وتخفيف القيود المالية والإدارية والتركيز على مهام تكنولوجيا المعلومات فى التطوير المؤسسى وارتباطها بالتنمية الاقتصادية التعليم وثقافة الرقمنة.
التعليم هو الأداة الحقيقية لتحقيق التنمية المنشودة وإيجاد علاقة إيجابية بين التعليم والتنمية الاقتصادية يعتمد على دمج ثقافة الرقمنة بين التدريب الأكاديمى والفنى لسد فجوة التوظيف فى مصر والتى حددتها مؤسسات التمويل والتنمية فقد تعانى بعض الشركات فى العثور على من يهتمون بالمهارات التكنولوجية.
والسؤال الذي يطرح نفسه دوماً كيف تمكنت لغة العصر و الرقمية من اقتحام حياتنا و من هنا جاءت أهم هوية تقييد الثقافة الإلكترونية التي أصبحت جزءا لا يتجزأ من عنوان هذا العصر وعلما لا يختلف عليه و بدونه أصبح الفرد بمثابة الأمي في هذا العالم الجائح فكل شيء حولنا أصبح رقمياً ، كل وسائل حياتنا أصبحت ذات طابع رقمي و أصبح معها علم المعرفة وثقافة المعلومات و البيانات حقيقة واقعة كل شيء يتحرك بسرعة ولابد أن نلحق بها و إلا لن يكون لنا مكان في هذا الكون ولابد ان تلحق المجتمعات بإطار عصر التكنولوجيا حتي تسد الفجوة بين ما هو متاح و ما يجب معرفته فلقد تحولت المعلوماتية إلى واقع و ليست عالما افتراضيا يسكن في الخيال بعدما كانت نوعا من الترف أو الخيال العلمي بل أصبحت قوة دافعة ومن هنا جاءت فكرة التثقيف الرقمي للمجتمع وقاطنيه لسد الفجوة بين التثقيف الرقمي والمعرفي و تدريب شرائح المجتمعات المختلفة من خلال التعليم المدرس و الجامعي والفني كذلك النوادي و المراكز و إقامة الدورات المختلفة في هذا المجال فالتعليم و التطوير والتدريب قوة دافعة لزيادة الثقافة المعرفية أو علم الثقافة الإلكترونية وكلما زادت المعرفة والثقافة للفرد زاد ما يقدمه للمجتمع و أن يكون الأفراد سلاسل للقيمة المضافة يكمل كل منهم الآخر.
إن عصر المعلوماتية و الثورة الصناعية الرابعة يرسل إشارات إيجابية نحو الاستراتيجيات الجديدة لهذا العالم المفتوح و الخاص بالتوازنات التي لم تعد سياسية أو عسكرية أو اقتصادية فقط و إنما هناك أيضاً القوة المعلوماتية والأمن السيبراني الذي يخدم كل الاجندات السابقة.
هل نحن مجتمع رقمي ؟
لقد أصبحت الرقمية ضرورة و أمرا حتميا تستدعي منا زيارة مساحة هذه الثقافة التي تتحرك بها الحياة الراهنة ولابد من الاعتراف أننا مازلنا في حاجة إلى زيادة آفاق الرقمية في حياتنا فمن يمتلك هذه الأدوات هو من يحكم العالم و يوجهه إنها وسيلتنا نحو التكنولوجيا المتقدمة و تبحر بنا بعيداً عن مخاطر عدم اللحاق بالركب، ولنا أن نأخذ الوجه الجميل من التكنولوجيا والرقمية التي تأتي بالبيانات المعرفية بعيداً عن الوجه القبيح لهذه التكنولوجيا، فمحركات البحث أحياناً لا تأتي بالخير فالفضاء المفتوح له إيجابياتها و سلبياته و هنا يكمن دور الثقافة الرقمية في اختيار كل ما هو مفيد و البعد عن المدونات التي تشكك في كل شيء و علي الإنسان إذا كان مدربا بصيغة رقمية أن يلتفت عن الوجه الخطير للرقمية وتطوير الفكر و العلم و الفن من خلال الثقافة الرقمية هو أمر يتوقف علي مدي نضج الوعي الثقافي لدي جمهور المتلقين من المتداولين للثقافة السيبيرانية.عبر الفضاء الإلكتروني ورقم المتابعين لموقع ما ليس دليل مثلاً علي أهمية أو قيمة لذلك الوعي الثقافي العام بالرقمية الصحيحة لصيغة التعليم الجيد و تدعمه مؤسسات الدولة التعليمية و الثقافية و هذا الوعي يعطي قدرة تسمي الانتقاء الرقمي لكل ما يتم بثه عبر الفضاء الإلكتروني لا نريد عالما موازيا.
نعم لا نريد عالما موازيا و إنما مستحدثات جديدة لهذا العصر الرقمي كي ينشأ جيل جديد عنوانه "المعرفة" يعرف الماضي و يقرأ الحاضر و يتنبأ بالمستقبل لا نريد تزييفا للهوية و التاريخ بل تدريب جيل جديد لديه ثقافة الرقمية وتكريس الثقافة الرقمية الإيجابية التي تمكن الفرد من الارتقاء بنفسه رقمياً و الشباب هم الأكثر استفادة من أدوات و وسائل الثقافة الجديدة و هم أكثر المستنزفين للإنترنت والهواتف الذكية و من هنا أصبح هناك مخاض جديد لنشر المحتوي الثقافي الذي أصبح متاحاً للجميع مما خلق وسيلة جديدة من الإبداع والابتكار و دمج للصوت و الصورة و اصبح للإعلام دور هام في هذه الثقافة الرقمية التي أحدثت تغيرا جذريا في حياتنا و تفاعل الإعلام الهادف مع أساليب الرقمية الجديدة.
لا سبيل للعودة الي الوراء في مجال تكنولوجيا المعلومات و كل الجهود لتجاهلها أو تقييدها ستكون فاشلة ولكن يجب وضع سياسات ذكية للثقافة الرقمية و تعظيم الفائدة المرجوة منها والدمج بينها و بين اقتصاد المعرفة و التعليم المعرفي والارتهان علي جعلها في يد الإنسان لتطويع قدراته و استخدام أحسن ما فيها لصالحه، وليس أن يكون الفرد تابعاً لها تقوده وتسطو عليه، فالأمر ما زال تحت السيطرة.
لاشك أن هناك ٨٤ مليون حساب شخصى للمصريين على شبكة الإنترنت وهناك اهتمامات متعددة ومرحلة من الإسهاب المجتمعى فى عملية المشاركة والتفاعل على وسائل الاتصال الاجتماعى ولكن هل تمت تهيئة هذا العدد للمشاركة والتثقيف الوقائي للحفاظ على البنية المجتمعية من مسالب التكنولوجيا فكل له اهتمام بملف خاص سواء رياضيا أو اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا ولكن الأهم أن يكون المشاركون لديهم الخلفية المؤهلة للتعامل مع حديث العالم التكنولوجى.
مخاطر وتحديات عالمية
لاشك أن ضحايا التكنولوجيا كثر وعلى رأسهم الاقتصاد العالمى برمته فالجميع يعانى من حالة الانتهاك للحقوق سواء الشخصية أو المصالح الاقتصادية لقد أصبح الأمن السيبرانى على رأس سلم أولويات الشركات العالمية المتخصصة وكذلك الاقتصاد، فالإنترنت المظلم فى هذا العالم الدامى الذى استخدم كسوق سوداء لبيع البضائع المسروقة أو تجارة المخدرات والبشر بل يدخل فيه الملف الأشد خطورة ألا وهو الإرهاب ومع التطور التكنولوجي والذكاء الاصطناعي أصبحت كل مناحى الأرض معرضة لعصابات عابرة للقارات تخترق الحسابات والمعلومات مما يعرض أى دولة لخطر كبير سواء على شركاتها أو اقتصادها كله وهناك قياس دولى لتكلفة جرائم الظلام المتحرك أو الجريمة الإلكترونية يقدر ب ٨ تريليونات دولار عالميا وكأنه اقتصاد قائم بذاته ومن المتوقع زيادة نسبة هذه المجزرة الإلكترونية بنسبة ١٥% فمن المتوقع أن يصل حجمها إلى ١٠,٥تريليون دولار سنويا بحلول ٢٠٢٥.
تحاول الدول والحكومات والمنظمات الدولية سن التشريعات والقوانين لمنع انتشار جرائم التكنولوجيا ومعاقبة مرتكبى الاختراق السيبرانى فالمعطيات تسير وفق ما تشتهى التكنولوجيا والاعتماد على الشبكة العنكبوتية والفضاء السيبرانى هو توجه عالمى نحو الرقمية الكلية، ولكن هذا يشجع أيضا العقول المخربة التى حولت اقتصاد الظلام أو الجريمة الإلكترونية إلى ثالث اقتصاد على مستوى العالم وعلى الدول إيجاد حالة التوازن بين استخدام التكنولوجيا لخدمة المجتمع والاقتصاد وأيضا والحماية من دموية الأمن السيبرانى.
لقد عبر القراصنة الحدود باستهداف قطاعات واسعة من الشركات سواء ماليا أو حتى صحيا بالإضافة إلى ملفات البنوك وتتكلف الحماية السيبرانية عالميا حتى هذا العام الحالى مايقرب من ٢٠٨ مليارات دولار ليزداد عاما بعد عام والسؤال الهام الذى يطرح نفسه هل العالم مستعد لحروب المستقبل وهل الوعى الرقمى يستطيع الصمود أمام معادلة اقتصادية وسياسية وتكنولوجية شديدة التعقيد فالخسائر التى يسببها تدمير البيانات الاقتصادية والأموال المسلوبة وتوقف الإنتاج وتعطيل مسار المعلوماتية بالإضافة إلى ضياع الوقت فى استعادة النظام لاشك تحمل الأنظمة تكاليف كانت فى غنى عنها لذلك كان هناك حاجة لمبادرة تسمى أطلس الجرائم الإلكترونية وهذه المبادرة تهدف إلى التخفيف من بعض التحديات حيث توفر قاعدة بيانات تصف كيف تعمل هذه المجموعات المنظمة وآلية المقاومة المحورية لتلك الجرائم التي تشكل تهديداً وجوديا للاقتصاد العالمى بعيدا عن الحروب المتعارف عليها فهذا متحور جديد من الحروب ألا وهو الحروب السيبرانية عالميا وهى أكثر كلفة.
لذلك كان هناك فرض عين حقيقى بضرورة حماية الأفراد من أنفسهم بإعدادهم وتولى ثقافة إلكترونية مفتوحة أمام كل شرائح المجتمع وقبل انفلات الأمر فالمتنافسون كثر ولكل أدواته.