في ذكرى 23 يوليو| «الطريق إلى المستقبل».. مقال نادر للرئيس جمال عبد الناصر بمجلة الهلال
تحل اليوم ذكرى ثورة 23 يوليو، كانت ثورة شعبية قادها اللواء محمد نجيب والضباط الأحرار، غيرت موازين القوى في مصر، وأدت إلى إلغاء النظام الملكي ورحيل الملك فاروق وتحويل البلاد إلى جمهورية، وأعلنت 6 مبادئ قامت عليها الثورة.
ونشرت «مجلة الهلال» مقال للرئيس الراحل جمال عبدالناصر فى يناير 1959 بعنوان «الطريق إلى المستقبل»، يسرد فيه الرئيس الراحل قصة الجيل الذي قام بالثورة، وتحمله لأعباءها، ونجاح هذا الجيل الذي فتح الطريق إلى المستقبل . وإليكم نص المقال:
«إن نجاح هذا الجيل قد فتح الطريق الى المستقبل. وحتى نفتح الطريق إلى المستقبل لا بد أن نكون من أنفسنا الجسر الذي يربط بين الماضى البغيض وبين المستقبل المشرق .. »
إن هذا الجيل - جيلنا الحاضر - تحمل عبء القيام بثورتين في وقت واحد : ثورة سياسية ، وثورة اجتماعية . ولقد حاول آباؤنا أن يقوموا بالدور الذي قمنا به الآن ، ولكنهم لم يستطيعوا أن ينتصروا في المعارك التي حاربوا فيها. وهذا لا يمنع إنهم حاربوا في جميع المعارك من أجل تحقيق الثورة السياسية والثورة الاجتماعية.
حاربوا على مر السنين ، وفى عشرات السنين في كل مكان . ولكن لم الله لهم النصر ، بل مهدوا لنا طريق النصر القصر الحاربوا في هذه المعارك، لم يضنوا فيها بالشهداء، وتحملوا فيها الالام !
ولقد أخذنا منهم العلم .. علم الكفاح من أجل تحقيق الثورة السياسية، والثورة الاجتماعية ، وكافحنا في الطريق الذى كافحوا فيه ولم يستطيعوا أن ينتصروا ولكننا بعون الله استطعنا أن ننتصر ، وأن نرى معالم المجتمع ، وأن تثرى معالم نجاح الثورة السياسية والثورة الاجتماعية استطمنا أن ننتصر ، وأن نرى معالم المجتمع الجديد ، ومعالم المستقبل الجديد. وهذا العبء عبء كبير . عبء شاق
إن نجاح هذا الجيل قد فتح الطريق إلى المستقبل . وحتى نفتح الطريق إلى المستقبل لابد أن نكون من أنفسنا الجسر الذي يربط بين الماضى البغيض وبين المستقبل المشرق ، الذي نتصور فيه المجتمع العربي الذي نتمناه ، والذي نعمل من أجله .. المجتمع الذى تتخلص فيه أوطانا العربية من الاستبداد السياسي ، ومن الظلم الاجتماعي .. المجتمع العربي الذي يتخلص من السيطرة المستبدة التي أنت إلينا من الخارج ، والسيطرة المستغلة التي تكونت في بلادنا من الداخل.
استطعنا أن ننتصر بعون الله وأن نرى الفرصة تمكننا من وضع دعائم هذا المجتمع . ولهذا قبلنا حينما رفعنا هذا العلم - علم الجهاد ، علم الكفاح - أن نكون جسرا بين عالمين : العالم الذي كان يتفشى فيه الاقطاع والاستبداد والاستغلال والفساد السياسي ، وبين العالم الجديد الذي يتمثل فيه هدفنا الأكبر ، وهو إقامة مجتمع ترفرف عليه الرفاهية ، وقبلنا أن نكون القنطرة التي تعبر عليها الأجيال القادمة في أوطاننا . . . تعبر عليها في زحفها إلى عالم أفضل من العالم الذي وجدناه، ونحن نعمل ونكافح ونسمى حتى نحقق للأجيال التي تأتي بعدنا عالما أفضل بدل العالم الذي نشأنا فيه ، والذي قاسينا منه ، والذي شكونا من الشكوى من مآسيه .
وفي نظرة سطحية سريعة قد يظهر أن جيلنا محمل بأعباء أكثر مما يطيق ، ولكن إذا نظرنا نظرة عميقة ، رأينا وشعرنا بأننا فعلا على موعد مع القدر . فتاريخ هذا الجيل يقاس بما يستطيع أن يسجل في حياته من جهود وأعمال ، وستتطلع الأجيال القادمة إلى ما نعمله اليوم بفخر ، وسترى أن جيلنا كان نقطة التحول الكبرى في تاريخنا العربي .
ولا أقول ذلك لاستثير العزة ، أو لاستثير فى هذا الجيل الشعور بالفخر ، ولكنى أقوله ، لأني مازلت أطلب عملا أكثر ، وجهدا أكثر وتصحيحا أكثر وعزيمة أكثر .!. وبذلك نستطيع أن نبنى المجتمع الجديد ، المجتمع الاشتراكي الديمقراطي .
وليس بناء هذا المجتمع بالمهمة السهلة ، ولكنه مهمة صعبة . لأننا لا نبني المجتمع الجديد فقط ، وإنما نحن نضع تصميم المجتمع لأنفسنا ، قبل أن نبنيه ، فإن ظروفنا تختلف عن ظروف غيرنا. ولا ينبغي لنا أن ننقل تجربة مجتمع آخر، لان كل مجتمع يضع النظام الذي يلائمه . ولكن ذلك لا يمنع أن ندرس تجارب الآخرين حتى نستطيع أن نستفيد منها .!
ولهذا نحن حينما نقول أننا نبني هذا المجتمع الجديد ، فلا نعنى أننا نبني فقط ، وإنما نصمم . وهذا التصميم يتطور ويتشكل مع تطور المجتمع ومع حاجات المجتمع ، ومع طبيعة المجتمع ... هذا التصميم تصميم مستمر ، والعمل فيه مستمر !.
ولقد استطعنا في هذه الفترة القصيرة أن نحقق في البناء خطوات طيبة ، ولكنني أقول أن الطريق أمامنا لا ينتهى ، لأن حاجات المجتمع ليست لها نهاية . ولأننا إذا حققنا بعض المطلوب فان أمامنا باستمرار مطالب جديدة .
في هذه السنوات الأخيرة رغم المعارك السياسية والمعارك الاجتماعية ، والمعارك الفكرية استطعنا فى ناحية البناء أو بالأحرى في ناحية زيادة الإنتاج أن نحقق نتائج نستطيع أن نشعر أنها نتيجة عمل كل فرد منا .. استطعنا أن نحقق نتائج مثالية ، أو نتائج طيبة فى ميدان الصناعة ، والتنمية الصناعية والتنمية الاقتصادية وفى ميدان الزراعة ، وفي جميع الميادين التي تتمثل فيها حاجات المجتمع .. وهذا معناه أننا نعمل ، وأننا قدرنا إلى حد كبير أن نحدد الطريق إلى مجتمع ترفرف عليه الرفاهية، وإلى مستقبل أفضل .