ديوان العرب| لِكُلِّ مُجتَهِدٍ حَظٌّ مِنَ الطَلَبِ .. قصيدة الشريف الرضي
تُعد قصيدة «لِكُلِّ مُجتَهِدٍ حَظٌّ مِنَ الطَلَبِ» للشاعر الشريف الرضي، إحدى أهم القصائد التي عرفها تاريخ الشعر العربي، والتي حفظها العرب، وتناقلوها فيما بينهم.
ويعرف «الشريف الرضي» بأنه أحد أبرز الشعراء في العصر العباسي، الذين كتبوا قصائد تميزت بالغزل والمدح والفخر، وعلى رأسها قصيدة «لِكُلِّ مُجتَهِدٍ حَظٌّ مِنَ الطَلَبِ».
تعتبر قصيدة «لِكُلِّ مُجتَهِدٍ حَظٌّ مِنَ الطَلَبِ»، من أجمل ما قيل في الشعر العربي، ومن أشهر القصائد، وتحتوي على 49 بيتًا، تميز شعره بالوضوح والبساطة والحث على الأخلاق الحميدة والخصال الكريمة كما جاء بالقصيدة.
وإليكم القصيدة
لِكُلِّ مُجتَهِدٍ حَظٌّ مِنَ الطَلَبِ
فَاِسبِق بِعَزمِكَ سَيرَ الأَنجُمِ الشُهُبِ
وَاِرقَ المَعالي الَّتي أَوفى أَبوكَ بِها
فَكَم تَناوَلَها قَومٌ بِغَيرِ أَبِ
وَلا تَجُز بِصُروفِ الدَهرِ في عُصَبٍ
مِنَ القَرائِنِ غَيرِ السُمرِ وَالقُضُبِ
نَدعوكَ في سَنَةٍ شابَت ذَوائِبُها
حَتّى تُفَرِّجَها مُسوَدَّةُ القُصُبِ
وَلَم تَزَل خَدَعاتُ الدَهرِ تَطرُقُها
حَتّى تَعانَقَ عودُ النَبعِ وَالغَرَبِ
أَتَيتَ تَحتَلِبُ الأَيّامَ أَشطُرَها
فَكُلُّ حادِثَةٍ مَنزوحَةُ الحَلَبِ
لَولا وَقارُكَ في نَصلٍ سَطَوتَ بِهِ
فاضَت مَضارِبُهُ مِن خِفَّةِ الطَرَبِ
وَحُسنُ رَأيِكَ في الأَرماحِ يُنهِضُها
إِلى الطَعانِ وَلَولا ذاكَ لَم تَثِبِ
كُن كَيفَ شِئتَ فَإِنَّ المَجدَ مُحتَمِلٌ
عَنكَ المَغافِرَ في بَدءٍ وَفي عَقِبِ
ما زالَ بِشرُكَ في الأَزمانِ يُؤنِسُها
حَتّى أَضاءَت سُروراً أَوجُهُ الحِقَبِ
يَفديكَ كُلُّ بَخيلٍ ماتَ خاطِرُهُ
فَإِن خَطَرتَ عَدَدناهُ مِنَ الغِيَبِ
إِذا المَطامِعُ حامَت حَولَ مَوعِدِهِ
أَنَّت إِلَيهِ أَنينَ المُدنَفِ الوَصِبِ
وَعُصبَةٍ جاذَبوكَ العِزِّ فَاِنقَبَضَت
أَكُفُّهُم عَن دِراكِ المَجدِ بِالطَلَبِ
شابَهتَهُم مَنظَراً أَو فُتَّهُم خَبراً
إِنَّ الرَدَينيَّ مَعدودٌ مِنَ القَصَبِ
هابوا اِبتِسامَكَ في دَهياءَ مُظلِمَةٍ
وَلَيسَ يوصَفُ ثَغرُ اللَيثِ بِالشَنَبِ
سَجِيَّةٌ لَكَ فاتَت كُلَّ مَنزِلَةٍ
وَضَعضَعَت جَنَباتِ الحادِثِ الأَشِبِ
نَسيمُها مِن طِباعِ الروضِ مُستَرَقٌ
وَطيبُ لَذَّتِها مِن شيمَةِ الضَرَبِ
تَلقى الخَميسَ إِذا اِسوَدَّت جَوانِبُهُ
بِالمُستَنيرَينِ مِن رَأيٍ وَذي شُطَبِ
وَنَثرَةٌ فَوقَها صَبرٌ تُظاهِرُهُ
أَرَدُّ مِنها لِأَذرابِ القَنا السَلَبِ
لَو لَم يُعَوِّضكَ هَجرُ العَيشِ صالِحَةً
ما كُنتَ تَخرُجُ مِن أَثوابِهِ القُشُبِ
يا اِبنَ الَّذينَ إِذا عَدّوا فَضائِلَهُم
عَدّى النَدى ضَربَهُم في هامَةِ النَشبِ
بِأَلسُنٍ راضَةٍ لِلقَولِ لَو نُضِيَت
نابَت عَنِ السُمرِ في الأَبدانِ وَالحُجُبِ
لا يَستَشيرونَ إِلّا كُلَّ مُنصَلِتٍ
حامي الحَقيقَةِ طَلّاعٍ عَلى النُقَبِ
ذي عَزمَةٍ إِن دَعاها الرَوعُ مُنتَصِراً
تَلَفَّتَت عَن غِرارِ الصارِمِ الخَشِبِ
يَقرونَ حَتّى لَوَ اَنَّ الضَيفَ فاتَهُمُ
حَثّوا إِلَيهِ صُدورَ الأَينُقِ النُجُبِ
أَو أَعوَزَ الخَطبُ في لَيلٍ بُيوتَهُمُ
مَدّوا يَدَ النارِ في الأَعمادِ وَالطُنُبِ
لَو أَنَّ بَأسَهُمُ جارى الزَمانَ إِذاً
لَاِرتَدَّ عَن شَأوِهِ مُستَرخِيَ اللَبَبِ
إِن أورِدوا الماءَ لَم تَنهَل جِيادُهُمُ
حَتّى تُعَلَّ بِرَقراقِ الدَمِ السَرِبِ
قادوا السَوابِقَ مُحفاةً مُقَوَّدَةً
كَأَنَّها بَحَثَت عَن مُضمَرِ التُرَبِ
أَعطافُها بِالقَنا الخَطّيِّ مُثقَلَةٌ
تَكادُ تَعصِفُ بِالساحاتِ وَالرُحَبِ
ما اِنفَكَّ يَطعَنُ في أَعقابِ حافِلَةٍ
بِذابِلٍ مِن دَمِ الأَقرانِ مُختَضِبِ
إِذا اِمتَرى عَلَقَ الأَوداجِ عامِلُهُ
أَعشى العَوالي فَلَم تَنظُر إِلى سَلَبِ
وَلا يَزالُ يُجَلّي نَقعَ قَسطَلِهِ
بِمُحرَجِ الغَربِ مَلآنٍ مِنَ الغَضَبِ
إِذا اِنتَضاهُ لِيَومِ الرَوعِ تَحسِبُهُ
يَسُلُّ مِن غِمدِهِ خَيطاً مِنَ الذَهَبِ
أَو إِن أَشاحَ بِهِ سالَ الحِمامُ لَهُ
في مَضرَبَيهِ فَلَم يَرقَأ وَلَم يَصُبِ
جَذلانُ يَركَعُ إِن مالَ الضِرابُ بِهِ
مُطَرِّباً في قِبابِ البيضِ وَاليَلَبِ
يا أَيُّها النَدبُ إِنَّ السَعدَ مُتَّضِحٌ
بِطَلقَةِ الوَجهِ جَلَّت سُدفَةَ الرِيَبِ
مَولودَةٍ سَقَطَت عَن حِجرِ والِدَةٍ
جاءَت بِها مِلءَ حِجرِ المَجدِ وَالحَسَبِ
لَمّا ظَمِئَت إِلَيها قَبلَ رُؤيَتِها
أُعطيتَ لَذَّةَ ماءِ الوَردِ بِالقَرَبِ
باشِر بِطَلعَتِها العَلياءَ مُقتَبِلاً
فَإِنَّها دُرَّةٌ في حِليَةِ النَسَبِ
وَاِسعَد بِها وَاِشكُرِ الأَقدارَ أَن حَمَلَت
إِلَيكَ قُرَّةَ عَينِ العُجمِ وَالعَرَبِ
وَحُثَّ خَيلَ كُؤوسِ العِزِّ جامِحَةً
إِلى السُرورِ بِخَيلِ اللَهوِ وَاللَعِبِ
وَاِنثُر عَلى الشَربِ سِمطاً مِن فَواقِعِها
وَاِبنَ الغَمامِ مُسَمّىً بِاِبنَةِ العِنَبِ
وَاِصدُم بِكَأسِكَ صَدرَ الدَهرِ مُعتَقِلاً
بِصارِمِ اللَهوِ يَجلو قَسطَلَ الكُرَبِ
كَأسٍ إِذا خُضِبَت بِالماءِ لِمَّتُها
شابَت وَإِن ذَلَّ عَنها الماءُ لَم تَشِبِ
نَفسي تَقيكَ فَكَم وَقَّيتَني بِيَدٍ
وَقَد أَلَظَّ بِيَ الرامونَ عَن كَثَبِ
إِذا اِتَّقَيتُ بِكَ الأَعداءَ رامِيَةً
فَواجِبٌ أَن أُوَقّيكَ النَوائِبَ بي
أَبا الحُسَينِ أَعِر شِعري إِصاخَةَ مَن
يَروي مَسامِعُهُ عَن مَسمَعٍ عَجَبِ
إِذا مَدَحتُكَ لَم أَمنُن عَلَيكَ بِهِ
فَالمَدحُ بِاِسمِكَ وَالمَعنى بِهِ نَسَبي