توفيق الحكيم .. رائد المسرح الذهني
شعلة إبداعية انطلقت في الحياة الأدبية كالهشيم، فمن فتى انطوائي ومائل للعزلة إلى كاتب مسرحي وروائي، فيُعد أحد رواد الرواية والكتابة المسرحية العربية، كان مولعًا بالأدب والفن، وبالرغم من تدرجه في العديد من المناصب إلا أن حبه لهما لم ينطفئ، فأخذ يتردد على الكثير من المسارح والسينمات، فكسب ثقافة أدبية وفنية منقطعة النظير، وظهر ذلك في أسلوبه الذي تميز بين الرمزية والواقعية، وكان سببًا في ظهور تيار فكري جديد عرف في الأدب المسرحي بـ "المسرح الذهني"
وارتبط هذا النوع الفكري ارتباطًا وثيقًا باسمه، فكانت لمسرحيته "أهل الكهف" والتي صدرت في عام 1933م سببًا في حدوث ذلك التيار الفكري، كما تركت المسرحية حدثًا هامًا في تاريخ الدراما العربية، إنه الكاتب الكبير توفيق الحكيم، الذي تحل اليوم ذكرى وفاته، بعدما ترك إرثًا ثقافيًا ستظل تتبادله الأجيال.
ولد توفيق الحكيم في 9 أكتوبر 1898، بالإسكندرية، كان ينتمي لأسرة ثرية، فكان والده ريفي ويعمل في السلك الفضائي فهو واحد من أثرياء الفلاحين المصريين، أما والدته فهي تركية أرستقراطية وابنة لأحد الضباط الأتراك المتقاعدين، كانت كثيرة التفاخر بأصلها وعائلتها العريقة، سعت بكل جهودها من أجل عزل ابنها عن الفلاحين، ومنعه من الاندماج أو اللعب مع الأطفال، فعاد ذلك عليه بالسلب فمال رويدًا رويًدا إلى العزلة والإنطوائية.
التحق الحكيم بمدرسة دمنهور الابتدائية، ثم ألحقه والده بمدرسة حكومية في محافظة البحيرة أنهى بها دراسته الثانوية، ثم انتقل إلى القاهرة مع أعمامه، لمواصلة الدراسة الثانوية في مدرسة محمد علي الثانوية، كان محبًا للأدب والفن فكان يتردد كثيرًا على فرقة جورج أبيض ليجد ما يرضى ميوله الفنية وزاد داخل نفسه انجذابه للمسرح، ثم انضم إلى كلية الحقوق حسب رغبة أبيه.
انضم الحكيم إلى كلية الحقوق بعدما قُبض عليه واعتقل بسجن القلعة وذلك لمشاركته مع أعمامه في مظاهرات ثورة 1919م، ولكن بفضل والده الذي استطاع نقله إلى المستشفى العسكري إلى أن أُفرج عنه، لم يقتصر مساندته لابنه إلى ذلك الحد فساهم بنفوذه واتصالاته بحصول توفيق على بعثة دراسيه في باريس للحصول على الدكتوراه في الحقوق.
رُغم سفره للحصول على الدكتوراه بفرنسا إلا أن حبه للأدب والفن لم ينطفئ، فكان يزور متاحف اللوفر وقاعات السينما والمسرح، واكتسب من خلال ذلك ثقافة أدبية وفنية واسعة إذ اطلع على الأدب العالمي وفي مقدمته اليوناني والفرنسي.
وبسبب ولعه للفن والأدب انصرف عن دراسة القانون، واتجه إلى الأدب المسرحي والقصص، وتردد على المسارح الفرنسية ودار الأوبرا، فاستدعاه والده بعد ثلاث سنوات من إقامته هناك، وعاد الحكيم خالي الوفاض بدون الشهادة التي سافر من أجل الحصول عليها.
تميزت مسرحيات الحكيم بأسلوبه الإبداعي بالمزج بين الرمزية والواقعية على نحو فريد يتخلله الخيال والعمق دون تعقيد أو غموض، أما أسلوبه الأدبي يتميز بالوضوح وعدم المبالغة في الإغلاق أو الإغراق في الغموض، ويظهر ذلك في أسطورة إيزيس التي استوحاها من كتاب الموتى فإن أشلاء أوزوريس الحية في الأسطورة هي مصر التي تنتظر من يوحدها ويجمع أبناءها علي هدف واحد، أما عودة الروح، فهي الشرارة التي أقامتها الثورة المصرية، كما اعتمد في تلك القصة إلي دمج تاريخ حياته في الطفولة والشباب بتاريخ مصر، فيجمع بين الواقعية والرمزية معا على نحو جديد.
ترك توفيق الحكيم العديد من مؤلفاته المسرحية ومنها: أهل الكهف، وشهرزاد، وعهد الشيطان، وسليمان الحكيم، والملك أوديب، وبجماليون، ورحلة إلى الغد، وإيزيس، ولعبة الموت، وشمس النهار، وغيرهم.
أما قصصه ورواياته منها: القصر المسحور، وعودة الروح، وعصفور من الشرق، وليلة الزفاف، ويوميات نائب في الأرياف، والرباط المقدس، وعصا الحكيم.
وتحولت معظم أعمال الحكيم إلى سينمائية ومنها: رصاصة في القلب، الرباط المقدس، الأيدي الناعمة، ليلة زفاف، يوميات نائب في الأرياف، عصفور الشرق.